الزيادة في الصلاة

مفهوم الزيادة في الصلاة

الزيادة في الصلاة من الموضوعات الدقيقة في فقه العبادات، وتُعد من المسائل التي تناولها العلماء ببالغ العناية لما لها من أثر مباشر على صحة الصلاة. ويُقصد بالزيادة في الصلاة كل ما زاد عن الأركان أو الواجبات أو السنن المحددة شرعًا، سواء أكانت هذه الزيادة قولية أم فعلية، عمدًا أم سهوًا. وقد تناول الفقهاء هذه الزيادات بالتفصيل، وبيّنوا أحكامها بدقة شديدة بناءً على نصوص القرآن الكريم، وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفهم السلف الصالح.

وتتنوع الزيادة في الصلاة من حيث نوعها، وسببها، وتأثيرها على صحة الصلاة، فتارة تكون زيادة عمدية وتارة تكون سهوية، وتارة تكون قولية وأخرى فعلية. ولكل نوع من هذه الأنواع حكم شرعي خاص به.

أنواع الزيادة في الصلاة

الزيادة القولية

الزيادة القولية هي كل ما يُقال في الصلاة ولم يُشرع قوله فيها، سواء أكان هذا القول من جنس الصلاة أم من غير جنسها. وتنقسم هذه الزيادة إلى قسمين:

الزيادة القولية من جنس الصلاة

وهي مثل أن يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة أو الرابعة من الصلاة الرباعية، أو أن يزيد في عدد التسبيحات في الركوع والسجود زيادة مفرطة خارجة عن المعتاد، أو أن يكرر التشهد الأوسط عمدًا، أو يكرر التكبيرات بدون سبب مشروع.

الزيادة القولية من غير جنس الصلاة

وهي مثل أن يتحدث الإنسان بكلام الدنيا أثناء الصلاة عمدًا، كأن يرد على شخص آخر، أو يتحدث بأمر لا علاقة له بالصلاة، وهذه من مبطلات الصلاة باتفاق الفقهاء.

الزيادة الفعلية

الزيادة الفعلية هي كل فعل زائد عن أفعال الصلاة المشروعة. وتنقسم إلى قسمين:

الزيادة الفعلية من جنس الصلاة

مثل أن يركع مرتين عمدًا في ركعة واحدة، أو أن يسجد ثلاث مرات عمدًا في ركعة واحدة، أو أن يقوم إلى ركعة خامسة في صلاة رباعية بقصد الزيادة.

الزيادة الفعلية من غير جنس الصلاة

مثل أن يتحرك المصلي كثيرًا بحركات غير ضرورية، كأن يعبث بثيابه أو ينظر في ساعته أو يعد النقود أو يتحرك لغير حاجة ماسة، وهذه الحركات إذا كثرت وخرجت بالصلاة عن هيئتها تبطلها.

حكم الزيادة في الصلاة

أولًا: الزيادة العمدية

إذا زاد المصلي عمدًا قولًا أو فعلًا من جنس الصلاة أو من غير جنسها، وكان ذلك مما ليس بمشروع، فإن صلاته تبطل. فالزيادة العمدية تُعد من مبطلات الصلاة لأن الصلاة عبادة محددة من عند الله تعالى بتوقيت وعدد وهيئة، فلا يجوز أن يُزاد فيها شيء عمدًا من غير دليل شرعي.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “صلوا كما رأيتموني أصلي”، وهذا يدل على أن الزيادة العمدية تُعد خروجًا عن طريقة الصلاة الصحيحة. ومن الأمثلة على الزيادة العمدية المبطلة: أن يركع المصلي مرتين في ركعة واحدة بقصد العبادة، أو أن يتحدث بكلام الدنيا متعمدًا أثناء الصلاة.

ثانيًا: الزيادة السهوية

أما إذا كانت الزيادة سهوًا وليست عمدًا، فإن العلماء فرقوا بين أنواعها وتأثيرها على صحة الصلاة:

الزيادة السهوية التي تستلزم سجود السهو

إذا زاد المصلي شيئًا من جنس الصلاة سهوًا، كأن يزيد ركوعًا أو سجودًا أو يقوم إلى ركعة زائدة ظنًا منه أن صلاته ناقصة، ثم يتبين له الخطأ، فهنا تكون الصلاة صحيحة لكن يجب على المصلي أن يسجد سجود السهو قبل التسليم أو بعده حسب تفاصيل المذهب الفقهي.

الزيادة السهوية التي تبطل الصلاة

إذا زاد المصلي شيئًا ليس من جنس الصلاة، كأن يتحدث بكلام الدنيا سهوًا وهو يجهل الحكم، أو أن يتحرك حركات كثيرة لغير حاجة وهو لا ينتبه لذلك، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة تبطل، بينما رأى آخرون أن الصلاة تبقى صحيحة إذا كان الشخص جاهلًا أو ناسيًا بشرط عدم تكرار ذلك.

الزيادة السهوية غير المؤثرة

إذا كانت الزيادة يسيرة جدًا ولا تغير من هيئة الصلاة كأن يحرك أصبعه أو يلتفت التفاتة خفيفة سهوًا، فهذه لا تؤثر على صحة الصلاة.

تفصيل أحكام الزيادة بحسب المذاهب الفقهية

مذهب الحنفية

الحنفية يرون أن الزيادة العمدية في الصلاة من جنسها تبطل الصلاة، أما الزيادة السهوية فإنها لا تبطل الصلاة إذا عولجت بسجود السهو. وإذا كانت الزيادة من غير جنس الصلاة لكنها قليلة فلا تفسد الصلاة، أما إذا كانت كثيرة بحيث لو رآه أحد لقال: “هذا ليس في صلاة”، فإنها تفسد الصلاة حتى لو كانت بغير عمد.

مذهب المالكية

المالكية يفرقون بين الزيادة العمدية التي تبطل الصلاة وبين الزيادة السهوية التي يعالجها سجود السهو. ويرون أن الحركة في الصلاة إذا كانت لغير حاجة وبكثرة فإنها تبطل الصلاة، أما إذا كانت يسيرة أو لحاجة فلا تؤثر.

مذهب الشافعية

الشافعية يشددون في أمر الزيادة العمدية، فيرون أن الزيادة في الأركان أو الأفعال العمدية تبطل الصلاة. أما في حال السهو فإنهم يوجبون سجود السهو لتدارك الخطأ. والحركات الكثيرة عندهم إذا لم تكن لضرورة تبطل الصلاة.

مذهب الحنابلة

الحنابلة يتفقون مع غيرهم على بطلان الصلاة بالزيادة العمدية من جنس الصلاة. أما إذا كانت الزيادة سهوًا فإنها لا تبطل الصلاة ويجب سجود السهو. ويعتبرون أن الحركات القليلة لا تؤثر على الصلاة، لكن إذا كثرت وأصبحت متواصلة فإنها تبطل الصلاة.

كيفية معالجة الزيادة السهوية

عندما يطرأ على المصلي زيادة سهوية فإنه ينبغي له أن يتصرف بناءً على ما يلي:

• إذا تذكر الزيادة أثناء فعلها فإنه يجب عليه التوقف فورًا وعدم الاستمرار فيها.

• إذا لم يتذكر الزيادة إلا بعد انتهائه منها فإنه يكمل صلاته كأنها صحيحة، ويسجد سجود السهو لتعويض الخلل.

• إذا زاد ركعة كاملة ثم تذكر فإنه يجلس فورًا ويسجد للسهو ثم يُسلّم.

ومن السنة أن يكون سجود السهو سجدتين متتاليتين، ويتم بعد التشهد الأخير وقبل السلام أو بعد السلام حسب اختلاف المذاهب، والأفضل اتباع المذهب الذي يلتزم به المصلي.

الفرق بين الزيادة العمدية والزيادة السهوية

أهمية الاتباع في الصلاة

الالتزام بهيئة الصلاة كما وردت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أصلٌ من أصول صحة الصلاة، فلا يجوز للمسلم أن يضيف أو ينقص من الصلاة كما يشاء. فالصلاة عبادة توقيفية لا تقبل الاجتهاد في عدد ركعاتها أو هيئتها أو أذكارها إلا ما أقره الشرع.

وقد قال الله تعالى:

﴿وَرَكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]،

وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية موافقة الجماعة وموافقة الهيئة الشرعية للصلاة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما جُعل الإمام ليُؤتم به، فلا تختلفوا عليه”، وهذا الحديث يبين ضرورة المتابعة وعدم المخالفة أو الزيادة التي قد تؤدي إلى بطلان الصلاة.

أهمية العلم بأحكام الزيادة في الصلاة

يتوجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلموا أحكام الصلاة بدقة، وأن يتفهموا كيفية التعامل مع السهو أو الزيادة أثناء الصلاة. فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة. فإذا صحت الصلاة صحت سائر الأعمال، وإذا فسدت الصلاة فسد سائر العمل.

وإن السهو والزيادة من الأمور التي قد يقع فيها كثير من المصلين سواء كانوا من العامة أو من طلاب العلم، لذا يجب تعلم فقه السهو وفقه الزيادة بدقة، ومراجعة المسائل التي قد تطرأ في الصلاة، وممارسة الخشوع والتركيز أثناء أداء الصلاة للحد من هذه الأخطاء.

أهمية سجود السهو في تصحيح الصلاة

سجود السهو هو رخصة شرعية لمعالجة الخطأ غير المقصود في الصلاة سواء كان بنقص أو بزيادة أو بشك. وقد شرعه النبي صلى الله عليه وسلم عندما وقع السهو منه أثناء الصلاة، فدلّ الأمة على كيفية معالجة مثل هذه الحالات.

سجود السهو يضمن صحة الصلاة ويعفي المصلي من إعادة الصلاة في كثير من الحالات. وقد أجمع العلماء على مشروعيته ووجوبه في بعض المواضع. وهو من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده، إذ لم يُلزمهم بإعادة الصلاة كاملة بسبب سهو يسير يمكن تداركه بسجود بسيط.

أثر الخشوع على تجنب الزيادة

الخشوع في الصلاة يُعد من أعظم أسباب الحماية من الوقوع في الزيادات والأخطاء أثناء الصلاة. فكلما كان القلب حاضرًا والجوارح منضبطة كان أداء الصلاة أقرب للكمال وأبعد عن السهو أو الحركة الزائدة.

قال الله تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2]

والخشوع يتحقق بعدة وسائل منها: الإقبال على الصلاة بكامل التركيز، الابتعاد عن الملهيات، فهم معاني الآيات والأذكار، أداء الصلاة في مكان هادئ بعيد عن التشويش، والتهيؤ لها نفسيًا وبدنيًا قبل الشروع فيها.

خلاصة

الزيادة في الصلاة من المسائل الهامة التي تتطلب وعيًا شرعيًا ومعرفة دقيقة بأحكامها، حيث تختلف أحكام الزيادة بحسب نوعها وسببها. فالزيادة العمدية في الصلاة سواء كانت قولية أو فعلية تؤدي إلى بطلان الصلاة، أما الزيادة السهوية فهي مغتفرة ويمكن معالجتها بسجود السهو. معرفة هذه الأحكام تحفظ صحة الصلاة، وتجعل أداءها على الوجه المشروع الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.

المراجع

• المجموع شرح المهذب – الإمام النووي

• المغني – ابن قدامة