في عالم الأعمال، تعتبر قواعد العمل المكتبية أحد العناصر الأساسية التي تُحدد طريقة سير العمليات اليومية في الشركات. ولكن بعض هذه القواعد، رغم أنها قد تبدو منطقية على الورق، قد تكون في الواقع مُحبطة، مرهقة، وغير عملية بالنسبة للموظفين. هذه القواعد ليست فقط مصدر توتر، بل إنها قد تؤدي أيضًا إلى شعور الموظفين بعدم الرضا، مما ينعكس سلبًا على إنتاجيتهم وصحتهم النفسية. في هذا المقال، سنتناول ثمانية من هذه القواعد المكتبية “الغبية” التي تدفع الجميع للجنون.
1. قاعدة “يجب أن تكون في المكتب طوال اليوم”
غالبًا ما تجد الشركات التي تعاني من ثقافة العمل التقليدية تتمسك بفكرة أن الموظف يجب أن يتواجد في مكتبه طوال ساعات العمل، بغض النظر عن طبيعة العمل أو ظروفه الشخصية. تتجاهل هذه القاعدة أهمية العمل عن بعد أو حتى أخذ فترات راحة كافية للحفاظ على الإنتاجية.
في الواقع، تبين الدراسات أن العمل عن بُعد أو استخدام أساليب العمل المرنة يمكن أن يعزز الإنتاجية بشكل كبير. عندما يَسمح الموظفون بالعمل من المنزل أو بالحصول على فترات راحة مرنة، فإنهم يشعرون بمزيد من الراحة والتركيز، مما يساهم في تعزيز أدائهم العام. إلا أن ثقافة الحضور الدائم في المكتب تعني في العديد من الحالات أن الموظفين يصبحون أقل إنتاجية وأكثر عرضة للإجهاد.
2. قاعدة “الاجتماعات اليومية”
من الأمور الشائعة في بعض الشركات هي فرض الاجتماعات اليومية أو الأسبوعية التي يتم خلالها استعراض المهام والأنشطة. هذه الاجتماعات، رغم أنها قد تبدو ضرورية، إلا أنها في كثير من الأحيان تضيع وقت الموظفين وتؤثر سلبًا على إنتاجيتهم.
الاجتماعات الطويلة والمكثفة قد تستهلك ساعات من وقت العمل دون أن تساهم في تحسين الأداء الفعلي. بدلاً من تعزيز التعاون والإبداع، قد تصبح عبئًا ثقيلًا، خاصة إذا كانت هذه الاجتماعات لا تتناول قضايا حقيقية أو لا تستفيد منها جميع الأطراف المعنية. بدلاً من هذه الاجتماعات المتكررة، يمكن أن يكون التواصل السريع عبر البريد الإلكتروني أو تطبيقات الدردشة الداخلية بديلاً أكثر فعالية.
3. قاعدة “إغلاق الباب يعني عدم الإزعاج”
من الشائع أن يفرض بعض المديرين والموظفين قاعدة “إغلاق الباب” عندما يكونون مشغولين. لكن هذه القاعدة تخلق حاجزًا بين الموظف وفريقه، مما يؤدي إلى عزلة وتفكك في العمل الجماعي. إغلاق الباب يُعني أن الشخص لا يمكن الوصول إليه بسهولة، وقد يشعر الآخرون بالابتعاد عنه أو أنهم لا يستطيعون طلب المساعدة عند الحاجة.
في بيئة العمل الحديثة، تعتبر التواصل الفعال والتعاون أمرًا أساسيًا للابتكار وتحقيق الأهداف المشتركة. بدلاً من فرض قيود على الوصول، يُفضل أن يتم تشجيع الموظفين على فتح قنوات اتصال مرنة، بحيث يشعر الجميع بأنهم جزء من فريق واحد يمكنه العمل معًا على حل المشاكل بشكل جماعي.
4. قاعدة “الموظف الذي لا يشارك في الأنشطة هو غير ملتزم”
تُفرض في بعض الشركات قاعدية اجتماعية غير مريحة، وهي أن الموظف الذي لا يشارك في الأنشطة الاجتماعية خارج العمل أو الفعاليات التي تنظمها الشركة يُعتبر غير ملتزم أو لا ينتمي للفريق. هذا التوجه يعد غير عادل للبعض، حيث أن شخصيات مختلفة تميل إلى تفضيل العزلة أو الراحة خارج أوقات العمل، وهو أمر لا يعني بالضرورة قلة التزام.
هذه القاعدة تخلق ضغطًا اجتماعيًا غير مبرر على الموظفين وتُعرضهم لشعور بالذنب أو الانعزال، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على روح الفريق. من الأفضل تبني بيئة تحترم تفضيلات الموظفين وتُتيح لهم المجال للاختيار دون فرض أعباء غير ضرورية.
5. قاعدة “الرد على البريد الإلكتروني فورًا”
في العصر الرقمي الحالي، أصبح البريد الإلكتروني أحد الوسائل الرئيسية للتواصل في العمل. لكن القاعدة التي تفترض ضرورة الرد على جميع رسائل البريد الإلكتروني فورًا هي قاعدة يمكن أن تُسبب ضغطًا غير مبرر على الموظفين.
يُصبح الموظفون في هذه الحالة في حالة من القلق المستمر حول ضرورة الرد السريع على كل رسالة واردة، مما يؤثر على قدرتهم على التركيز على مهامهم الأساسية. بدلًا من هذه القاعدة، يجب أن يتم تشجيع الموظفين على إدارة وقتهم بشكل أفضل، مع تحديد فترات مناسبة للرد على الرسائل الإلكترونية دون التأثير على سير العمل الأساسي.
6. قاعدة “العمل في العطلات لا يُعتبر استثناءً”
يُعاني العديد من الموظفين من ضغط العمل الذي يمتد إلى أيام العطلات الرسمية. رغم أن بعض الصناعات تتطلب أحيانًا استمرارية العمل، فإن فرض العمل في العطلات بشكل متكرر يعد أحد القواعد التي تتسبب في استنزاف الموظفين وتؤدي إلى الإرهاق العقلي والجسدي.
البحث عن التوازن بين العمل والحياة الشخصية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الإنتاجية على المدى الطويل. ينبغي على الشركات أن تدرك أن منح الموظفين فترات راحة حقيقية يساهم في تجديد طاقتهم ويعزز إبداعهم في العمل. يُفضل أن تُتَخذ سياسات مرنة بخصوص العطلات الرسمية، بحيث يمكن للموظف التمتع بالراحة دون الخوف من أن يُعتبر ذلك تقاعسًا.
7. قاعدة “عدم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة”
بعض الشركات لا تزال تتردد في تبني التقنيات الحديثة التي تسهل العمل وتعزز الإنتاجية. مثل هذه الشركات تعتمد على الطرق التقليدية في إتمام المهام، مثل استخدام الأنظمة الورقية أو البريد التقليدي بدلاً من الأنظمة الرقمية الحديثة.
عدم اعتماد هذه التقنيات المتطورة يعني ضياع الوقت في إتمام الأعمال بشكل يدوي، مما يؤدي إلى التراكم الكبير للمهام وزيادة فرص الأخطاء. كما أن العاملين في هذه الشركات قد يشعرون بأنهم عالقون في عصر قديم لا يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي. من الأفضل أن تتبنى الشركات التكنولوجيا الحديثة كجزء من استراتيجية العمل اليومية لتحسين الكفاءة وتقليل الضغط على الموظفين.
8. قاعدة “الترقية تعتمد على طول مدة العمل في الشركة”
في العديد من المؤسسات، يُعتبر الموظف الذي أمضى وقتًا طويلًا في الشركة أكثر أهلية للحصول على الترقيات مقارنة بالموظف الذي يقدم أداءً ممتازًا ولكن في فترة زمنية قصيرة. هذه القاعدة تروج لفكرة أن الأقدمية هي المعيار الرئيسي للترقية، وهو أمر قد يؤدي إلى تهميش الموظفين الجدد أو أولئك الذين يبذلون جهدًا كبيرًا في تطوير مهاراتهم.
ترتكب الشركات خطأً عندما تركز على الأقدمية فقط في عملية الترقية، حيث أن هذه القاعدة تؤدي إلى التقليل من أهمية الكفاءة والإبداع. من الأفضل أن تعتمد الشركات على معايير مثل الأداء الفعلي، الابتكار، والقدرة على التكيف مع التغيرات، بدلاً من الأقدمية فقط. في هذا السياق، يمكن للموظفين الجدد أن يتقدموا بسرعة إذا أثبتوا كفاءتهم وفاعليتهم في أداء مهامهم.
الخلاصة
القواعد المكتبية التي تبدو للوهلة الأولى أنها تهدف إلى تحسين سير العمل، قد تكون في الواقع غير فعّالة وتؤدي إلى خلق بيئة عمل سلبية. من المهم أن تقوم الشركات بإعادة تقييم هذه القواعد بشكل دوري، والاستماع إلى ملاحظات الموظفين وتوفير بيئة مرنة تشجع على الابتكار والتعاون. عبر تبني سياسات أكثر مرونة وإنصافًا، يمكن للشركات تعزيز الإنتاجية والروح الإيجابية بين موظفيها، مما ينعكس إيجابًا على الأداء العام والنتائج المرجوة.
