جمال السمراء في الأدب والفن

عنوان المقال: سحر السمراء في عيون الأدب

مقدمة

تظل المرأة السمراء منذ الأزل مصدر إلهام للشعراء، وعنوانًا للجمال الطبيعي الأصيل، والهوية الثقافية المتجذّرة. لون بشرتها الداكن يروي حكاية الشمس، والأرض، والدفء، والتاريخ، ويعبّر عن جمال لا يحتاج إلى تبرير أو تزييف. السمراء ليست فقط لونًا من ألوان البشرة، بل أيقونة جمالية لها دلالات عاطفية وفلسفية وثقافية عميقة في مختلف الحضارات والمجتمعات، ما جعلها حاضرة بقوة في الأدب، والغناء، والشعر، والرسم، وحتى في الحراك الاجتماعي والوعي المعاصر.

السمراء في التراث الشعري العربي

منذ العصر الجاهلي، عرف الشعراء العرب كيف يسكنون أوصافهم في جمال السمراء، حتى أصبحت رمزًا للفتنة والغموض. لم يكن الشعر العربي محصورًا في مدح البيضاوات كما يتوهم البعض، بل احتفى بجمال البشرة السمراء ودفئها الطبيعي.

قال الشاعر:

“سمراءُ لو لاحَتْ بوجهٍ باسمٍ

أسكرتِ الحرفَ وذابَ البيانُ”

وفي بيت آخر، يقول عنتر بن شداد، أحد أشهر الفرسان والشعراء السود في التاريخ العربي:

“وأغضّ طرفي إن بدتْ لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها”

عنترة كان عاشقًا لابنة عمه عبلة، ولم يتوانَ عن وصف جمالها الأسود، رغم ما تعرض له من تمييز بسبب لون بشرته. لقد مثّل نموذجًا للكبرياء والاعتزاز بالهوية السمراء، وجعل من تجربته مرآة لكل من يشبهه لونًا وقلبًا.

السمراء في الأدب العالمي

في الأدب الغربي أيضًا، عُرفت السمراء كمصدر للجاذبية، والتميز، والأصالة. ففي قصائد ويليام شكسبير، نجد إشارات واضحة إلى “السيدة السمراء” (Dark Lady) التي خاطبها في سلسلته الشعرية الشهيرة “سونيتات شكسبير”، حيث وصفها بجمال غير تقليدي، متجاوزًا معايير الجمال الكلاسيكي الأوروبي القائم على البياض والشقرة.

في القارة الإفريقية، كانت السمراء بطلة الحكايات والأساطير، والملكة في الممالك القديمة مثل مروي وسبأ وكوش، حيث اتخذ منها الأدباء رمزًا للأنوثة المكتملة المرتبطة بالقوة، والحكمة، والخصوبة.

دلالات اللون الأسمر في الثقافة

يرتبط اللون الأسمر في العديد من الثقافات بدلالات إيجابية عميقة. ففي بعض الحضارات الإفريقية والآسيوية، يُعد لون البشرة السمراء علامة على الانتماء إلى الأرض، والكرم، والعمل، والصدق. ويُنظر إلى السمرة على أنها انعكاس لقرب الإنسان من الشمس والطبيعة، على عكس التصور الاستعماري الأوروبي الذي ربطها ظلماً بالعبودية أو الدونية.

وفي الموروث الشعبي العربي، نجد تعبيرات مثل “سمراء النيل”، و”كحيلة العيون”، التي تشير إلى المرأة ذات البشرة السمراء المحببة، والتي تمتاز بطابع خاص من الدفء والعمق. بل إن السمراء غالبًا ما ترتبط بالصحراء، بالقهوة، بالنخيل، بالشجن، بكل ما هو حقيقي وأصيل في الذاكرة العربية.

السمراء في الأغاني والطرب

لطالما تغنّى الفن العربي الكلاسيكي والحديث بجمال السمراء، من أم كلثوم إلى عبد الحليم حافظ، ومن وردة الجزائرية إلى كاظم الساهر، الكل أنشد لها وفيها، فهي “السمراء يا حلم الطفولة” و”سمرا يا سمرا أنا ليكي عاشق”.

ولعل أشهر الأغاني التي تحتفي بها، أغنية فريد الأطرش:

“سمراء يا حلم الطفولة

يا روعة الطيف الجميل”

هذا النوع من الغناء لا يعكس فقط حالة عشق، بل يعبر عن اعتراف ثقافي وجمالي بمكانة المرأة السمراء في الوجدان العربي، ويعكس التصالح مع تنوع ألوان البشرة، وتقدير كل منها لما يحمله من معانٍ فريدة.

السمراء في السينما والدراما

في السينما العربية القديمة، لم تكن السمراء تحظى بمكانة البطولة غالبًا، إذ كانت الجماليات السينمائية تسعى لتقليد المعايير الأوروبية من حيث اللون والمظهر. لكن هذا التصور تغير تدريجيًا في العقود الأخيرة، وبدأت السمراء تقتحم الأدوار الرئيسية، بل وتكسب قلوب المشاهدين وتفرض معايير جديدة للجمال الواقعي غير المصنع.

أما في السينما الإفريقية، كانت السمراء دائمًا هي البطلة. كاميرا المخرج الإفريقي لا تتعمد تبييض البطلات، بل تقدّمهن في سمرتهن الحقيقية، ضمن بيئة بصرية تحترم لون الجلد وتُبرزه كعنصر جمالي أساسي في السرد.

الجمال الطبيعي للسمراء

بشرتها الغنية بالميلانين تحميها من أضرار الشمس وتبقيها شابة لفترة أطول، وتحتفظ برونق خاص لا يبهت بسهولة. السمراء ليست فقط رمزًا للجمال المختلف، بل أيضًا عنوانٌ للجمال الصحي.

لون بشرتها يشبه القهوة، الشوكولاتة، الطين، والعنبر، وكل ما تحمله هذه العناصر من روائح الذاكرة، والطبيعة، والحنين. كما أن شعرها الكثيف والمجعد يمثل رمزًا للحيوية والطاقة، بعيدًا عن قوالب الجمال النمطية.

في علم النفس: رمزية السمراء

من منظور سيكولوجي، يرى علماء النفس أن السمراء تمثل صورة الأنثى الحسية، الدافئة، الغامضة. يشير بعض الباحثين إلى أن الشخصيات السمراء في الأعمال الأدبية والفنية غالبًا ما تُمنح أبعادًا عاطفية ووجدانية عميقة. ليست فقط المرأة الجميلة، بل المرأة القوية، الذكية، الصبورة.

إن صورة السمراء كثيرًا ما ترتبط بالمثابرة، والتضحية، والحب العميق. وقد يعود ذلك إلى تمثيلها التاريخي في المجتمعات كمقاتلة، كأم عظيمة، كمربية، كمعشوقة مخلصة.

الأمثال الشعبية عن السمراء

لعبت الأمثال دورًا بارزًا في تصوير المرأة السمراء، وغالبًا ما تكرّس هذه الأمثال نظرة محبة أو ساخرة، لكنها تبقى شاهدة على مكانتها داخل البنية الثقافية:

• “السمرا تغنيك عن الميه والسكر”

• “السمرا لوزة في عيون المعازيب”

• “السمرا بنت الليل، يسهر القمر معها”

هذه الأمثال ليست عبارات عابرة، بل شهادات ثقافية تعكس عشق المجتمع لجمال مختلف، لا يذوب تحت ضوء الأضواء الاصطناعية، بل يتوهّج في حضوره الطبيعي.

السمراء والحراك النسوي المعاصر

مع تصاعد الحركات النسوية حول العالم، خصوصًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، أصبح الاحتفاء بالسمراء جزءًا من معركة أكبر من أجل العدالة الجمالية والاجتماعية. كثير من النساء السمراوات بدأن يرفعن شعار “جمالي في سمرتي”، وأصبحن يحتفلن بشعرهن الطبيعي، وألوان بشرتهن، ويرفضن الخضوع لمعايير الجمال الغربية التي همّشت لونهن طويلًا.

وفي هذا السياق، ظهرت عارضات أزياء سمراوات في الصفوف الأولى، مثل ناعومي كامبل، وأليكيك ويك، وغيرهن ممن فرضن الجمال السمراء على أكبر دور الموضة في العالم، مؤكدات أن السمراء ليست فقط جميلة، بل أيضًا قادرة على أن تكون المعيار الجديد للجاذبية العالمية.

جدول: مقارنة دلالات الجمال بين السمراوات والبيضوات في بعض الثقافات

خاتمة

السمراء ليست مجرد لون بشرة، بل هي انعكاس لهوية ثقافية وجمالية وإنسانية. لها في الذاكرة الجمعية مكانتها، وفي القصيدة طيفها، وفي الأغنية دفئها، وفي الوعي الإنساني رمزها. إنها تمثّل الجمال في صورته الخام، القوي، غير الخاضع لإملاءات الجمال الاستهلاكي الزائف.

المراجع:

1. ابن قتيبة، الشعر والشعراء، دار الكتب العلمية، بيروت.

2. Toni Morrison, Playing in the Dark: Whiteness and the Literary Imagination, Vintage, 1993.