كتاب “جيل وحيد: جيل إكس يصنع لنفسه مكاناً في العالم” الذي ألّفه كل من ويليام ماهيدي وجانيت برناردي، هو دراسة فريدة من نوعها تستكشف الجوانب النفسية والاجتماعية والروحية للأفراد المنتمين إلى جيل إكس. هذا الجيل الذي وُلِد بين منتصف الستينيات وأوائل الثمانينيات يُعتبر واحداً من أكثر الأجيال التي أثارت اهتمام العلماء والمفكرين بسبب خصائصه المميزة وتحدياته التي واجهها في مجتمعات سريعة التغير.
في هذا الكتاب، يطرح المؤلفان وجهة نظر شاملة حول كيفية تعامل هذا الجيل مع الحياة الروحية والدينية في وقتٍ يبدو فيه أن المؤسسات التقليدية، مثل الكنائس والجماعات الدينية، تفقد تأثيرها بشكل متزايد على الأجيال الشابة. يأتي الكتاب في وقت كان جيل إكس يمر فيه بمرحلة حاسمة من حياته، حيث كان يواجه تغييرات اجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة النطاق في أواخر القرن العشرين.
السمات المميزة لجيل إكس
يُركز الكتاب على السمات التي تميز أفراد جيل إكس مقارنةً بالأجيال السابقة. على الرغم من أن هذا الجيل نشأ في ظل النمو التكنولوجي السريع والتغيرات الثقافية الهائلة، إلا أنه عاش أيضًا في فترة عدم استقرار اقتصادي واجتماعي. ويُعزى ذلك إلى عوامل مثل الركود الاقتصادي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وتراجع فرص العمل، وظهور مشاكل اجتماعية مثل ارتفاع معدلات الطلاق والانحلال الأسري. كل هذه العوامل شكلت أفراد جيل إكس وجعلتهم يشعرون بأنهم أكثر عزلة وانفصالًا عن المجتمع.
النظرة إلى الدين والحياة الروحية
تتعمق ماهيدي وبرناردي في جوانب الحياة الروحية لأفراد جيل إكس، مبينين أن الكثير من أفراد هذا الجيل يعانون من شعور بعدم الارتباط بالمؤسسات الدينية التقليدية. بدلاً من الاعتماد على الكنيسة أو المؤسسات الروحية التقليدية، يلجأ الكثير منهم إلى البحث عن المعنى والغاية في حياتهم بطرق غير تقليدية. يظهر الكتاب أن أفراد جيل إكس لديهم ميل لاستكشاف مسارات روحية شخصية ومتعددة الأبعاد، وغالبًا ما يبحثون عن الروحانية خارج الأطر الدينية الرسمية.
على الرغم من أن بعضهم يرفض المؤسسات الدينية التقليدية، إلا أن الكتاب يبين أن أفراد جيل إكس ليسوا بالضرورة أقل تدينًا أو أقل اهتمامًا بالروحانية. بل على العكس، هم يبحثون عن طرق جديدة للتواصل مع الروحانية تتناسب مع واقعهم المعقد والمليء بالتحديات.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية
من الجوانب الأخرى التي يناقشها الكتاب هي التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه جيل إكس. فمع تزايد البطالة، وارتفاع تكاليف التعليم، وتراجع الثقة في المؤسسات الحكومية والسياسية، يشعر أفراد هذا الجيل بأنهم في موقف غير مستقر. هؤلاء الأفراد غالبًا ما يواجهون صعوبة في تحقيق الاستقرار المهني والمالي، وهو ما يزيد من شعورهم بالعزلة وعدم اليقين بشأن المستقبل.
يتحدث الكتاب أيضًا عن تأثير الإعلام والثقافة الشعبية على تشكيل الهوية الجماعية لجيل إكس. فمع ظهور التكنولوجيا الرقمية والإنترنت، وجد أفراد هذا الجيل أنفسهم في عالم جديد وسريع الحركة يتطلب منهم التكيف بسرعة مع التغيرات. هذه البيئة الرقمية، رغم فوائدها العديدة، زادت من إحساس الجيل بالانفصال عن العالم الحقيقي وقللت من تفاعلهم الشخصي المباشر مع المجتمع.
نقد الكتاب
ما يميز هذا الكتاب هو أن المؤلفين لا يقدمان فقط نقدًا لأسلوب حياة جيل إكس، بل أيضًا يحاولان فهم الجذور التاريخية والاجتماعية لهذه التحديات. هما يقدمان رؤية متعاطفة ومتعمقة لحالة هذا الجيل، مسلطين الضوء على الضغوط التي تعرضوا لها منذ طفولتهم وكيف أثرت تلك الضغوط على نظرتهم للحياة والعمل والمجتمع.
استنتاجات
في نهاية الكتاب، يشير المؤلفان إلى أن جيل إكس، رغم التحديات الكبيرة التي واجهها، قادر على تطوير مسارات جديدة لإيجاد معنى في الحياة، سواء من خلال أشكال جديدة من الروحانية أو من خلال تحقيق الاستقلالية والاعتماد على الذات في حياتهم الشخصية والمهنية. يعكس الكتاب حالة هذا الجيل الذي، رغم إحساسه بالعزلة، يمتلك مرونة وقدرة على التكيف تجعل منه جيلًا فريدًا في مواجهة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة.
كتاب “جيل وحيد: جيل إكس يصنع لنفسه مكاناً في العالم” يُعدّ إضافة مهمة إلى أدبيات دراسة الأجيال وتحليل التغيرات الاجتماعية والدينية.