حكم قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى

كتاب شمس المعارف الكبرى هو من أشهر الكتب التي تتناول موضوعات السحر، العلوم الغيبية، والطلاسم في التراث الإسلامي والعربي، وقد أثار هذا الكتاب جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والدينية بسبب محتواه الغامض الذي يتناول ما يعتبره كثير من العلماء والمعنيين مخالفةً للشريعة الإسلامية. يتناول هذا المقال دراسة حكم قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى من الناحية الشرعية، مع تسليط الضوء على خلفية الكتاب، محتواه، وموقف الفقهاء والعلماء منه.

نشأة كتاب شمس المعارف الكبرى ومؤلفه

يُنسب كتاب شمس المعارف الكبرى إلى أحمد بن علي البوني، وهو عالم وفقيه صوفي عاش في القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي). ويُعتبر البوني من أبرز علماء التصوف وعلوم الحكمة في عصره، حيث جمع في هذا الكتاب بين علم الحروف، العلوم الباطنية، السحر، والتعاويذ التي يُقال إنها تؤثر في الكون والمخلوقات. وقد امتد تأثير هذا الكتاب في التراث العربي والإسلامي، لكنّه في الوقت ذاته أثار مخاوف العلماء بسبب طبيعته التي تجمع بين العلوم الغيبية وما يُعتبر سحرًا محظورًا.

يضم الكتاب معلومات عن التنجيم، علم الحروف، الفلك، الأسرار الروحانية، كيفية استحضار الجن، وأدوات التحكم في القوى الخفية، بالإضافة إلى تعاويذ وأدعية غير مألوفة، وأجزاء من علوم يُنظر إليها على أنها محرمة في الإسلام.

المحتوى العلمي والديني للكتاب

الكتاب يتضمن أقسامًا متعددة تعالج علومًا باطنية غامضة، منها:

• التعامل مع الجن واستحضارهم: يحتوي الكتاب على وصفات وتقنيات يُزعم أنها تسمح للإنسان بالتواصل مع الجن واستغلالهم لأغراض مختلفة.

• السحر والتعاويذ: شمس المعارف مليء بالتعاويذ التي تُستخدم في التأثير على الأفراد والأحداث، بما في ذلك التأثير على المحبة، القتل، أو الحماية.

• علوم الحروف والتأثير الروحي: جزء كبير من الكتاب يعتمد على علم الحروف (علم الحرف) الذي يحاول تفسير قوة الحروف والكلمات وتأثيرها على الكون.

• التنجيم والفلك: يربط الكتاب بين مواقع النجوم والكواكب وتأثيرها على الإنسان وحياته.

هذه المواضيع تُعد في غالب الفقه الإسلامي من المحرمات، لأن التعامل مع الجن والسحر محرم بشكل قطعي، كما أن استحضار المخلوقات الغيبية والدخول في هذا المجال قد يؤدي إلى الشرك بالله أو اللجوء إلى أسباب غير مشروعة.

موقف العلماء من قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى

أجمع معظم العلماء والفقهاء المسلمين على تحريم قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى، أو التعامل معه بأي شكل من الأشكال، بسبب:

1. احتواء الكتاب على تعاويذ سحرية ومحظورات شرعية: السحر بكافة أنواعه محرّم في الإسلام بنصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقراءة كتاب يُفصل في هذه الأمور يعد مجاوزة للحدود الشرعية.

2. خطر الانزلاق في الشرك بالله: الاستعانة بالجن والقوى الخفية تعبر عن إخلال بعقيدة التوحيد، حيث يتوجه الإنسان إلى مخلوقات غير الله لتحقيق مصالح دنيوية أو روحية، وهذا يؤدي إلى الشرك.

3. التشويش على العقل والقلب: كثير من العلماء أكدوا أن قراءة مثل هذه الكتب تؤدي إلى اضطراب نفسي وعقلي بسبب طبيعتها الغامضة والمخيفة، وقد تفتح المجال لما يُعرف بالمس الشيطاني أو التلبس بالجن.

4. غياب الأدلة الشرعية الموثقة: لا يستند هذا الكتاب إلى أي دليل من القرآن أو السنة، بل إلى مذاهب تصوفية غامضة أو خرافات شعبية لا تعترف بها الشريعة الإسلامية.

من بين العلماء الذين حذروا من قراءة هذا الكتاب أو التعامل مع محتواه، الإمام ابن تيمية وابن القيم، فقد اعتبرا السحر من الكبائر التي تستوجب التوبة النصوح والابتعاد التام عن كل ما يعين عليه.

الأحكام الشرعية المتعلقة بالسحر وقراءة الكتب المحرمة

في الإسلام، حُكم السحر حرام تحريمًا قاطعًا، وورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [لقمان:6]، حيث يُفسر “لهو الحديث” في بعض التفاسير على أنه السحر.

كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حذر من التعامل مع السحرة، ونهى عن الاقتراب منهم.

الأحكام الشرعية المتعلقة بقراءة الكتب التي تحوي السحر والتعاويذ تتلخص في:

• التحريم: قراءة كتب السحر أو تعلّمها أو تعليمها محرم لما فيها من شرك بالله تعالى.

• الابتعاد والردع: يجب على المسلم أن يبتعد عن مثل هذه الكتب ويحذر من تأثيرها، كما أن الدعوة إلى قراءة أو نشر مثل هذه العلوم محرمة.

• التوبة: من يتورط في التعامل مع السحر أو ما يشبهه يجب عليه التوبة النصوح والرجوع إلى الله، واللجوء إلى الرقية الشرعية.

الفرق بين العلوم الشرعية والعلوم الغيبية في الإسلام

العلوم التي يعترف بها الإسلام وتنصح بها الشريعة هي التي تنسجم مع توحيد الله وتخضع لتفسير العقل والشرع، مثل:

• علم التفسير والحديث.

• علم الفقه والعبادات.

• علم العقيدة والتوحيد.

• علم الطب والعلوم الطبيعية التي لا تتعارض مع الشريعة.

أما العلوم الغيبية التي تشمل السحر، التنجيم، استحضار الأرواح، والتعاويذ، فإنها من الأمور الممنوعة، لأن الإنسان لا يملك العلم بالغيب إلا الله وحده.

التأثيرات النفسية والاجتماعية لقراءة مثل هذه الكتب

دراسات علمية ونفسية أثبتت أن الانغماس في دراسة العلوم السحرية والغيبيات المحرمة قد يسبب أضرارًا نفسية وجسدية، منها:

• القلق والاكتئاب بسبب الخوف من القوى الخفية.

• اضطرابات في الإدراك والواقع.

• الانعزال الاجتماعي بسبب الخوف أو الهواجس الناتجة عن تصديق مثل هذه العلوم.

• إمكانية الانجرار إلى الانحرافات العقدية والسلوكية.

الخلاصة

من الناحية الشرعية، قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى محرمة لأنها تحتوي على سحر وتعويذات وأمور تدخل في باب الشرك بالله وتعاليم مرفوضة في الإسلام. العلماء يحذرون من الاقتراب منه أو التعامل مع محتواه لما له من آثار سلبية دينية ونفسية. الشرع الإسلامي يأمر بالابتعاد عن كل ما يتعلق بالسحر والتنجيم والغيبيات المحرمة، ويحث على الالتزام بالعلوم الشرعية الصحيحة التي تقرب العبد إلى ربه وتساعده في حياته دون الخروج عن تعاليم الإسلام.

المراجع:

• القرآن الكريم

• صحيح البخاري ومسلم

• “مجموع الفتاوى” للشيخ ابن تيمية

• “مدارج السالكين” لابن القيم