دعاء يجعلك باراً بوالدتك: المعنى، الفضائل، والنصوص المأثورة

برّ الوالدين هو من أعظم القربات وأجّل الطاعات التي دعا إليها الإسلام وأكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، ويأتي برّ الأم في المقدمة لما لها من فضل عظيم على أبنائها منذ أن كانت حاملاً بهم، مروراً بولادتهم وسهرها على تربيتهم ورعايتهم، وصولاً إلى مرحلة الشيخوخة. ومهما بذل الإنسان من معروف تجاه والدته، فلن يوفيها حقها. وقد علّمنا الدين الإسلامي سُبلاً مختلفة للتقرب إلى الله ببرّ الوالدين، ومن أعظمها الدعاء، الذي هو سلاح المؤمن ووسيلته في نيل رضا الله ورضا الوالدين.

يتناول هذا المقال بتوسع أهمية برّ الأم، وعلاقة الدعاء بتحقيق هذا البر، وأفضل الأدعية التي يمكن أن يدعو بها الإنسان لنيل هذا الشرف العظيم، مع توضيح الفضل الروحي والاجتماعي لهذا الدعاء في حياة الإنسان.

مكانة الأم في الإسلام

الأم هي مصدر الرحمة والحنان، وقد خُصّت في نصوص القرآن والسنة بمنزلة سامية تفوق ما يُمنح لأي بشر آخر بعد النبيين. ورد ذكر الأم في آيات متعددة من كتاب الله، منها قوله تعالى:

“ووصّينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير” (لقمان: 14).

هذه الآية تُبرز مشقة الحمل والرضاعة، وتدعو الأبناء للاعتراف بجميل الأم وردّ الإحسان إليها بالشكر والطاعة. كما ورد في الحديث الشريف حين جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال:

“يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك” (رواه البخاري ومسلم).

ثلاث مرات كرر النبي ذكر الأم قبل الأب، ما يدل على تفوّق حقها في البر والمعاملة الحسنة.

معنى البر بالأم

البر بالأم لا يقتصر على الطاعة الظاهرة فقط، بل يشمل طيفاً واسعاً من المعاني السلوكية والروحية، منها:

• الطاعة في غير معصية الله.

• اللين في القول وعدم رفع الصوت عليها.

• الإنفاق عليها والسعي في خدمتها.

• ملازمتها والحرص على رضاها.

• الدعاء لها في حياتها وبعد مماتها.

ومن المظاهر الروحية لبرّ الأم، ما يُظهره الابن من تواضع وخشوع في حضرتها، والسعي في طلب رضاها حتى وإن كان على حساب راحته الشخصية.

الدعاء كوسيلة لبرّ الأم

الدعاء ليس فقط أداة لطلب الحاجات، بل هو في ذاته عبادة تُقرّب العبد من ربه، كما أنه يُعدّ شكلاً من أشكال البر حين يُوجهه الابن لوالدته سواء كانت على قيد الحياة أو قد انتقلت إلى جوار ربها. وقد ورد في الحديث:

“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم).

فالدعاء للوالدين هو من صور البرّ الممتد بعد الممات، وهو دليل على الوفاء والامتنان.

دعاء يجعل الإنسان باراً بأمه

إن الدعاء الذي يجعل العبد باراً بأمه ليس محصوراً في نص محدد، بل يتنوع بحسب المقصد والنية، ولكن هناك أدعية جامعة وردت عن النبي ﷺ أو مأثورة من السلف الصالح تجمع معاني البر والدعاء بالخير، منها:

أدعية مأثورة للبر بالأم:

اللهم اجعلني من البارين بوالدتي، وأعني على برّها في حياتها وبعد مماتها، وارضَ عني برضاها، واجعل رضاها عليّ نوراً في الدنيا والآخرة.

اللهم ارزقني طاعة أمي، وحبّها، والقيام بحقها، واجعلني لها ولدًا صالحًا بارًا لا عاقًا ولا قاسيًا.

اللهم اجعلني ممن قال فيهم نبيك محمد ﷺ: “رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، من أدرك والديه أحدهما أو كليهما ولم يدخل الجنة”.

اللهم اجعل أمي سيدة من سيدات أهل الجنة، وارفع درجتها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وإن كانت حية فمدّ في عمرها على طاعتك، وبارك لي في برّها.

اللهم لا تجعل في قلبي غلًا ولا ضيقًا من والدتي، واجعلني دائم الرضا عنها، حريصًا على إسعادها، سباقًا في خدمتها.

اللهم إني أعوذ بك أن أكون من العاقين، واهدني لأكون من الأبرار، واغفر لي تقصيري في حق والدتي، وأعني على الإحسان إليها قولاً وعملاً.

أثر الدعاء على سلوك البرّ

الدعاء لا يقتصر على طلب اللفظ فقط، بل هو ارتباط بين النية والسلوك. فمن يدعو بصدق أن يكون باراً بأمه، فإنه يسعى تلقائيًا لتغيير سلوكه تجاهها، ويهذّب أقواله وأفعاله، ويعيد تقييم علاقته بها. وقد أشارت دراسات نفسية إلى أن التركيز المستمر على نية البر والدعاء بها يعزّز الجانب العاطفي والسلوكي بين الابن ووالدته، مما يؤدي إلى علاقات أكثر دفئًا وحنانًا.

صور عملية للبر بالأم مقرونة بالدعاء

ثمار الدعاء والبر بالأم في الدنيا والآخرة

برّ الأم والدعاء لها لا يعود بالنفع على الأم فقط، بل ينعكس على الابن نفسه في حياته ومماته. وقد بيّنت النصوص الشرعية فضل البر والدعاء في جلب الخير ودفع البلاء، ومن هذه الثمار:

في الدنيا:

• طول العمر وبركة في الرزق.

• حب الناس وقبول واسع في القلوب.

• توفيق في الأعمال والقرارات.

• انشراح الصدر وزوال الهموم.

في الآخرة:

• نيل رضا الله والجنة، كما في الحديث: “الجنة تحت أقدام الأمهات”.

• النجاة من العقوق، الذي هو من الكبائر الموبقة.

• أن يُبعث العبد في زمرة الأبرار الصالحين.

خاتمة دعوية

لكي يكون الإنسان باراً بوالدته حقاً، فلا يكفي التمسك بالمظاهر دون جوهر البر، ولا أن يقتصر على الأقوال دون الأفعال. ومن أراد أن يكتب اسمه في ديوان الأبرار، فعليه أن يقرن محبته لأمه بدعاء دائم، وسلوك متزن، وتواضع راسخ، واعتراف متجدد بالجميل. فالدعاء هو من أقوى أبواب البر، وأجمل صوره، وأصدقها. وإذا اجتمع القلب الذاكر، واليد الطائعة، واللسان الداعي، كان ذلك بداية طريق رضا الأم، ورضا الرب، والخلود في الجنة.

المراجع

• صحيح البخاري

• صحيح مسلم