مقدمة حفل لدار تحفيظ القرآن الكريم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعل القرآن هداية ورحمة للعالمين، وجعل من حفظه وتلاوته عملاً عظيماً في ميزان حسنات المؤمنين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن دار تحفيظ القرآن الكريم تمثل منارة علمية تهدي الناس إلى صراط الله المستقيم، وتربطهم بكلامه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. هي مكان خاص تسعى فيه النفوس الطاهرة إلى حفظ آيات الله وتدبر معانيها، لتصبح هذه الآيات نبراساً يهدي القلوب ويشرف أصحابها في الدنيا والآخرة. وبين هذه الجدران المباركة، تنمو أجيال جديدة من الحفظة الذين ينشرون في المجتمع نور العلم، ويزرعون في قلوب الناس حب كتاب الله وتلاوته والعمل به.
إن احتفالنا اليوم هو بمثابة لحظة تكريم وتقدير لكل طالب وطالبة بذلوا الجهد والعناء في حفظ كتاب الله، وكل معلم ومعلمة بذلوا وقتهم وطاقتهم في تعليم القرآن وتوجيه طلابهم نحو الطريق الصحيح. إن هذا اليوم هو يوم الفخر والاعتزاز بما تم إنجازه، وهو فرصة لتسليط الضوء على أهمية القرآن الكريم في حياتنا اليومية، ودوره الكبير في بناء المجتمعات وتربية الأفراد على الأخلاق الفاضلة.
قد يتساءل البعض، ما الذي يجعل من القرآن الكريم مصدراً مهماً في حياة المسلمين؟ الإجابة تكمن في أنه الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون مرجعاً شمولياً لكل جوانب الحياة، من العقيدة إلى التشريع، من الأخلاق إلى المعاملات، ومن العبادات إلى العلاقات الاجتماعية. إن القرآن الكريم هو دستور الأمة الإسلامية، الذي يجمع بين القيم العليا والمعاني السامية التي توجه المسلم إلى طريق الفلاح، وتعينه على اجتياز التحديات التي يواجهها في حياته.
وفي هذا الحفل المبارك، نجتمع لنحتفل ليس فقط بالتحصيل العلمي بل كذلك بالنمو الروحي والعقلي الذي تحقق من خلال الدراسة والتلاوة المستمرة للقرآن. فكل آية في كتاب الله لا تقتصر على معانيها الظاهرة فقط، بل تحمل دروساً بليغة وفوائد عظيمة تُنير العقل وتغذي الروح، وتجعل الشخص أقرب إلى الله تعالى، وأكثر قدرة على مواجهة صعوبات الحياة بنية صافية وعقل واعٍ.
من خلال هذه المناسبة، نشيد بالعطاء الكبير الذي تبذله دار تحفيظ القرآن الكريم في رعاية وتحفيز الطلاب على الإقبال على حفظ القرآن، والسعي نحو التميز والإجادة في تلاوته وتفسيره. إن دار التحفيظ هي بمثابة الأسرة التي تحتضن الحافظين والمربين، وتستثمر أوقاتهم وجهودهم في نشر الخير، فهي تمثل حجر الزاوية في بناء مجتمع إسلامي يسير على هدي القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
اليوم هو يوم مكافأة وجزاء لكل من شارك في هذا المشروع العظيم، سواء كان من الطلبة الذين أتموا حفظ أجزاء من القرآن الكريم، أو من أولياء الأمور الذين قدموا الدعم والرعاية، أو المعلمين الذين لم يبخلوا بوقتهم واهتمامهم في تدريس وتعليم القرآن الكريم. فكل واحد منكم هو جزء لا يتجزأ من هذا النجاح المشترك، الذي نحتفل به اليوم.
ولا بد من التأكيد على أن حفظ القرآن الكريم ليس هدفاً آنياً فقط، بل هو مشروع مستمر يمتد طيلة حياة الإنسان. فالقرآن الكريم يظل في القلب والذاكرة، وتزداد قيمته كلما ازداد فهم المسلم لمعانيه وتطبيقه في حياته. فالهدف هو أن يعيش المسلم في ظل القرآن، وأن تكون تعاليمه هي المنهج الذي يسير عليه في كل أموره، سواء في عبادته، أو في تعامله مع الآخرين، أو في مواقفه الحياتية المختلفة.
إننا اليوم ونحن في هذا الحفل المهيب، نرفع أيدينا بالدعاء لله سبحانه وتعالى أن يبارك في جهود الجميع، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا جميعاً، وأن يعيننا على المضي قدماً في خدمة كتابه العظيم. فالحياة قصيرة، ولكن أثر القرآن الكريم يبقى مخلداً في القلب والعقل، وينبغي لكل واحد منا أن يسعى جاهداً ليكون جزءاً من هذا الأثر العظيم، الذي يمتد إلى الأجيال القادمة، ويستمر في بناء المجتمع الإسلامي على أسس راسخة من الإيمان والتقوى.
في الختام، نسأل الله أن يجعل هذا العمل المبارك في ميزان حسنات الجميع، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. كما نؤكد على أهمية الاستمرار في هذا المشروع الكبير، والعمل على تعزيز حفظ القرآن وتفسيره وتطبيقه في حياتنا اليومية. إننا اليوم لا نحتفل فقط بحفظ جزء من القرآن الكريم، بل نحتفل بإيماننا العميق بأهمية هذا الكتاب العظيم في حياتنا.
وفي النهاية، نسأل الله أن يوفقنا لما فيه خير وصلاح في الدنيا والآخرة، وأن يجعل هذا العمل في خدمة الإسلام والمسلمين. آمين.
