حروق الدرجة الثالثة: دراسة شاملة لمراحلها وأسبابها وعلاجها

تعتبر الحروق من أكثر الإصابات الجلدية شيوعاً وتأثيراً على صحة الإنسان، وتختلف درجات الحروق تبعاً لعمق الإصابة وتأثيرها على الأنسجة المتضررة. من بين هذه الدرجات، تعد حروق الدرجة الثالثة الأكثر خطورة وشدة، لما لها من تأثير عميق يشمل جميع طبقات الجلد وربما الأنسجة المحيطة بها مثل العضلات والعظام. هذا المقال يقدم دراسة متكاملة ومفصلة عن حروق الدرجة الثالثة، بدءاً من التعريف الطبي، مروراً بأسبابها، الأعراض التي تميزها، مراحل تطورها، وطرق علاجها الحديثة، مع التركيز على الجوانب العلمية والطبية الدقيقة التي تهم القارئ والباحث.

تعريف حروق الدرجة الثالثة

حروق الدرجة الثالثة هي إصابات حرارية شديدة تؤدي إلى تدمير كامل لجميع طبقات الجلد، بما في ذلك البشرة، الأدمة، وأحياناً تصل إلى الأنسجة تحت الجلدية كالعضلات أو حتى العظام في حالات شديدة. هذه الحروق تتميز بفقدان الإحساس بسبب تلف نهايات الأعصاب الجلدية، كما أنها غالباً ما تكون مصحوبة بتغير في لون الجلد المصاب إلى الأبيض الشمعي أو الأسود المحترق، مع قشرة جافة ومتصلبة.

على عكس حروق الدرجة الأولى والثانية التي تصنف حسب عمق تأثر البشرة فقط، فإن حروق الدرجة الثالثة تشمل تأثيراً كاملاً وعميقاً، مما يجعلها حالة طبية طارئة تستوجب التدخل الفوري والعناية المركزة.

أسباب حروق الدرجة الثالثة

تتعدد أسباب حروق الدرجة الثالثة ويمكن تصنيفها حسب نوع المادة أو العنصر المسبب للإصابة، وكذلك الظروف التي تؤدي إلى التعرض لها:

• الحروق الحرارية: نتيجة تعرض الجلد لحرارة عالية جداً مثل النار المباشرة، السوائل الساخنة المغلية، البخار الساخن، أو الأسطح الساخنة لفترات طويلة.

• الحروق الكيميائية: التعرض لمواد كيميائية حارقة مثل الأحماض القوية، القلويات، أو المواد الصناعية الخطرة التي تسبب تآكل الجلد وتدمير الأنسجة.

• الحروق الكهربائية: نتيجة مرور تيار كهربائي عالي الشدة عبر الجسم، مما يؤدي إلى احتراق الأنسجة الداخلية بالإضافة إلى الجلد.

• الإشعاع: التعرض لكميات كبيرة من الأشعة مثل أشعة الشمس المكثفة لفترات طويلة أو التعرض لإشعاعات نووية قد يؤدي إلى حروق شديدة مشابهة للدرجة الثالثة.

أعراض حروق الدرجة الثالثة

الأعراض التي تميز حروق الدرجة الثالثة تشمل:

• تدمير كامل الجلد: فقدان البشرة والطبقة الدهنية تحت الجلد.

• تغير لون الجلد: قد يكون الجلد أبيض شمعي أو أسود محترق.

• جفاف الجلد: المنطقة المصابة تصبح متصلبة وجافة وغير مرنة.

• فقدان الإحساس: تلف الأعصاب يجعل المنطقة غير حساسة للألم.

• تورم واحمرار حول الحرق: قد يحيط بالمنطقة المحترقة جزء من الجلد المتضرر بدرجة أقل (الدرجة الثانية).

• تسرب سوائل من الجرح: في بعض الحالات، خاصة مع التلوث أو العدوى الثانوية.

مراحل تطور الحروق

تمر حروق الدرجة الثالثة بعدة مراحل من التطور تبدأ من لحظة التعرض للعامل المؤذي وحتى شفاء الجرح، ويمكن تلخيصها كالآتي:

1. المرحلة الحادة (مرحلة الصدمة)

تحدث فور تعرض الجلد للحرارة أو المادة المسببة، حيث يتم تدمير الأنسجة بشكل فوري مع إطلاق مواد التهابية تسبب تورماً وألماً في المناطق المحيطة. كما يحدث تسرب للسوائل خارج الأوعية الدموية بسبب تلف الخلايا، مما يؤدي إلى تورم إضافي وحالة من الصدمة الجهازية أحياناً.

2. مرحلة الالتهاب

تبدأ بعد ساعات من الإصابة وتمتد لأيام، وتتسم بوجود التهاب موضعي حول الحروق مع ظهور علامات العدوى أو التهيج، وتبدأ الخلايا المناعية في مهاجمة الأنسجة التالفة لتنظيفها من الخلايا الميتة.

3. مرحلة التئام الجرح

تبدأ هذه المرحلة بعد إزالة الأنسجة المتضررة، حيث يقوم الجسم بإنتاج خلايا جديدة لملء الفجوات. في حروق الدرجة الثالثة، غالباً ما تكون هذه المرحلة معقدة بسبب فقدان كامل الطبقات الجلدية، مما يستدعي تدخلات طبية مثل زراعة الجلد أو استخدام بدائل جلدية.

4. مرحلة الترميم وإعادة التأهيل

تستمر لأشهر أو سنوات، حيث يعاد بناء الجلد والأنسجة المصابة تدريجياً، وقد يصاحب ذلك تشوهات في الجلد، ندبات متصلبة، ومشاكل وظيفية في حركة الجلد أو العضلات تحت الحرق.

مضاعفات حروق الدرجة الثالثة

تعد حروق الدرجة الثالثة من أخطر أنواع الحروق بسبب المضاعفات التي قد تنتج عنها، منها:

• العدوى البكتيرية: بسبب فقدان الحاجز الجلدي الطبيعي.

• الصدمة الحرارية: فقدان السوائل الضخم يؤدي إلى صدمة في الدورة الدموية.

• الإصابة بالجفاف: نتيجة فقدان كمية كبيرة من الماء والأملاح.

• تكون الندبات الضخمة: ندبات التليف التي تؤثر على الحركة.

• مشاكل نفسية: الاكتئاب والقلق الناتج عن التشوهات الجسدية.

تشخيص حروق الدرجة الثالثة

يتم تشخيص الحروق من خلال الفحص السريري الذي يركز على:

• تحديد عمق الحرق: عبر معاينة لون الجلد، وجود أو فقدان الألم، وحالة الأنسجة.

• تقييم المساحة المصابة: عبر تقدير نسبة الجسم المصاب باستخدام طرق مثل قاعدة تسع (Rule of Nines).

• فحص وظائف الأعضاء الحيوية: لتحديد وجود صدمة أو تأثير على الأعضاء الداخلية.

• تصوير الأشعة في حالات الحروق الكهربائية: لتقييم تأثير الحرق على الأنسجة العميقة والعظام.

علاج حروق الدرجة الثالثة

العلاج يعتمد على شدة الحرق وحجم المساحة المصابة، ويتطلب عادة تدخلاً طبياً متخصصاً ومتابعة دقيقة، ويشمل ما يلي:

1. الإسعاف الأولي

• إزالة المصاب من مصدر الحرق فوراً.

• تبريد المنطقة المصابة بالماء البارد (ليس المثلج) لتقليل الحرارة.

• تغطية الحرق بضمادات معقمة.

• عدم استخدام الكريمات أو الزيوت المنزلية على الحروق الشديدة.

2. الرعاية الطبية المتقدمة

• السوائل الوريدية: لتعويض فقدان السوائل ومنع الصدمة.

• الأدوية: مسكنات الألم القوية، مضادات حيوية للوقاية من العدوى، وأدوية مضادة للالتهاب.

• تنظيف الجرح: إزالة الأنسجة الميتة لمنع العدوى وتحفيز التئام الجرح.

• زراعة الجلد: في حال فقدان مساحة كبيرة من الجلد، يتم استخدام تقنيات زراعة الجلد من مناطق أخرى في الجسم أو استخدام بدائل صناعية.

• العناية بالجروح: استخدام ضمادات خاصة تحفز الشفاء وتحافظ على رطوبة الجرح.

3. إعادة التأهيل والعلاج الطبيعي

• التمارين لتجنب تصلب المفاصل.

• علاج الندبات باستخدام تقنيات متقدمة مثل الليزر أو الجراحة التجميلية.

• الدعم النفسي للمصابين لمساعدتهم على التأقلم مع التغيرات الجسدية.

التقنيات الحديثة في علاج حروق الدرجة الثالثة

شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في مجال علاج الحروق، حيث أدخلت تقنيات متقدمة مثل:

• الزراعة الهندسية للجلد: استخدام خلايا جذعية لزراعة طبقات جلدية جديدة.

• الضمادات الذكية: التي تراقب حالة الجرح وتفرز مضادات حيوية أو عوامل نمو حسب الحاجة.

• العلاج بالخلايا الجذعية: لتسريع التئام الأنسجة وتقليل الندبات.

• العلاج بالليزر: لتحسين مظهر الندبات وتقليل الألم.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين درجات الحروق مع التركيز على الدرجة الثالثة

خاتمة

تمثل حروق الدرجة الثالثة حالة طبية حرجة تتطلب فهماً دقيقاً لتفاصيل الإصابة وتداعياتها من أجل تقديم علاج فعال ومتطور يضمن للمرضى تعافياً شاملاً مع أقل مضاعفات ممكنة. تعتمد نتائج الشفاء بشكل كبير على سرعة التدخل الطبي، وجودة الرعاية المقدمة، والتقنيات المستخدمة في العلاج. ولهذا، تظل الوقاية من الحروق واتباع الإجراءات الآمنة من أهم الخطوات التي تساهم في تقليل خطر التعرض لهذه الإصابات الخطيرة.

المصادر والمراجع

1. UpToDate: Management of burn injuries – UpToDate Clinical Knowledge Resource, 2023.

2. American Burn Association: Guidelines for Burn Care, 2022.