الأنانية عند الأطفال وطرق علاجها

تمثل الأنانية عند الأطفال ظاهرة سلوكية قد تبدأ في الظهور منذ السنوات الأولى من الطفولة، وهي انعكاس لحاجات نفسية وتربوية معينة، وقد تكون تعبيرًا عن خلل في أساليب التربية أو البيئة الاجتماعية المحيطة. وتكمن خطورة الأنانية في كونها تمهد لظهور سمات شخصية سلبية في المستقبل مثل التسلط، غياب روح التعاون، ضعف التفاعل الاجتماعي، والميل إلى العزلة أو حب التملك المفرط. ويُعدّ التعامل المبكر والواعي مع هذا السلوك أمرًا بالغ الأهمية، لضمان تربية طفل متوازن، مندمج اجتماعيًا، ويملك وعيًا بالآخرين.

مفهوم الأنانية عند الأطفال

الأنانية هي سلوك يعكس رغبة الطفل في الحصول على كل شيء لنفسه دون التفكير في الآخرين، سواء أكان ذلك في الأمور المادية مثل الألعاب والطعام، أم المعنوية مثل اهتمام الأهل أو المعلمين. وهي لا تعني بالضرورة وجود اضطراب نفسي، لكنها قد تكون مؤشرًا على خلل في التطور الاجتماعي والعاطفي للطفل. وفي المراحل المبكرة من الطفولة، قد تظهر الأنانية بشكل طبيعي نتيجة لنمو الإحساس بالذات، إلا أن استمرارها بعد سن معينة يعد مؤشرًا مقلقًا.

الأسباب النفسية والتربوية للأنانية عند الأطفال

تتعدد أسباب ظهور الأنانية عند الأطفال، وتتشابك فيها العوامل النفسية، التربوية، والاجتماعية. ويمكن تلخيص أبرز هذه الأسباب فيما يلي:

1. الدلال الزائد والتربية غير المتوازنة

من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نمو الأنانية عند الأطفال هو الإفراط في تدليلهم، وتلبية كل رغباتهم دون ضوابط. فحين يعتاد الطفل أن يُلبى له كل ما يطلب، دون أن يُطلب منه مشاركة أو انتظار، يتكون لديه تصور بأن العالم يتمحور حول رغباته، وأن الآخرين أقل أهمية من نفسه.

2. غياب التوجيه التربوي السليم

عندما ينشأ الطفل في بيئة لا تضع حدودًا واضحة للسلوك، ولا تشجع على القيم الاجتماعية مثل المشاركة، الاحترام، والتعاون، فإن ذلك يعزز من احتمالية سلوكه الأناني. التربية التي تغيب عنها القواعد والانضباط تُنتج أطفالًا يفتقرون إلى ضبط الذات والتفكير في الغير.

3. الغيرة والتنافس داخل الأسرة

الغيرة بين الإخوة قد تولد سلوكيات أنانية كرد فعل لمحاولة جذب انتباه الأهل أو إثبات الذات. وقد يتسبب التفضيل بين الأبناء أو المقارنات المستمرة في شعور بعض الأطفال بالنقص، ما يدفعهم إلى التمسك بما يملكون بشكل مفرط، ورفض المشاركة أو العطاء.

4. نقص النمو العاطفي

الأنانية قد تكون وسيلة دفاعية يستخدمها الطفل لحماية نفسه من الشعور بالإهمال أو الحرمان العاطفي. الطفل الذي لا يجد الاحتواء والاهتمام الكافي قد يلجأ إلى التمسك بالأشياء أو الأشخاص بدافع من الخوف من الفقد، وليس حبًا للامتلاك بحد ذاته.

5. التقليد والمحاكاة

يكتسب الأطفال سلوكياتهم من خلال ملاحظة تصرفات المحيطين بهم، لا سيما الوالدين. فإذا لاحظ الطفل أن أحد الوالدين يتصرف بأنانية أو لا يهتم بمشاعر الآخرين، فإنه قد يعتبر هذا السلوك مقبولًا ويقوم بتقليده تلقائيًا.

مظاهر الأنانية عند الأطفال

تظهر الأنانية عند الأطفال من خلال مجموعة من التصرفات التي تتكرر وتدل على نمط سلوكي ثابت، ومن أبرز هذه المظاهر:

• رفض مشاركة الألعاب مع الآخرين.

• الإصرار على أن يكون مركز الاهتمام في كل موقف.

• الميل إلى السيطرة على الأقران وفرض الرأي بالقوة.

• الغضب أو الانفعال عند فقدان شيء يخصه أو عند طلب مشاركته.

• إظهار سلوكيات عدوانية إذا شعر بتهديد لممتلكاته.

• كثرة الشكوى أو الإلحاح للحصول على ما يريده دون اعتبار للظروف أو الآخرين.

• ضعف القدرة على التعاطف مع مشاعر الآخرين.

مراحل تطور الأنانية في الطفولة

الأنانية ليست سلوكًا ثابتًا يولد مع الطفل ويستمر بنفس الدرجة طوال مراحل نموه، بل تتغير شدتها وأشكالها مع تطور الإدراك والوعي. ويمكن تقسيم تطورها كالتالي:

الطفولة المبكرة (1-3 سنوات)

في هذه المرحلة، يكون الطفل في بداية إدراكه لذاته، ويُعدّ حب التملك طبيعيًا نسبيًا. لا يستطيع الطفل بعد فهم مفهوم المشاركة بشكل واضح، ويُظهر تعلقًا شديدًا بألعابه وممتلكاته.

الطفولة المتوسطة (4-7 سنوات)

يبدأ الطفل في التعرف على القواعد الاجتماعية بشكل أوضح، ويبدأ في تجربة التفاعل الجماعي، وهنا يمكن أن تتراجع الأنانية تدريجيًا إذا كانت البيئة داعمة. في حال غياب التوجيه، قد تزداد حدة السلوك الأناني وتتحول إلى نمط ثابت.

الطفولة المتأخرة (8-12 سنة)

في هذه المرحلة، تتطور القدرة على التفكير المنطقي والتعاطف، ويصبح الطفل قادرًا على التمييز بين الصواب والخطأ بشكل أوضح. استمرار السلوك الأناني بعد هذا العمر غالبًا ما يشير إلى وجود مشكلة سلوكية تتطلب تدخلاً تربويًا متخصصًا.

طرق علاج الأنانية عند الأطفال

تتطلب معالجة الأنانية عند الأطفال تدخلًا تربويًا هادفًا يعتمد على الفهم العميق لنفسية الطفل وظروفه. ويجب أن يكون هذا التدخل متوازنًا، خاليًا من القسوة أو التهاون، ويراعي خصوصية كل طفل. من أبرز الطرق العلاجية:

1. تعزيز قيمة المشاركة والتعاون

ينبغي أن تبدأ التربية على المشاركة منذ سن مبكرة، من خلال تشجيع الطفل على تقاسم ألعابه مع إخوته وأصدقائه، والمشاركة في الأنشطة الجماعية، سواء في المنزل أو في المدرسة. يجب الثناء على كل سلوك تعاوني يقوم به الطفل لتعزيز التكرار الإيجابي.

2. التربية بالقدوة

يكتسب الأطفال الكثير من القيم من خلال ملاحظة تصرفات البالغين، لذا من الضروري أن يرى الطفل نماذج سلوكية إيجابية في بيئته. حين يرى الأب أو الأم يتقاسمون الطعام، أو يبدون تعاطفًا مع الآخرين، يتعلم الطفل هذه القيم تلقائيًا.

3. تحديد القواعد والحدود

من المهم أن تكون هناك قواعد واضحة في الأسرة بخصوص ما هو مقبول وغير مقبول من السلوكيات، ويجب أن يتم تطبيق هذه القواعد بشكل ثابت على جميع الأطفال دون استثناء. الحدود السليمة تساعد الطفل على تطوير احترام الذات والآخرين.

4. تدريب الطفل على التعاطف

تربية الطفل على فهم مشاعر الآخرين من الأساليب المهمة لعلاج الأنانية. يمكن استخدام القصص والألعاب والحوارات التي تتضمن مشاهد مؤثرة تساعد الطفل على إدراك مشاعر الحزن أو الفرح لدى الآخرين، وتعلم كيفية التفاعل معهم بإيجابية.

5. منح الطفل المسؤوليات المناسبة لعمره

تحمل المسؤولية ينمّي لدى الطفل الإحساس بالآخرين ويشعره بأهمية التعاون. مثلًا، يمكن تكليفه بمساعدة أحد إخوته، أو ترتيب أغراض العائلة، أو المشاركة في أعمال جماعية بسيطة في المدرسة.

6. عدم المبالغة في المدح الفردي

الإفراط في مدح الطفل دون ربط هذا المدح بسلوك جماعي أو تعاوني، يعزز من إحساسه بالتفوق الفردي ويغذّي سلوكه الأناني. يجب أن يكون الثناء موجهًا للسلوك الإيجابي نحو الآخرين، وليس للصفات الفردية فقط.

7. تنمية الروح الجماعية من خلال الأنشطة الاجتماعية

تشجيع الطفل على المشاركة في أنشطة تطوعية أو جماعية مثل الأعمال الخيرية، أو المسابقات المدرسية، يعزز من شعوره بالانتماء للمجتمع ويقلل من سلوكه الأناني.

8. العلاج السلوكي عند الحاجة

في الحالات الشديدة، قد يتطلب الأمر تدخلًا من متخصصين في العلاج النفسي أو التربوي لتصحيح السلوكيات الأنانية المتجذرة، خاصة إذا كانت ناتجة عن صدمات نفسية أو ظروف أسرية معقدة.

جدول: الفرق بين الأنانية الطبيعية والمرضية عند الأطفال

دور البيئة المدرسية في تقويم الأنانية

تلعب المدرسة دورًا محوريًا في تعديل سلوكيات الطفل وتطوير قدراته الاجتماعية. من خلال التربية التشاركية، والأنشطة الجماعية، يمكن للمدرسة أن تساهم في غرس قيم التعاون والاحترام. كما يجب على المعلمين التعامل بوعي مع مظاهر الأنانية، وعدم تجاهلها أو تفسيرها كنوع من الذكاء الاجتماعي.

ويُفضل أن تتبنى المدارس برامج سلوكية تنمي مهارات التعاطف، المشاركة، وفهم الآخر، وهي مهارات أساسية للنمو النفسي والاجتماعي السليم.

الخلاصة

الأنانية عند الأطفال ليست مجرد سلوك مزعج، بل هي إشارة تربوية تتطلب فهماً عميقاً وتعاملاً واعياً. إن غرس قيم المشاركة، التعاطف، والمسؤولية في نفوس الأطفال منذ سن مبكرة، هو الضمان الأساسي لبناء جيل قادر على التفاعل الإيجابي مع المجتمع. ويتطلب هذا الدور تعاونًا وثيقًا بين الأسرة، المدرسة، والمجتمع، حتى يصبح الطفل عنصرًا نافعًا، واعيًا لذاته، ومحترمًا للآخرين.

المراجع:

1. دار الحنان للنشر – دليل التربية الإيجابية للأطفال، الطبعة الثانية.

2. الجمعية الأمريكية لعلم نفس الطفل (APA Child Psychology Division) – تقرير سلوكيات الطفولة 2023.