ظهور حبوب في اللسان عند الأطفال: الأسباب، الأنواع، التشخيص، والعلاج

يُعد اللسان من أهم الأعضاء في الفم لما له من وظائف متعددة تشمل التذوق، التحدث، والمساعدة في عملية الهضم. إلا أنه، شأنه شأن باقي الأنسجة في الجسم، قد يتعرض لعدد من المشكلات الصحية، ومنها ظهور الحبوب أو التقرحات أو الانتفاخات. ظهور الحبوب في اللسان عند الأطفال من الحالات الشائعة نسبياً التي قد تُسبب قلقاً كبيراً للآباء، خصوصاً إذا ما ترافقت مع ألم، حمى، أو صعوبات في الأكل أو التحدث.

يُصنَّف ظهور الحبوب في اللسان عند الأطفال على أنه عرض طبي وليس مرضاً بحد ذاته، وغالباً ما يكون ناتجاً عن مجموعة متنوعة من الأسباب التي تتراوح بين الحميدة مثل التهيّجات المؤقتة، إلى الأكثر خطورة كالأمراض الفيروسية أو نقص المناعة. في هذا المقال الموسّع، سيتم التطرق بتفصيل دقيق إلى مختلف الأسباب المحتملة، أشكال الحبوب، سبل التشخيص والعلاج، مع تقديم نظرة شاملة وعلمية حول هذه الظاهرة.

الأسباب الشائعة لظهور الحبوب في اللسان عند الأطفال

تتنوع الأسباب المؤدية إلى ظهور الحبوب على لسان الأطفال، ويمكن تصنيفها إلى فئات متعددة تشمل الالتهابات، الصدمات الموضعية، الأمراض المناعية، والحالات الفموية الحميدة أو الخبيثة.

1. الالتهابات الفيروسية

فيروس الهربس البسيط (Herpes Simplex Virus)

يُعد من أكثر الفيروسات شيوعاً عند الأطفال، ويمكن أن يُسبب ما يُعرف بـ”التهاب الفم واللثة الهربسي الأولي”، الذي يصاحبه ظهور حبوب أو بثور صغيرة مؤلمة على اللسان، اللثة، الشفاه، وسقف الحلق. غالباً ما تترافق مع حمى مرتفعة، ضعف عام، وصعوبة في تناول الطعام.

الفيروسات المعوية (Enteroviruses)

مثل فيروس “كوكساكي” الذي يسبب مرض “اليد والقدم والفم”، حيث تظهر بقع حمراء صغيرة تتحول إلى بثور مؤلمة على اللسان، إلى جانب الطفح الجلدي على اليدين والقدمين، وتُعد من الحالات المعدية.

فيروس إبشتاين-بار (EBV)

يؤدي إلى “داء كثرة الوحيدات العدائية”، وقد يتسبب بظهور حبوب على اللسان أو بقع بيضاء تُشبه الطلاء، ترافقها أعراض مثل تضخم العقد اللمفاوية والتهاب الحلق.

2. الالتهابات البكتيرية والفطرية

القلاع الفموي (Oral Thrush)

ينتج عن تكاثر غير طبيعي لفطر Candida albicans، ويظهر على شكل بقع بيضاء أو حبوب صغيرة على اللسان والخدين من الداخل، وهو شائع عند الأطفال الرضع والأطفال ذوي المناعة الضعيفة.

الالتهابات البكتيرية

مثل الإصابة بالبكتيريا العقدية، التي قد تُسبب تقرحات أو بثور مؤلمة على اللسان، خصوصاً إذا ترافقت مع التهاب الحلق.

3. الإصابات والتهيجات الميكانيكية

تُعد من الأسباب الشائعة غير المعدية وتشمل:

• عضّ اللسان أثناء الأكل أو النوم.

• الحروق الناتجة عن تناول الطعام أو الشراب الساخن.

• التهيج بسبب حواف الأسنان الحادة أو أطقم الأسنان المؤقتة.

• الاستخدام العنيف للفرشاة.

هذه الإصابات تُسبب تورماً موضعياً أو حبوب صغيرة سرعان ما تتعافى تلقائياً خلال عدة أيام دون الحاجة لتدخل طبي.

4. التحسس الغذائي

يتفاعل بعض الأطفال مع أطعمة معينة مثل الفراولة، الشوكولاتة، المكسرات، أو الحليب، مما يؤدي إلى ظهور حبوب حمراء أو بيضاء على اللسان. في بعض الأحيان، تكون مصحوبة بتورم في الوجه أو الحلق في الحالات الشديدة من التحسس.

5. نقص الفيتامينات والمعادن

يُعد نقص بعض العناصر الغذائية، لا سيما فيتامين B12، الحديد، وحمض الفوليك، من الأسباب التي تؤدي إلى:

• تورم اللسان.

• حبوب صغيرة مؤلمة.

• احمرار اللسان وتشققه.

• الإحساس بالحرقان.

6. أمراض المناعة الذاتية

تشمل أمراضاً مثل:

• الذئبة الحمراء الجهازية (SLE).

• متلازمة بهجت (Behçet’s Syndrome): تتسبب في تقرحات متكررة مؤلمة على اللسان والفم.

• الصدفية الفموية.

رغم ندرة هذه الأمراض لدى الأطفال، إلا أنها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في حالات التقرحات المتكررة والمزمنة.

الأنواع السريرية لحبوب اللسان

يُساعد التفريق بين الأنواع المختلفة من الحبوب على تحديد السبب المحتمل بدقة. يمكن تصنيفها حسب اللون، الحجم، والموقع على النحو التالي:

التشخيص الطبي

يُعد تقييم الطبيب ضرورياً خصوصاً إذا استمرت الحبوب لأكثر من أسبوع، أو ترافقت مع أعراض جهازية مثل الحمى، الطفح الجلدي، أو فقدان الشهية. يتضمن التشخيص عادة:

1. التاريخ الطبي الكامل

• بداية ظهور الحبوب.

• وجود أعراض مرافقة مثل الحمى أو الطفح.

• النظام الغذائي والتغيرات فيه.

• تناول أدوية أو مكملات حديثاً.

2. الفحص السريري

• فحص اللسان من حيث اللون، الحجم، الملمس، عدد الحبوب وموقعها.

• فحص الفم بالكامل.

• فحص الجلد والعينين والغدد اللمفاوية.

3. الفحوصات المخبرية

• مسحة فموية: للكشف عن وجود فطريات أو بكتيريا.

• تحليل دم: لتقييم تعداد الدم الكامل، مستوى الحديد، الفيتامينات، والمناعة.

• اختبارات فيروسية: خصوصاً في حالات الاشتباه بفيروسات الهربس أو كوكساكي.

العلاج

يعتمد العلاج على السبب الأساسي المؤدي لظهور الحبوب في اللسان، ويشمل عدة مقاربات:

1. العلاج الدوائي

مضادات الفيروسات

مثل Acyclovir في حالات الهربس.

مضادات الفطريات

مثل Nystatin أو Fluconazole لعلاج القلاع الفموي.

مضادات حيوية

تُستخدم فقط إذا كانت الحبوب ناتجة عن عدوى بكتيرية مؤكدة.

مضادات الهيستامين

تفيد في حالات التحسس الفموي لتقليل الالتهاب.

المكملات الغذائية

مثل الحديد أو فيتامين B12 إذا أظهرت الفحوصات نقصاً غذائياً.

2. العناية المنزلية

• استخدام غسول فموي ملحي (ماء دافئ مع ملح).

• تجنب الأطعمة الساخنة أو الحارة.

• استخدام فرشاة أسنان ناعمة.

• الإكثار من السوائل.

• إعطاء الطفل طعاماً بارداً مثل الزبادي أو المثلجات لتخفيف الألم.

3. المتابعة الطبية

يجب مراجعة الطبيب إذا:

• استمرت الحبوب أكثر من 10 أيام.

• زادت في الحجم أو العدد.

• ترافقت مع صعوبة في التنفس أو البلع.

الوقاية

الوقاية تبدأ من الممارسات اليومية الصحية وتشمل:

• تعليم الطفل تنظيف فمه جيداً.

• تجنب مشاركة أدوات الطعام أو المشروبات.

• تعقيم الأدوات المستخدمة للرضاعة.

• متابعة التغذية السليمة والمتنوعة.

• تقليل الحلويات والمشروبات الغازية.

متى تستدعي الحالة القلق؟

رغم أن غالبية حالات الحبوب في اللسان عند الأطفال تُعد حميدة وتختفي تلقائياً، إلا أن بعض الأعراض تتطلب التدخل الطبي العاجل:

• صعوبة في البلع أو التنفس.

• حمى مرتفعة لا تستجيب للعلاج.

• طفح جلدي عام.

• فقدان وزن غير مبرر.

• نزيف مستمر من الحبوب أو التقرحات.

خلاصة

إن ظهور الحبوب في اللسان عند الأطفال يُعد عرضاً شائعاً تتعدد أسبابه بين العدوى، التهيجات، نقص التغذية، أو التحسس. الفحص السريري الجيد والتاريخ الطبي التفصيلي يساعدان على تحديد التشخيص الدقيق وتوجيه العلاج المناسب. معظم الحالات يمكن السيطرة عليها بتدخلات بسيطة، إلا أن الحالات المتكررة أو المصحوبة بأعراض جهازية تستوجب فحصاً معمقاً وتحليلات مخبرية شاملة. يتطلب الأمر وعياً من الأهل ومراقبة دقيقة لأي تغيرات في صحة الطفل الفموية لتفادي المضاعفات وتعزيز التعافي السريع.

المصادر:

1. American Academy of Pediatrics. “Oral Health in Children.” www.aap.org

2. Mayo Clinic. “Mouth Sores in Children.” www.mayoclinic.org