حكم لعب الشدة في الإسلام:
تعتبر لعبة الشدة من الألعاب التي انتشرت بشكل واسع في مختلف الثقافات حول العالم، بما في ذلك العالم العربي والإسلامي. فهي تتضمن توزيع أوراق اللعب بين المشاركين وتحديد قواعد وأهداف محددة للتفاعل والتسلية. لكن مع هذه الشعبية التي تتمتع بها، تثار العديد من التساؤلات حول حكم لعب الشدة في الإسلام، خاصة في ظل التباين الكبير بين الآراء الشرعية حول هذا الموضوع. في هذا المقال، سيتم التطرق إلى الجوانب الشرعية والدينية المتعلقة بلعب الشدة، مع عرض الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء حول هذا الموضوع، بالإضافة إلى شرح للأسباب التي قد تجعل بعض العلماء يحرّمون هذه اللعبة، وأسباب من قد يرون جوازها أو إباحتها ضمن ضوابط معينة.
مفهوم الشدة
قبل الغوص في الحكم الشرعي، من المهم فهم ماهية لعبة الشدة. لعبة الشدة هي عبارة عن لعبة ورق تحاكي أنماطاً مختلفة من اللعب، وقد تتنوع وفقاً للقواعد المحلية أو التقليدية التي يتبعها اللاعبون. تُستخدم فيها أوراق لعب مصممة خصيصاً وتختلف الأهداف حسب نوع اللعبة، لكنها بشكل عام تعتمد على التنافس بين اللاعبين للفوز عبر وضع أوراق لعب في ترتيب معين أو بطريقة استراتيجية.
النظرة الشرعية للعب الشدة
على الرغم من أن لعبة الشدة قد تكون مجرد وسيلة للترفيه، فإن الحكم الشرعي يعتمد على عدة عوامل، منها الغرض من اللعب، المدة الزمنية التي يستغرقها، مدى تأثيرها على الشخص وعلى علاقته بالدين وبالواجبات الأخرى مثل الصلاة.
1. تحريمه في بعض الآراء الفقهية
يرى عدد من العلماء أن لعب الشدة محرم في الإسلام بناءً على أدلة شرعية من القرآن والسنة. أحد الأدلة التي يستند إليها هؤلاء العلماء هو الآية الكريمة في سورة المائدة:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90).
لقد فسر العديد من المفسرين “الميسر” في الآية الكريمة بأنه يشمل جميع أنواع القمار والرهانات، ومن ثم يعتبرون أن ألعاب الورق، مثل الشدة، هي نوع من “الميسر”، خصوصاً إذا كانت تتضمن مراهنات مالية أو معنوية. قد يرى بعض العلماء أن هذا النوع من اللعب يعزز الطمع والمراهنات التي تكون محكومة على الغالب بال hasard (الصدفة)، مما يؤدي إلى انشغال الشخص باللعب بدلاً من الاهتمام بالواجبات الدينية والاجتماعية الأخرى.
2. تحريمه بسبب مضيعة الوقت
من جانب آخر، يعتبر بعض العلماء أن لعبة الشدة هي مجرد وسيلة لتضييع الوقت دون فائدة، وهذا يتناقض مع ما جاء في الشريعة الإسلامية بشأن استثمار الوقت في ما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”. (رواه البخاري).
يُفهم من هذا الحديث الشريف أن الإنسان مسؤول عن استغلال وقته بما يعود عليه بالنفع، وليس في اللهو الذي لا يُرجى منه خير. وعليه، فإن من يرى تحريم لعبة الشدة يربط بين هذا الحكم وبين الوقت الذي قد يُهدر في اللعب دون فائدة.
3. تدمير الروابط الاجتماعية
أيضًا، هناك من يرون أن لعب الشدة قد يؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية بين الأفراد. على الرغم من أن الألعاب قد تكون وسيلة للتواصل بين الناس، فإن التوتر الذي يمكن أن ينشأ بسبب الخسارة أو الغش في اللعب قد يؤدي إلى مشاحنات وصراعات بين المشاركين، مما يتنافى مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى تعزيز المحبة والود بين المسلمين. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث” (رواه مسلم)،
وهذا يمكن أن يكون تحذيرًا ضمنيًّا من الألعاب التي تفضي إلى الخصومات والمشاكل بين الأفراد.
4. تحريمه بسبب التأثير على الصلاة
يعتبر بعض العلماء أن لعب الشدة قد يؤثر سلبًا على أداء العبادة. إذا أخذ الشخص الوقت المخصص للصلاة أو لأي عبادة أخرى وخصصه للعب، فإن هذا يكون محلاً للانتقاد.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
“وَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ” (المعارج: 31).
وبناءً على ذلك، يعتبر أي نشاط ينشغل به الشخص ويؤدي إلى التأثير على عباداته أو يُلهيه عن ذكر الله محرمًا. ولعب الشدة قد يكون أحد تلك الأنشطة التي تشتت الانتباه وتؤدي إلى التقصير في الصلاة.
5. الفتوى الشهيرة للشيخ ابن باز
الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، كان من العلماء الذين أكدوا على تحريم لعب الشدة بسبب ارتباطها بالميسر. في فتاواه، ذكر أن هذه اللعبة تتشابه في الكثير من جوانبها مع الميسر وتؤدي إلى ضياع الوقت وإلى الجلوس مع الأصدقاء في بيئة قد تُفضي إلى المعصية، خصوصًا إذا ارتبطت بمراهنات.
الرأي المعتدل: إباحتها في حالات معينة
مع ذلك، لا يُمكن إغفال وجود آراء معتدلة بشأن لعبة الشدة في الإسلام. بعض العلماء يرون أن لعب الشدة ليس محرمًا في حد ذاته إذا تم تحت شروط معينة، مثل:
-
عدم وجود مراهنات: إذا لم تكن اللعبة مصحوبة بمراهنات مالية أو جوائز، فلا يوجد مبرر لتحريمها، لأنها تصبح مجرد لعبة لا تحمل أي أضرار دينية.
-
الاعتدال في الوقت: إذا كانت اللعبة تُمارس باعتدال، دون إهدار للوقت على حساب المسؤوليات الدينية والاجتماعية الأخرى، فلا تكون محرمًا.
-
عدم التأثير على العلاقات الاجتماعية: إذا كانت اللعبة تُمارس في جو من الود والصداقة ولم تؤدِ إلى أي خصام أو مشاحنات بين اللاعبين، فقد تكون مباحة.
وبناءً على ذلك، يظل الجواب الشرعي حول حكم لعب الشدة محل اجتهاد وتفاوت بين العلماء، لكن الجوانب الشرعية الرئيسية التي تؤثر في الحكم تتعلق بتأثير اللعبة على العبادة وعلى العلاقات الاجتماعية، وما إذا كانت تضر بالوقت أو تؤدي إلى الميسر.
الخلاصة
في الختام، يُمكن القول أن حكم لعب الشدة في الإسلام يختلف حسب السياق والظروف المحيطة بهذه اللعبة. إذا كانت اللعبة تتم في إطار من الترفيه المعتدل دون التسبب في ضرر أو تضييع للوقت أو التأثير على الواجبات الدينية، فقد لا تكون محرمّة. ومع ذلك، فإن معظم العلماء يرون أن الشدة تتضمن جوانب من الميسر وتضييع الوقت، ولهذا يميلون إلى تحريمها. ومن المهم دائمًا أن يحرص المسلم على أن تكون نشاطاته التي يمارسها متوافقة مع تعاليم دينه وتخدم مصالحه الدينية والدنيوية.
