اسم رئيس الصين: شي جين بينغ ومسار القيادة الصينية

المقدمة

يُعد رئيس جمهورية الصين الشعبية أحد أبرز المناصب السياسية في العالم، نظراً للدور المحوري الذي تلعبه الصين على الساحة الدولية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الجيوسياسي. ويحمل هذا المنصب اليوم شخصية ذات تأثير بالغ في السياسات العالمية والإقليمية، وهو شي جين بينغ (Xi Jinping)، الذي يقود البلاد منذ عام 2012 ويُنظر إليه كأقوى زعيم صيني منذ عهد ماو تسي تونغ.

تمثل شخصية شي جين بينغ محوراً لفهم التحولات الكبرى في السياسة الصينية، من الإصلاحات الاقتصادية، إلى بسط النفوذ العسكري، مروراً بتعديل الدستور وإلغاء تحديد مدة الرئاسة، وصولاً إلى مشروع “الحلم الصيني” الذي يسعى من خلاله إلى إعادة إحياء عظمة الأمة الصينية. لذلك، فإن دراسة خلفية شي جين بينغ وسياسته وتوجهاته الفكرية والاقتصادية تُعد أمراً بالغ الأهمية لفهم المشهد الدولي في القرن الحادي والعشرين.

الخلفية الشخصية والتعليم

ولد شي جين بينغ في 15 يونيو 1953 في العاصمة الصينية بكين، وهو نجل أحد القادة الثوريين في الحزب الشيوعي الصيني، شي تشونغ شون، الذي كان وزيراً للدعاية في الخمسينات. ولكن بالرغم من انتمائه لعائلة سياسية بارزة، فإن مسار شي لم يكن سهلاً، حيث عانت عائلته من الإقصاء السياسي خلال الثورة الثقافية التي أطلقها ماو تسي تونغ، وتم إرسال شي إلى الريف في مقاطعة شنشي كجزء من “حركة إعادة التثقيف”.

تجربته في الريف، والتي امتدت لعدة سنوات، شكلت جزءاً محورياً من شخصيته القيادية، حيث عاش في كهوف ومارس العمل الزراعي، واكتسب خبرة مباشرة بمعاناة الفلاحين. لاحقاً، التحق بجامعة تسينغهوا في بكين، وهي من أرقى جامعات البلاد، حيث درس الهندسة الكيميائية وتلقى تعليماً حزبياً معمقاً في الفكر الماركسي والسياسة.

المسار السياسي المبكر

انطلق مشواره السياسي في أواخر السبعينات من القرن الماضي، حيث تقلد مناصب إدارية محلية في عدة مقاطعات، بما في ذلك خبي، فوجيان، وتشجيانغ. في كل مرحلة من هذه المناصب، عرف عنه الصرامة الإدارية، ومكافحة الفساد، والتوجه نحو تحديث الإدارة المحلية.

نقطة التحول الكبرى في مسيرته كانت تعيينه في عام 2007 كعضو في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، وهي أعلى هيئة قيادية في البلاد. وبعد وفاة الرئيس السابق هو جينتاو، تولى شي جين بينغ في عام 2012 منصب الأمين العام للحزب الشيوعي، وفي العام التالي أصبح رئيس جمهورية الصين الشعبية ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، مما جعله القائد الأعلى لكل السلطات في الدولة.

تثبيت سلطته: تعديل الدستور وبسط النفوذ

من أبرز الإجراءات التي أقدم عليها شي جين بينغ كان إلغاء تحديد مدة الرئاسة في عام 2018، مما يسمح له بالبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى. وقد اعتبر هذا الإجراء خطوة غير مسبوقة منذ ماو تسي تونغ، حيث كانت الصين قد أقرت في الثمانينات مبدأ تداول السلطة لتجنب النزعة الفردية في الحكم. وبرر الحزب الشيوعي هذا التعديل بأنه ضروري لاستكمال “إحياء الأمة الصينية” الذي يتطلب قيادة موحدة وثابتة.

إلى جانب ذلك، أطلق شي حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد طالت آلاف المسؤولين، من كبار الجنرالات إلى أعضاء اللجنة المركزية، مما ساهم في تعزيز شعبيته لدى فئات كبيرة من الشعب، على الرغم من انتقادات بعض المراقبين الذين رأوا في الحملة وسيلة لتصفية خصومه السياسيين.

فكر شي جين بينغ: الأيديولوجيا وإعادة صياغة الحزب

في عام 2017، تم إدراج فكر شي جين بينغ رسمياً ضمن دستور الحزب الشيوعي الصيني تحت اسم “فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد”، ليصبح بذلك ثالث زعيم في تاريخ الحزب يتم تكريس فكره في الدستور بعد ماو تسي تونغ ودنغ شياو بينغ.

يركز هذا الفكر على مجموعة من المحاور، منها:

• تعزيز دور الحزب كقوة مركزية في كل مناحي الحياة.

• إحياء “الحلم الصيني” المتمثل في نهضة الأمة الصينية.

• بناء اقتصاد قوي يعتمد على الابتكار التكنولوجي.

• إصلاح المؤسسات العسكرية لتكون أكثر فاعلية واستعداداً للمهام المستقبلية.

• تأكيد السيادة الصينية، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا مثل هونغ كونغ وتايوان.

الاقتصاد في عهد شي جين بينغ

في ظل قيادته، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وحققت معدلات نمو مرتفعة رغم التحديات الداخلية والخارجية. لكنه في المقابل، اتخذ توجهات اقتصادية أكثر تدخلية، تمثلت في فرض رقابة أكبر على الشركات الخاصة، لا سيما شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “علي بابا” و”تينسنت”.

كما أطلق مبادرة “الصين 2025” التي تهدف إلى تحويل الصين إلى قوة صناعية وتقنية عظمى، وركز على تطوير الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية، وعلوم الفضاء.

في المقابل، تباطأ النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، خصوصاً في ظل تداعيات جائحة كورونا، والأزمة العقارية، والتوترات التجارية مع الولايات المتحدة. إلا أن شي واصل الترويج لنموذج “الازدهار المشترك” الذي يسعى إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتعزيز العدالة الاقتصادية.

السياسة الخارجية: نحو عالم متعدد الأقطاب

شهدت السياسة الخارجية الصينية تحولات جذرية في عهد شي جين بينغ، حيث انتقلت من نهج “الصعود السلمي” إلى تبني سياسة أكثر حزماً وصراحة في الدفاع عن المصالح الوطنية.

من أبرز محاور هذه السياسة:

• مبادرة الحزام والطريق: أطلقها شي عام 2013، وتهدف إلى إعادة إحياء طرق التجارة القديمة عبر مشاريع بنية تحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا.

• التوتر مع الولايات المتحدة: العلاقات بين بكين وواشنطن تدهورت بشكل ملحوظ منذ الحرب التجارية التي بدأت في 2018، إلى جانب النزاعات حول تايوان، والتكنولوجيا، وحقوق الإنسان.

• تعزيز الحضور العسكري: وسّع شي قدرات الجيش الصيني، خصوصاً البحرية، وبنى قواعد عسكرية خارج حدود الصين، مثل قاعدة جيبوتي.

• العلاقات مع روسيا: أقام تحالفاً استراتيجياً مع موسكو، تعزز بعد الأزمة الأوكرانية، ما شكّل تحدياً للهيمنة الغربية.

جدول: إنجازات شي جين بينغ في أرقام

الجدل والنقد الدولي

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها شي جين بينغ، فإن فترة حكمه لم تخلُ من الجدل داخلياً وخارجياً. في الداخل، عبّر بعض النشطاء والمثقفين عن خشيتهم من عودة الحكم الفردي وتقييد الحريات، خاصة بعد حملات الرقابة على الإنترنت، وتضييق الخناق على المجتمع المدني.

أما خارجياً، فتعرضت الصين لانتقادات شديدة بسبب سياساتها في شينجيانغ وهونغ كونغ، وأثار تعاملها مع جائحة كوفيد-19 توتراً مع عدد من الدول. كما أن التوجهات القومية في السياسة الصينية زادت من حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي ومع جيرانها في آسيا.

خاتمة

إن اسم رئيس الصين، شي جين بينغ، لم يعد مجرد عنوان سياسي داخلي، بل أصبح رمزاً لمرحلة مفصلية في تاريخ الصين المعاصر والعالمي. فبفضل قبضته المحكمة على مقاليد السلطة، استطاع أن يُعيد صياغة ملامح النظام السياسي، ويُحدث تحولات جوهرية في الاقتصاد والمجتمع والدور الدولي للصين. إلا أن مستقبل هذه التحولات لا يزال مفتوحاً أمام تحديات داخلية وخارجية معقدة، تتطلب توازناً دقيقاً بين القوة والمرونة، والانفتاح والحزم، في ظل نظام يزداد تركيزه حول شخصية واحدة ومشروع واحد.

المراجع

1. The Economist Intelligence Unit. (2023). Xi Jinping’s China: The Era of Absolute Power.

2. Brookings Institution. (2022). Xi Jinping and the Future of Chinese Politics.