حقائق غريبة عن القرود

معلومات غريبة عن القرود: مخلوقات ذكية ومثيرة للدهشة عبر الغابات والعصور

تُعدّ القرود من أكثر الكائنات الحية إثارةً للاهتمام في مملكة الحيوان، ليس فقط بسبب تشابهها الكبير مع الإنسان من حيث السلوك والتشريح، بل أيضاً لما تتمتع به من قدرات معرفية واجتماعية مذهلة، تجعلها موضوعاً دائماً للبحث والدراسة. تنتمي القرود إلى رتبة الرئيسيات، وهي تضم أنواعاً متعددة موزعة على نطاق واسع من قارات العالم، لا سيما في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. تنقسم هذه الكائنات إلى قرود العالم القديم وقرود العالم الجديد، وتختلف فيما بينها من حيث الشكل، البيئة، القدرات والسلوك. فيما يلي استعراض موسّع لمجموعة من المعلومات الغريبة والمدهشة التي قد لا يعرفها الكثيرون عن هذه الكائنات الذكية.

تصنيف القرود وأنواعها

قبل التعمق في المعلومات الغريبة، من المهم الإشارة إلى أن تصنيف القرود يعتمد على تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين:

• قرود العالم الجديد (New World Monkeys): تعيش في أمريكا الجنوبية والوسطى، مثل القرد العنكبوتي والطمارين والكابوتشين. تمتاز بذيولها الممسكة، وهي قادرة على استخدامها كطرف إضافي.

• قرود العالم القديم (Old World Monkeys): تعيش في إفريقيا وآسيا، مثل المكاك والبابون. تمتاز بقدرتها على الجلوس على مؤخرة صلبة، وبغياب الذيل الممسك.

الذكاء الاصطناعي الطبيعي: ذاكرة وسلوك معقّد

أظهرت دراسات علمية أن بعض أنواع القرود، لا سيما الشمبانزي والبونوبو، تمتلك قدرات معرفية قد تفوق قدرات الإنسان في بعض المهام البصرية قصيرة المدى. فقد تبيّن أن الشمبانزي قادر على تذكّر ترتيب الأرقام المعروضة على الشاشة لفترة قصيرة بدقة تفوق الإنسان المدرب، وهي خاصية ترتبط بما يُعرف بالذاكرة الصورية الفائقة.

تستخدم القرود الأدوات في البرية بطرق متقدمة. فبعض أنواع الشمبانزي تقوم بصنع أدوات من الأغصان لاستخراج النمل الأبيض من ثقوبه، بينما تقوم قرود الكبوشيين بتكسير المكسرات باستخدام الحجارة الثقيلة، وتخزين هذه الحجارة لمواسم الجفاف التي يقلّ فيها الغذاء.

القدرة على التعاطف والتضامن الاجتماعي

أظهرت الدراسات السلوكية أن القرود تمتلك قدرات عاطفية معقّدة تشمل التعاطف، المشاركة، والحزن. فعلى سبيل المثال، شوهدت بعض الإناث من المكاك وهي تحتضن صغار قرود أخرى بعد وفاة أمهاتهم. كما لوحظ في العديد من الأنواع أن القرود تقوم بمواساة أفراد المجموعة الذين تعرّضوا للعدوان من قرود أخرى، من خلال لمسهم أو لعقهم بلطف.

تمتلك هذه الكائنات نظاماً اجتماعياً متطوراً للغاية، يتضمن توزيعاً دقيقاً للسلطة، وتبادلاً للمصالح، بما في ذلك “تبادل العناية مقابل الدعم”. إذ يقوم الذكور بحك فرو الإناث في بعض الأحيان كوسيلة لاستمالتها أثناء فترة التزاوج.

الغرائز الموسمية ودورات الحياة

من المعلومات الغريبة أن بعض أنواع القرود تدخل في ما يشبه الاكتئاب الموسمي خلال فترات الجفاف أو الشتاء، حيث تقلّ الموارد الغذائية ويزداد التوتر داخل المجموعة. هذا يؤثر على هرمونات التوتر لديها، ويُلاحظ من خلال تغير السلوك العام نحو العدوانية أو الانطواء.

كما أن بعض أنواع القرود مثل الليمور (وهو من الرئيسيات وليس قرداً تقنياً لكنه مقارب) تعتمد على ضوء القمر لتنظيم نشاطها، مما يجعلها عرضة لتغيرات السلوك بناءً على دورة القمر، في مشهد يجمع بين الغريزة الطبيعية والتأثر بالظروف الفلكية.

ظواهر اجتماعية غريبة: تحالفات وانقلابات

في مجتمع القرود، لا سيما قرود المكاك والبابون، توجد تحالفات سياسية حقيقية. تتشكل تحالفات بين ذكور لتقوية مواقعهم الاجتماعية، وفي بعض الأحيان للإطاحة بزعيم المجموعة. ومن الحالات المثيرة، أن زعيماً ضعيفاً قد يبقى في موقعه لفترة طويلة فقط بسبب ذكائه الاجتماعي وقدرته على التفاوض والتحالف، وليس لقوته الجسدية فقط.

تقوم بعض الإناث بتشكيل تحالفات كذلك لحماية صغارها أو لضمان حصولها على الموارد، وقد تقوم بممارسة سلوك “المحسوبية” من خلال مشاركة الغذاء مع الإناث الأقرباء أو المتحالفة.

لغة القرود: رموز وأصوات ذات معنى

يستخدم العديد من أنواع القرود أصواتاً محددة تشير إلى أخطار معينة، وتختلف النغمة حسب نوع التهديد. فعلى سبيل المثال، تطلق قرود الفيرفيت أصواتاً مختلفة عند رؤية نسر أو أفعى أو فهد، ولكل صوت رد فعل محدد داخل المجموعة، ما يدل على وجود نظام شبه لغوي.

أثبتت التجارب في البيئات المخبرية أن بعض القرود قادرة على تعلم لغة الإشارة (لغة الصم والبكم) والتواصل بها مع البشر، مثل القردة “كانزي” و”كوكو” التي استطاعت تعلم مئات الإشارات واستخدامها بشكل مستقل للتعبير عن الرغبات والعواطف.

عادات غذائية خارجة عن المألوف

رغم أن معظم القرود تتغذى على الفواكه، النباتات، الحشرات، وبعض اللحوم، إلا أن بعض الأنواع تمتلك عادات غذائية غريبة. على سبيل المثال، لوحظ أن قرود الكابوتشين تقوم بفرك أجسادها بأنواع معينة من الحشرات ذات الرائحة القوية، اعتقاداً بأنها توفر حماية ضد البعوض.

كما أن الشمبانزي قد ينظم رحلات صيد جماعية للقرود الصغيرة مثل القرد الأحمر في إفريقيا، ويشارك اللحم كمكافأة بين أفراد المجموعة، ما يُظهر سلوكاً يشبه الطقوس الجماعية.

القرود في طقوس وأساطير الإنسان

حظيت القرود بمكانة خاصة في العديد من الحضارات. ففي الهندوسية مثلاً، يُعبد الإله “هَنُومان” على هيئة قرد، ويُنظر إليه كرمز للقوة والوفاء. أما في بعض الثقافات الإفريقية، فتُعتبر القرود رسلاً بين العوالم الروحية.

في الأدب الصيني، يظهر القرد كشخصية محورية في الرواية الكلاسيكية “رحلة إلى الغرب”، حيث يُجسد صفات الذكاء والخداع والشجاعة، ما يعكس الإدراك الثقافي القديم لقيمة هذا الكائن.

سلوكيات جنسية معقدة ومثيرة للجدل

من بين أكثر المعلومات إثارة عن القرود هي سلوكياتها الجنسية التي تتجاوز دوافع الإنجاب. بعض الأنواع تمارس الجنس لأسباب تتعلق بتقوية الروابط الاجتماعية، أو كأداة للتفاوض أو إنهاء الصراعات. وتعتبر قرود البونوبو مثالاً فريداً في هذا السياق، حيث تلعب العلاقات الجنسية دوراً محورياً في إدارة الحياة اليومية.

أظهرت الدراسات أن لدى هذه الكائنات أنماطاً متنوعة من السلوك الجنسي تشمل مثليّة جزئية، وممارسات غير تقليدية، ما يدل على تعقيد نظامها العاطفي والاجتماعي.

الإدمان والسلوك المكتسب من الإنسان

في البيئات القريبة من البشر، تعلمت بعض القرود سلوكيات ضارة، مثل الإدمان على الكحول أو التدخين، بعد مراقبة البشر. ففي الهند، شوهدت قرود تشرب من زجاجات الكحول المتروكة، وبعضها أصبح “مدمناً” يبحث عنها يومياً. وتم توثيق حالات مشابهة في بلدان مثل تايلاند وكمبوديا.

في بعض المدن الآسيوية، شوهدت قرود تسرق الطعام من السياح أو حتى تستخدم أدوات مثل العصي أو الحجارة لفتح الأكياس أو التهديد. هذا يُظهر قدرتها الفائقة على التعلّم من البيئة المحيطة بها، سواء كانت طبيعية أو بشرية.

موت القرد وتأثيره على المجموعة

من أغرب المظاهر التي لاحظها علماء الحيوان هي الطريقة التي تتعامل بها القرود مع موت أحد أفراد مجموعتها. بعض الإناث تحتفظ بجثث صغارها لعدة أيام بعد الوفاة، وترفض تركهم أو الابتعاد عنهم. كما لوحظ أن أفراد المجموعة يتجمعون حول الجثة في صمت، في سلوك يقترب من الحداد.

هذا النوع من السلوك يطرح تساؤلات فلسفية حول درجة وعي هذه الكائنات بمفهوم الموت، وهو مجال بحث نشط في علم الأعصاب والسلوك الحيواني.

جدول مقارنة مختصر بين بعض أنواع القرود

الخلاصة

القرود ليست فقط كائنات ممتعة للمراقبة في الحدائق أو عبر الوثائقيات، بل تمثل مرآة تطورية وسلوكية للإنسان نفسه. تجمع بين الذكاء الطبيعي والتعقيد الاجتماعي، وبين الغرائز الحيوانية والسلوك المكتسب، مما يجعلها محوراً دائماً للدهشة والدراسة. معرفة هذه التفاصيل عن القرود لا تغني فقط معارفنا العلمية، بل توسّع من فهمنا للتطور، للوعي، وللمجتمع.

المراجع:

• Frans de Waal. Our Inner Ape: A Leading Primatologist Explains Why We Are Who We Are. Riverhead Books, 2005.

• Jane Goodall. In the Shadow of Man. Houghton Mifflin Harcourt, 1971.