حكم صبغ الحواجب في الشريعة الإسلامية
يعد الاهتمام بالمظهر الخارجي جزءًا من فطرة الإنسان، ويميل العديد من الناس إلى العناية بتفاصيل الوجه والجسم، بما في ذلك الحواجب. تبرز هذه العناية بشكل خاص في الأوساط النسائية، حيث يُعتبر تجميل الحواجب وصبغها أحد الأساليب المنتشرة لتغيير شكل الوجه أو تحسينه. ولكن يبقى السؤال: هل يُعد صبغ الحواجب حلالًا أم حرامًا في الشريعة الإسلامية؟
تختلف آراء الفقهاء حول حكم صبغ الحواجب بناءً على تفسيراتهم للأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة الإسلامية. في هذا المقال، سيتم مناقشة حكم صبغ الحواجب في الإسلام من خلال تحليل النصوص الشرعية وآراء العلماء، بالإضافة إلى الظروف والضوابط التي قد تؤثر في هذا الحكم.
صبغ الحواجب: التعريف والأنواع
قبل التطرق إلى الحكم الشرعي لصبغ الحواجب، من المهم توضيح مفهوم صبغ الحواجب وأنواعه. يشمل صبغ الحواجب استخدام مواد كيميائية أو نباتية لتغيير لون الشعر في منطقة الحاجب، وقد يتم ذلك لأغراض تجميلية أو لمواكبة الموضة.
-
صبغ الحواجب باللون الطبيعي: يُقصد بذلك استخدام صبغات قريبة من اللون الطبيعي للحواجب، مثل الأسود الداكن أو البني. تهدف هذه العملية إلى تحسين شكل الحواجب أو إخفاء الشعر الأبيض.
-
صبغ الحواجب باللون غير الطبيعي: يشمل استخدام ألوان غير تقليدية للحواجب مثل الألوان الزاهية أو المضيئة. يتم ذلك عادة بغرض إحداث تغيير جذري في المظهر.
الرأي الشرعي في صبغ الحواجب
1. التعديل في خلق الله
من أبرز القضايا التي تثير الجدل حول حكم صبغ الحواجب هي مسألة التعديل في خلق الله. في الشريعة الإسلامية، يُعتبر التغيير في خلق الله أمرًا محرمًا، ويستند ذلك إلى الحديث النبوي الشريف: “لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات” (رواه البخاري). وفي هذا الحديث، جاء ذكر “النامصات” و”المتنمصات”، وهما المرأة التي تقوم بنمص حاجبيها أو إزالة الشعر الزائد منها، وهو ما يُعتبر تعديًا على خلق الله.
ومن هنا، يَحْدُر الكثير من العلماء من صبغ الحواجب إذا كان ذلك مصحوبًا بتغيير شكل الحاجب الطبيعي أو تعديله بما لا يتناسب مع فطرة الإنسان، وذلك لأنه قد يُشبه التغيير الذي يحدث من خلال النمص. يُعتبر هذا النوع من التغيير محرمًا، حيث يُفهم من الحديث النبوي أنَّ تغيير خلق الله من خلال التلاعب بشكل الحواجب يعتبر محرمًا.
2. صبغ الحواجب لأغراض التجميل
في المقابل، يرى بعض الفقهاء أن صبغ الحواجب لأغراض التجميل لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية ما دام أن ذلك لا يشمل تغيير الشكل الطبيعي للحواجب أو إزالة الشعر الزائد منها. على سبيل المثال، إذا كان الصبغ بهدف تغطية الشعر الأبيض أو تحسين الشكل العام للحاجب دون المساس بتشكيله الطبيعي، فهناك آراء تَميل إلى الجواز، بشرط أن لا يتسبب هذا في تغيير غير طبيعي في الشكل.
3. الرأي المعتدل: الجواز مع الضوابط
من خلال دراسة الآراء الفقهية المتعددة، نجد أن هناك بعض الفقهاء الذين يرون جواز صبغ الحواجب بشرط أن لا يتم ذلك بنية تغيير خلق الله أو من خلال استخدام أساليب تضر بالشكل الطبيعي. ويرى هؤلاء الفقهاء أنه من المباح للمرأة صبغ الحواجب إذا كانت تستخدم ألوانًا قريبة من اللون الطبيعي أو كانت الحواجب بحاجة إلى التلوين بسبب التقدم في السن وظهور الشعر الأبيض. وفي هذه الحالة، يُعتبر ذلك من باب العناية بالجمال دون تغيير فطري.
4. استخدام المواد الطبيعية
وفي حال استخدام المواد الطبيعية مثل الحناء أو الصبغات النباتية التي لا تحتوي على مواد كيميائية ضارة، فإن هذا قد يكون أقرب إلى الجواز. المواد الطبيعية التي تستخدم لتغيير لون الحواجب لا تؤثر على الطبيعة الفطرية للشعر، ولا تتضمن أي مواد قد تضر الجسم أو تسبب تغيرًا في الخلق بشكل غير طبيعي. وبالتالي، يَميل العديد من العلماء إلى أن استخدام هذه المواد لا يتنافى مع الشريعة.
5. التفريق بين صبغ الحواجب وتغيير الوجه
من الجوانب المهمة التي يجب الانتباه إليها عند الحديث عن حكم صبغ الحواجب هو التفريق بين صبغ الحواجب كإجراء تجميلي وبين تغيير الوجه بشكل كامل، مثل عمليات التجميل الجراحية أو التعديلات التي تُغير من الشكل الطبيعي للإنسان. في الإسلام، يُحرم بشكل قاطع تغيير الملامح أو الأشكال الجسدية التي تؤدي إلى تغيير فطرة الإنسان، مثل إجراء عمليات التجميل التي تُغير من ملامح الوجه بشكل جذري.
لكن في حالة صبغ الحواجب فقط، سواء كان للنساء أو للرجال، إذا تم ذلك في حدود التجميل الخفيف ولم يهدف إلى تغيير الشكل الطبيعي، يُمكن القول بأن ذلك جائز طالما أنه لا يتضمن تعديًا على فطرة الإنسان.
6. آراء الفقهاء المعاصرين
من أبرز العلماء المعاصرين الذين تناولوا حكم صبغ الحواجب هو الشيخ يوسف القرضاوي، الذي ذكر في إحدى فتاواه أن التغيير الذي يتم في شكل الحواجب لا يُعتبر محرمًا ما لم يتضمن تغييرًا جذريًا في الشكل، مشيرًا إلى أنه لا يجوز إزالة الشعر أو تغيير الشكل الفطري للحواجب. كما أشار إلى أن استخدام المواد التي لا تضر بالصحة أو الجسم قد لا تكون محظورة، بشرط أن لا يتسبب ذلك في التغيير المفرط أو التلاعب بشكل الشخص.
7. الحالات الخاصة: الصبغ للرجال
أما بالنسبة للرجال، فيبقى الحكم الشرعي مشابهًا في كثير من الأحيان. هناك آراء تحظر صبغ الحواجب لدى الرجال إذا كان يهدف إلى تغيير شكل الحاجب بشكل لافت، وهو ما قد يُعتبر من قبيل التشبه بالنساء. ولكن في حالات أخرى، يمكن أن يكون الصبغ مقبولًا في حال كان الرجل يعاني من مشاكل مثل الشيب المبكر ويرغب في إخفائه.
حكم صبغ الحواجب بين الحلال والحرام
إجمالًا، يمكن القول بأن حكم صبغ الحواجب يختلف وفقًا للأهداف والوسائل التي يتم بها الصبغ. إذا كان الهدف من الصبغ هو تحسين شكل الحواجب من دون التغيير الجذري في شكلهما، ويُستخدم في ذلك مواد غير ضارة، فإن هذا يمكن أن يكون جائزًا في الشريعة الإسلامية. لكن إذا كان الهدف من صبغ الحواجب هو تغيير الشكل الفطري أو التلاعب به بشكل يتعارض مع فطرة الإنسان، فإن هذا يُعد محرمًا ويُعتبر من قبيل التغيير الذي لا يرضي الله تعالى.
ويُستحب في جميع الأحوال أن يتبع المسلم الضوابط الشرعية في العناية بمظهره الخارجي، ويحرص على الابتعاد عن كل ما قد يدخل في نطاق التغيير غير المقبول.
