خزنة النار: حقيقة وتفسير
خزنة النار هم مجموعة من الملائكة الذين ذكرهم القرآن الكريم في سياق حديثه عن النار وأهلها. ويعتبر هذا الموضوع من المواضيع التي تحظى بأهمية خاصة في كتب التفسير والحديث، حيث يقدم العلماء تفسيرات مختلفة حول صفات هؤلاء الملائكة، مهامهم، ودورهم في الآخرة.
مفهوم خزنة النار في القرآن
خزنة النار ورد ذكرهم في القرآن الكريم في أكثر من آية، حيث يتم الإشارة إليهم بأنهم ملائكة مكلفون بحراسة جهنم وعذاب أهلها. في سورة التحريم، يصف القرآن الكريم خزنة النار بأنهم “تسعة عشر” في قوله تعالى:
“فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُو۟لَـٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (102)” (سورة التحريم، 98-102)
يتضح من هذه الآيات أن النار لها خزنة محددون، ويبدو أنهم مكلفون بحراسة جهنم وعدم السماح لأحد بالهروب منها.
عدد خزنة النار
تعددت أقوال العلماء والمفسرين حول عدد خزنة النار، فبعضهم يرون أن عددهم تسعة عشر ملكًا، كما ورد في القرآن الكريم في آية سورة التحريم، بينما يرى آخرون أن هذا العدد قد يكون رمزًا لعدد لا يتغير من الملائكة المكلفين.
ويذكر في الأحاديث النبوية أن خزنة النار هم من الملائكة الذين لا يعصون الله في أمره، وهم مكلفون بالحفاظ على جهنم وعذاب أهلها. ويختلف هؤلاء الملائكة في قوتهم وشدتهم، حيث يُعتبرون أشد الملائكة عذابًا. وتتميز شخصياتهم بالخشية من الله عز وجل، فهم لا يخطئون في تأدية مهمتهم، ويتبعون الأوامر الإلهية بدقة تامة.
صفات خزنة النار
تتعدد الروايات التي تتحدث عن صفات خزنة النار، سواء في القرآن أو في الأحاديث النبوية. من أبرز هذه الصفات:
-
الشدّة والقوة: يُعتبر خزنة النار من أقوى الملائكة، فهم يتمتعون بقوة هائلة تُعادل شدة عذاب جهنم نفسها. وقد ورد في بعض الأحاديث أنهم لا يترددون في تنفيذ الأوامر الإلهية المتعلقة بمعاقبة أهل النار.
-
العدد المحدود: رغم أن القرآن لم يذكر سوى عدد تسعة عشر في بعض الآيات، إلا أن هناك العديد من المفسرين الذين يرون أن العدد المحدد يمثل جزءًا من الحقيقة، فيما يعكس الدلالات الرمزية، بمعنى أن هؤلاء الملائكة لا يتوقفون عن أداء عملهم، وكل واحد منهم له دور محدد في عذاب أهل جهنم.
-
التعذيب والردع: خزنة النار هم الملائكة المكلفون بإدارة العذاب في جهنم. فهم من يُشرفون على تنفيذ العذاب بأنواعه المختلفة، من حرائق، وأغلال، وأشواك، وجروح. لا يُمكن لأحد أن يهرب من جهنم إلا بتدخل الله، ولهذا السبب فإنهم يُعتبرون الخزنة الحقيقيين لهذه النار.
-
الخوف من الله: رغم قوتهم، فإنهم يمتلكون مشاعر من الخوف والخشية من الله، فهم لا يعصون أوامره مطلقًا، بل ينفذونها بدقة متناهية. وهذا ما يميزهم عن البشر الذين قد يعصون أوامر الله، فهؤلاء الملائكة ينفذون كل أمر دون تردد.
دورهم في الآخرة
تتمثل مهمة خزنة النار في الإشراف على أهل جهنم وتوزيع العذاب عليهم وفقًا لأعمالهم في الدنيا. وطبقًا للعديد من الأحاديث، يقال إن هؤلاء الخزنة هم الذين يشرفون على العذاب ويحفظون السجون التي يتم فيها تعذيب النفوس في الآخرة.
الأدلة من السنة النبوية
قد وردت عدة أحاديث نبوية توضح دور خزنة النار، ومنها الحديث الذي رواه الصحابي عبد الله بن عباس، حيث قال: “إن خزنة النار لهم مفاتيح جهنم، لا يفلت منها أحد”. كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن العذاب في الآخرة قوله: “إن من أعظم الناس عذابًا يوم القيامة الذين يعذبون في النار ولا يموتون ولا يحيون”. وهذه الأحاديث تشير إلى دور خزنة النار في تنفيذ عذاب الله عز وجل.
تعاملهم مع أهل النار
خلال فترة معاقبة أهل جهنم، يُعتقد أن خزنة النار لا يظهرون مشاعر إنسانية تجاه هؤلاء المذنبين. بل إنهم يسيرون فقط وفقًا للأوامر التي يتلقونها من الله، ولا يبدر منهم أي نوع من الشفقة. وفي بعض الأحاديث، يصف النبي صلى الله عليه وسلم أن خزنة النار يشيرون إلى العذاب بطرق غير مباشرة ولكن قاسية، حيث لا يتوقف العذاب إلا بأمر الله عز وجل.
الخاتمة
خزنة النار هم الملائكة المكلفون بالحفاظ على جهنم وتنفيذ العذاب على أهلها وفقًا لإرادة الله سبحانه وتعالى. ورغم قوة هؤلاء الملائكة وشدتهم، فإنهم لا يعصون الله أبدًا، ويعملون على تنفيذ أوامره. وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم والسنة النبوية بأوصافهم التي تعكس قدرتهم على تحمل العذاب وتنفيذه بدقة دون تردد أو تعاطف.
