سبب صيام عاشوراء
يعد يوم عاشوراء أحد الأيام المميزة في التقويم الهجري، حيث يشهد اهتماماً واسعاً من المسلمين في مختلف أنحاء العالم، سواء في الصيام أو في إحياء الذكرى التاريخية التي ترتبط بالعديد من الأحداث الدينية. يأتي هذا اليوم في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو يعد من الأيام التي لها مكانة خاصة في الدين الإسلامي، وله تاريخ طويل ومعقد يتراوح بين التقاليد الإسلامية المختلفة والعديد من القصص التاريخية التي تلقي الضوء على أهمية هذا اليوم في حياة المسلمين.
1. صيام عاشوراء: تعريف وأهمية
صيام عاشوراء هو الصيام الذي يقوم به المسلمون في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو أحد الأيام المباركة التي تستحق الاهتمام الديني. يختلف هذا اليوم عن صيام شهر رمضان من حيث أنه ليس فرضاً، بل هو سنة مؤكدة. ورغم ذلك، فإنه يحظى بمكانة كبيرة في قلوب المسلمين، حيث يرتبط بالكثير من الأحداث التاريخية التي جعلت منه يوماً مميزاً.
تُعتبر السنة النبوية الشريفة من أبرز المصادر التي توضح كيفية صيام هذا اليوم. حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوم عاشوراء، وقد جاء ذلك في العديد من الأحاديث الصحيحة التي تبين كيفية تعامل المسلمين مع هذا اليوم المبارك.
2. سبب صيام عاشوراء في الإسلام
2.1. ارتباطه بعهد النبي صلى الله عليه وسلم
أول ما نعرفه عن صيام يوم عاشوراء يأتي من السنة النبوية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم هذا اليوم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: “ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذه الشهر، يعني شهر رمضان” (صحيح البخاري).
ويعود السبب في صيام النبي لهذا اليوم إلى أنه كان في مكة قبل الهجرة، ويعني بذلك أن هذا التقليد كان موجوداً قبل أن يفرض صيام رمضان. بل وأورد بعض العلماء أن صيام هذا اليوم كان معهوداً في اليهودية في مكة، وكان اليهود يصومونه اعترافاً بنجاة بني إسرائيل من فرعون، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يصومه تقليداً لهم.
2.2. عاشوراء ونجاة موسى عليه السلام
من أبرز الأسباب التي وردت لسبب صيام يوم عاشوراء هو ارتباطه بقصة نبي الله موسى عليه السلام. في التاريخ الإسلامي، يُذكر أن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجَّى فيه الله سبحانه وتعالى نبيَّه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده. حيث أغرق الله تعالى فرعون، بينما نجَّى موسى ومن تبعه من بني إسرائيل في معجزة كبرى. وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “يوم عاشوراء، الذي نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه” (صحيح مسلم).
تعتبر هذه الحادثة من أكبر أسباب قدسية هذا اليوم في ذاكرة المسلمين، حيث يتذكر المسلمون في هذا اليوم كيف أن الله عز وجل قادر على إنقاذ المؤمنين من الشدائد والمحن، كما يتذكرون انتصار الحق على الباطل، وهذا بدوره يعزز من مكانة هذا اليوم في قلوب المسلمين ويزيد من شعورهم بالامتنان لله.
2.3. تأكيد على الوحدة بين المسلمين وأهل الكتاب
من ناحية أخرى، يعكس صيام عاشوراء الوحدة بين المسلمين وبين أهل الكتاب، لاسيما اليهود، حيث كان المسلمون في بدايات الإسلام يقتدون ببعض العادات التي كانت موجودة عند اليهود قبل ظهور الإسلام. رغم ذلك، جاء الإسلام ليضع بصمته الخاصة ويأخذ هذه المناسبة وتفاصيلها إلى أبعاد جديدة، خاصة بعد أن تم فرض صيام رمضان، ليكون ذلك تميزاً للمسلمين.
وكانت هناك رغبة واضحة من النبي صلى الله عليه وسلم في تفريق المسلمين عن اليهود في صيامهم لهذا اليوم. ففي حديث آخر ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع” (صحيح مسلم)، وذلك بهدف أن يتميز المسلمون عن اليهود في صيامهم ليصبح صيام عاشوراء أقرب إلى سنة نبوية خالصة للمسلمين.
3. فضائل صيام عاشوراء
3.1. تكفير الذنوب
أحد الفوائد العظيمة التي يرتبط بها صيام يوم عاشوراء هي تكفير الذنوب. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” (صحيح مسلم). وهذا يعني أن صيام هذا اليوم يساهم في تطهير النفس من الذنوب والخطايا التي ارتكبها المسلم في العام الماضي، مما يجعل هذا اليوم فرصة عظيمة لتجديد النية والإقبال على الله سبحانه وتعالى.
3.2. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
يعتبر صيام يوم عاشوراء من أعظم العبادات التي يمكن أن يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل، إذ فيه الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. فهو فعل نُصِح به المسلمون، ويعكس الصلة الوثيقة بين المسلمين ونبيهم، وتعزيز ذلك الارتباط بين المسلم ورسول الله. ومع أن صيامه ليس فرضاً، فإن في صيامه أجرٌ عظيم، لأن المسلم يقيم سنة نبوية هامة.
3.3. التأكيد على معاني الشكر والامتنان
يُظهر صيام عاشوراء معنى كبيراً للشكر والامتنان لله عز وجل، حيث يحيي المسلمون ذكرى النجاة التي خص بها الله تعالى نبيه موسى وقومه. لذلك فإن صيام هذا اليوم يمثل أكثر من مجرد عبادة، بل هو تعبير عن الفرح والامتنان لله على نعمته ورحمته. إن المسلم في هذا اليوم يتذكر أن الله سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء، وأنه قادر على تغيير الأحوال من الأسوأ إلى الأفضل.
4. التقاليد والأنشطة المرتبطة بيوم عاشوراء
4.1. الاحتفال بالعادات والتقاليد المحلية
على الرغم من أن صيام عاشوراء يمثل حدثًا دينيًا بحتًا، فإن بعض الدول الإسلامية لديها تقاليد وطقوس خاصة في هذا اليوم. في بعض المناطق، يتخذ الناس من هذا اليوم فرصة لإعداد وجبات معينة مثل الحساء أو الحلوى، وتجمع العائلات على موائد الطعام. تختلف هذه التقاليد حسب البلد، ولكن في جميع الحالات، يكون الهدف من هذا اليوم هو تعزيز الروابط العائلية والاجتماعية من خلال الاجتماع والاحتفال.
4.2. التركيز على العبادة والتذكير بالأحداث التاريخية
في بعض الأماكن، ينشط الناس في يوم عاشوراء بالقيام بالمزيد من الطاعات، مثل الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، بالإضافة إلى تذكير أنفسهم بالأحداث التي جرت في هذا اليوم. ففي بعض البلدان، يعقد المسلمون مجالس ذكر تحكي عن معركة كربلاء التي وقعت في عاشوراء عام 61 هـ، وذلك لإحياء ذكرى التضحية والفداء التي قام بها الإمام الحسين رضي الله عنه.
5. الاختلافات في صيام عاشوراء بين المذاهب الإسلامية
يتميز يوم عاشوراء بوجود اختلافات في طريقة الاحتفال به بين المذاهب الإسلامية المختلفة، على الرغم من أن جميع المسلمين يشتركون في صيامه كنوع من العبادة والذكرى. فعلى سبيل المثال، يولي الشيعة اهتماماً خاصاً لهذا اليوم، حيث يعدونه يوماً لتذكر استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في معركة كربلاء، ويقومون بإحياء هذه الذكرى بالتجمعات والمجالس الدينية.
أما السنة فيحتفظون بيوم عاشوراء بكونه يوماً مباركاً يتعلق بصيام النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر نجاته من فرعون. في هذا السياق، يتبع أهل السنة سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء مع الصوم في اليوم التاسع من محرم لتفريق المسلمين عن اليهود.
6. خاتمة
يعد يوم عاشوراء واحداً من الأيام التي لها مكانة خاصة في الدين الإسلامي، فهو يوم تميز بصيام النبي صلى الله عليه وسلم وتذكير المسلمين بالعديد من الأحداث الكبرى في تاريخهم. إن صيام هذا اليوم ليس فقط فرصة للتقرب إلى الله، بل هو أيضا فرصة للتأمل في معاني النجاة والتوبة والشكر. ورغم اختلاف التقاليد والطقوس بين مختلف المذاهب الإسلامية، يبقى الهدف الأسمى من صيام هذا اليوم هو التذكير بنعم الله على عباده والإلتزام بسنة نبيه الكريم.
