عدد سكان اليمن 2024

عدد سكان اليمن: التركيبة السكانية والتحولات الديموغرافية

يُعد اليمن واحدًا من الدول العربية ذات التاريخ العريق والموقع الجغرافي الإستراتيجي على مفترق طرق بين شبه الجزيرة العربية، والقرن الأفريقي، والمحيط الهندي. ومع أن اليمن قد عانى في العقود الأخيرة من أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية معقدة، فإن التحولات الديموغرافية التي شهدها لا تزال تثير اهتمام الباحثين وصانعي السياسات. إنّ فهم عدد السكان وتوزيعهم وتركيبتهم له دور محوري في تقييم احتياجات التنمية، وتخطيط البنية التحتية، ووضع استراتيجيات التعليم والصحة والإسكان.

التقديرات الحديثة لعدد السكان

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي لعام 2024، فإن عدد سكان اليمن قد تجاوز 34 مليون نسمة، مع معدل نمو سكاني يُقدّر بحوالي 2.3% سنويًا. هذا المعدل المرتفع يعكس أحد أعلى معدلات النمو السكاني في المنطقة، ويُعزى إلى ارتفاع معدلات الخصوبة، وانخفاض متوسط الأعمار عند الزواج، فضلاً عن بنية سكانية شابة يشكل فيها الأطفال والشباب الغالبية العظمى من السكان.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقديرات تُعد تقريبية بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد في إجراء التعدادات السكانية الدورية نتيجة للاضطرابات المستمرة والنزوح الداخلي الواسع الناجم عن النزاع المسلح المستمر منذ عام 2015.

التركيبة العمرية والجندرية

تتميز التركيبة السكانية في اليمن بكونها شديدة الشباب؛ فحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن حوالي 40% من السكان تقل أعمارهم عن 15 عامًا، بينما لا تتجاوز نسبة من هم فوق 65 عامًا حاجز 3%. ويُظهر هذا الواقع تحديات تنموية كبيرة في مجال التعليم، والرعاية الصحية، وتوفير فرص العمل.

أما من حيث التوزيع الجندري، فيُقدّر أن نسبة الذكور والإناث متقاربة نسبيًا، حيث يبلغ عدد الذكور نحو 50.2%، فيما تبلغ نسبة الإناث 49.8%. غير أن الحرب أدّت إلى تغييرات جذرية في بعض المناطق، حيث فقدت بعض الأسر الذكور بسبب القتال أو النزوح، مما أعاد تشكيل تركيبة الأسرة التقليدية.

التوزيع الجغرافي للسكان

يتوزع سكان اليمن بشكل غير متكافئ على الخريطة الجغرافية. فبينما تضم المناطق الحضرية مثل العاصمة صنعاء، وعدن، وتعز، والحديدة كثافة سكانية مرتفعة، نجد أن المناطق الصحراوية أو الجبلية أو تلك المتأثرة بالنزاعات المسلحة تشهد انخفاضًا ملحوظًا في الكثافة السكانية نتيجة النزوح أو صعوبة العيش فيها.

ويمكن تصنيف التوزيع السكاني على النحو التالي:

تشير هذه الأرقام إلى تركز السكان بشكل رئيسي في المناطق الساحلية والمرتفعات الوسطى، بينما تبقى المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية أقل كثافة نظرًا لطبيعتها الصحراوية.

التحديات السكانية: النزوح والهجرة

منذ تصاعد النزاع في عام 2015، شهد اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث نزح داخليًا أكثر من 4.5 مليون شخص، حسب تقارير المنظمة الدولية للهجرة. وقد أدى هذا النزوح إلى تغييرات عميقة في التوزيع السكاني للمناطق، حيث استقبلت بعض المدن نسبًا سكانية مضاعفة نتيجة لاستقبال النازحين.

وعلى صعيد الهجرة الخارجية، تشير التقديرات إلى وجود مئات الآلاف من اليمنيين في السعودية ودول الخليج، وكذلك في دول القرن الأفريقي. وتُعد الهجرة وسيلة رئيسية لتحسين مستوى المعيشة لعائلات يمنية كثيرة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد.

معدل الخصوبة والإنجاب

يتميز اليمن بمعدل خصوبة مرتفع نسبيًا مقارنة بمتوسط الدول العربية، إذ يبلغ 4.1 طفل لكل امرأة في المتوسط، وهو رقم يعكس ثقافة مجتمعية تعزز الأسرة الكبيرة، إلى جانب محدودية الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة في كثير من المناطق، خصوصًا الريفية منها.

وقد تراجعت معدلات الخصوبة مقارنة بالعقود الماضية، حيث كانت تتجاوز 6 أطفال لكل امرأة في التسعينيات، مما يشير إلى بداية تحول ديموغرافي، رغم أنه لا يزال بطيئًا بسبب العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية التي تشجع على التكاثر.

المؤشرات الصحية المرتبطة بالسكان

الواقع الصحي للسكان اليمنيين يعكس بدوره تأثيرات الحرب والفقر وضعف البنية التحتية الصحية. وتُشير التقارير إلى أن متوسط العمر المتوقع في اليمن انخفض ليصل إلى حوالي 64 سنة، مقارنة بـ68 سنة قبل بداية النزاع.

كما يعاني القطاع الصحي من تحديات جمة، مثل:

• ارتفاع معدلات وفيات الأطفال (حوالي 50 وفاة لكل 1000 ولادة).

• تفشي أمراض مثل الكوليرا، والملاريا، وسوء التغذية الحاد لدى الأطفال.

• ضعف الرعاية الصحية للأمهات، خصوصًا في المناطق الريفية.

• نقص الأدوية والكوادر الطبية والمرافق.

التعليم والسكان

يرتبط عدد السكان وتوزيعهم ارتباطًا وثيقًا بقطاع التعليم. ومع وجود أكثر من 7 ملايين طفل في سن الدراسة، فإن البلاد تواجه ضغوطًا هائلة على النظام التعليمي، خاصة في ظل إغلاق آلاف المدارس أو تدميرها بسبب الحرب، فضلًا عن النزوح الذي حال دون انتظام الطلاب في العملية التعليمية.

وتُشير الإحصاءات إلى أن نسبة الأمية بين السكان فوق سن 15 عامًا تصل إلى 35%، مع تباين واضح بين الذكور والإناث، إذ أن نسبة الأمية بين الإناث أعلى بشكل ملحوظ، خصوصًا في المناطق الريفية.

الاقتصاد والكثافة السكانية

الاقتصاد اليمني المتضرر بشدة من الحرب والانهيار المؤسسي يعاني في استيعاب هذا النمو السكاني السريع. ويُعد اليمن من بين الدول ذات الدخل المنخفض، حيث يعيش حوالي 80% من السكان تحت خط الفقر. وتؤثر هذه الظروف مباشرة على نمط توزيع السكان، حيث تشهد المناطق التي توجد فيها فرص اقتصادية – ولو محدودة – تركزًا سكانيًا أكبر.

التغيرات الديموغرافية المستقبلية

تُشير التقديرات السكانية المستقبلية إلى أن عدد سكان اليمن قد يصل إلى 45 مليون نسمة بحلول عام 2040، إذا استمرت معدلات النمو الحالية. إلا أن هذا النمو لا يُمكن اعتباره إيجابيًا بالضرورة، إذا لم يُرافقه تحسن في القطاعات الحيوية مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وتوفير فرص العمل.

وقد دعا العديد من الخبراء إلى ضرورة اعتماد استراتيجيات سكانية وطنية تأخذ في الحسبان أهمية التحكم في النمو السكاني، من خلال برامج التوعية، وتمكين المرأة، وتحسين فرص التعليم، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية.

الخاتمة: السُكان كأولوية تنموية

رغم الأزمات العميقة التي تعصف باليمن، إلا أن التعامل مع ملف السكان يجب أن يحتل موقع الصدارة في أجندة التنمية. فالسكان، بقدر ما يمثلون عبئًا في ظل غياب الموارد، يمكن أن يكونوا كذلك القوة الدافعة لإعادة الإعمار والتنمية إذا ما أُحسن استثمار طاقاتهم وتوجيههم ضمن منظومة متكاملة تراعي الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

إنّ التخطيط السكاني المستقبلي لليمن لا ينبغي أن يكون محصورًا في الأرقام والإحصاءات، بل يجب أن يُبنى على فهم عميق للواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي، بما يمكّن من وضع سياسات شاملة تُسهم في تحويل النمو السكاني من تحدٍ إلى فرصة.

المراجع:

1. البنك الدولي – قاعدة بيانات السكان والنمو السكاني.

2. تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حول اليمن.