الإسقاط النجمي في الإسلام

الإسقاط النجمي في الإسلام: رؤية شرعية وروحية

الإسقاط النجمي هو ظاهرة قديمة ظهرت في العديد من الثقافات حول العالم، وتتمثل في تجربة الشعور بالخروج من الجسد، حيث يعتقد الشخص أنه يترك جسده المادي ليحلق في فضاء آخر أو بعد آخر. يعتقد من يعانون من هذه التجربة أنهم يسافرون إلى أماكن بعيدة أو يدخلون عوالم غير مرئية، وقد تكون هذه الظاهرة مصحوبة بمشاعر الانفصال عن الجسد والوعي الكامل بحالة غير مألوفة.

لكن السؤال الذي يثار هنا هو: ما هي نظرة الإسلام إلى الإسقاط النجمي؟ وهل هناك موقف ديني من هذه الظاهرة التي تنطوي على عناصر غير ملموسة قد تكون في صلب بعض الطقوس الروحية في ثقافات أخرى؟

مفهوم الإسقاط النجمي

الإسقاط النجمي هو عملية يُعتقد من خلالها أن الروح أو الوعي يمكن أن يغادر الجسد الفيزيائي، ثم يعود إليه لاحقًا. في كثير من الأحيان، يُربط هذا المفهوم بتجارب اقتراب الموت أو حالات الوعي المتغير (مثل التأمل العميق، أو أحلام اليقظة)، ويُقال إن الأشخاص الذين يعانون من هذه الظاهرة يختبرون مشاهد وصورًا لا يمكن تكرارها في الواقع العادي.

تشير بعض المصادر الغربية إلى أن الإسقاط النجمي يمكن أن يُعتبر نوعًا من التنقل الروحي أو البُعدي، حيث يتحرر الوعي من الجسم المادي ويعبر إلى أبعاد أو عوالم أخرى. مع ذلك، تظل هذه الظاهرة غامضة وغير مثبتة علمياً بشكل قطعي.

النظرية الإسلامية في الروح والجسد

في الإسلام، تُعتبر الروح والجسد عنصرين منفصلين ولكنهما مترابطان. يعتقد المسلمون أن الروح هي جوهر الحياة، وهي من خلق الله سبحانه وتعالى، وأنها تنفصل عن الجسد عند الوفاة. أما الجسد، فيبقى على حاله حتى يوم القيامة. في هذا السياق، الروح تُعتبر من الأمور الغيبية التي لا يُمكن للإنسان أن يتحكم فيها أو يفهمها بشكل كامل.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

“وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (الإسراء: 85).

هذا الآية تشير إلى أن الإنسان لا يمكنه أن يدرك كل أسرار الروح، وهي من علم الله وحده. من هذا المنطلق، يمكن القول إن تفسير الإسقاط النجمي من منظور إسلامي قد يكون خارج حدود الفهم البشري المباشر، ويمكن أن يكون نوعًا من تجارب النفس البشرية التي قد لا تتفق مع المفاهيم الإسلامية.

تجارب الخروج من الجسد في ضوء الإسلام

من المعروف أن الإسلام يعترف بوجود حالات يُمكن أن يتعرض فيها الإنسان لتجارب غير مفسرة علمياً، مثل الإحساس بالاختراق الروحي أو الوعي العميق الذي يمكن أن يتداخل مع الشعور بالخروج من الجسد. فمثلاً، يشير القرآن الكريم إلى بعض الظواهر الروحية التي يمكن أن يُختبرها الإنسان في حالات معينة.

مثلًا، في حادثة الإسراء والمعراج:

عندما أسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى القدس، ثم صعد إلى السماوات السبع، يقال إن ذلك كان معجزة إلهية تم فيها نقل النبي جسديًا وروحيًا في رحلة طويلة وصعبة، وهو ما قد يكون أشبه بالتجربة غير المألوفة التي يصعب على البشر تفسيرها.

أما فيما يخص الإسقاط النجمي، فلا توجد نصوص دينية مباشرة تشير إلى الظاهرة بشكل دقيق. ومع ذلك، يعتقد بعض العلماء أن مثل هذه التجارب قد تكون مجرد إدراك عقلي في أوقات معينة من اليقظة أو النوم، وهي ليست خروجًا حقيقيًا للروح من الجسد.

الرأي الشرعي حول الإسقاط النجمي

تُبنى الآراء الإسلامية بشأن الظواهر الروحية والنفسية بشكل عام على مدى توافقها مع تعاليم القرآن والسنة. ولذا، فإن الآراء حول الإسقاط النجمي قد تختلف بين المفسرين والعلماء.

1. الرأي القائل بعدم الجواز:

   • الغيبيات في الإسلام: يرى بعض العلماء أن كل ما يتعلق بالغيبيات يجب أن يتم الإيمان به على ضوء ما ورد في الكتاب والسنة. وبالتالي، فإن محاولات الإنسان للخروج عن حدود ما هو مسموح له من التجارب الروحية قد يكون تدخلاً في مجالات علمية وغيبية هي من اختصاص الله سبحانه وتعالى.

   • التحكم في الروح: قد يُعتبر السعي وراء الظواهر مثل الإسقاط النجمي محاولة للتحكم في الروح أو الخروج عن قوانين الله في الحياة والموت، وهو أمر يرفضه الإسلام بشدة.

2. الرأي القائل بالإباحة بشرط:

   • في المقابل، هناك من يعتقد أن تجارب مثل الإسقاط النجمي قد تحدث في سياقات معينة، بشرط أن لا تؤدي إلى خروج الشخص عن إطار الإسلام أو تضر بعبادته أو إيمانه. على سبيل المثال، قد يقال إن البعض قد يختبر حالة مشابهة للإسقاط النجمي من خلال التأمل أو التركيز العميق دون أن يكون ذلك محرمًا طالما أنه لا يؤدي إلى تعطيل أو تشويش في ممارسة العبادات.

3. الآراء الطبية والعلمية:

   • من زاوية علمية، يُعتبر الإسقاط النجمي ظاهرة نفسية تتعلق بحالات معينة من النشاط العصبي أو الظواهر التي قد تحدث أثناء النوم أو تحت تأثير بعض الحالات النفسية مثل التوتر أو القلق. وبالتالي، يُنظر إلى الظاهرة على أنها حالة ذهنية قد لا تترجم إلى خروج حقيقي للروح من الجسد.

الخلاصة

الإسلام لا يعترف بمفهوم الإسقاط النجمي كما هو مُتداول في بعض الثقافات. تظل الروح في الإسلام أمرًا غيبيًا لا يمكن للبشر التحكم فيه أو فهمه بالكامل. ولذلك، يمكن القول إن الإسلام لا يسمح بمحاولات من شأنها تجاوز حدود العلم الغيبي الذي يختص به الله تعالى. إذا كانت الظاهرة مجرد تجربة نفسية أو روحانية، فإن الإسلام يوجه إلى أن يتعامل الإنسان معها بحذر ويظل بعيدًا عن الممارسات التي قد تؤثر على إيمانه أو عباداته.

إضافة إلى ذلك، يبقى من المهم أن يتعامل المسلم مع مثل هذه التجارب بحذر، ويتأكد من أنه لا يتبع طرقًا قد تضل به عن الطريق الصحيح.