كيف تبقى على اطلاع بآخر أخبار فيروس كورونا دون أن تفقد عقلك؟

في ظل الجائحة العالمية التي فُرضت على العالم منذ بداية عام 2020، تحولت أخبار فيروس كورونا إلى محور مركزي في حياة البشر. ولم يكن الإعلام التقليدي وحده مصدر هذه الأخبار، بل ظهرت منصات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية الإلكترونية، والتطبيقات الصحية الحكومية، كقنوات سريعة ومباشرة لتدفق المعلومات. لكن هذا التدفق الغزير والمستمر للمعلومات كان له تأثيرات نفسية وسلوكية كبيرة على الأفراد، خاصة في ظل التضارب بين الأخبار وانتشار الشائعات والمعلومات الخاطئة. هنا تبرز الحاجة إلى نهج متوازن يساعد على البقاء على اطلاع دون السقوط في دوامة القلق المزمن، أو التوتر، أو الإرهاق المعرفي.

الإفراط في متابعة الأخبار وتأثيره النفسي

لقد أظهرت دراسات علم النفس الإكلينيكي أن الإفراط في استهلاك الأخبار المرتبطة بالأزمات الصحية يؤدي إلى ما يُعرف بـ”الضغط المعلوماتي”، وهو شكل من أشكال التوتر الناتج عن تعرض الدماغ لموجات مستمرة من الأخبار المثيرة للقلق، لا سيما عندما تكون ذات طابع تحذيري أو مأساوي. وتؤكد هذه الدراسات أن القلق المفرط الناتج عن الأخبار لا يتوقف عند التوتر فقط، بل قد يتسبب في اضطرابات نوم، ضعف في التركيز، انهيارات نفسية، ونوبات هلع لدى بعض الأشخاص الأكثر حساسية.

وفي ظل أزمة كوفيد-19، أصبح الضغط المعلوماتي ظاهرة عالمية، حيث قضى العديد من الأشخاص ساعات يومياً في تتبع أرقام الإصابات، والوفيات، واللقاحات، والمتحورات، مما أدى إلى نوع من الإدمان المعلوماتي المدمر. هذا النوع من السلوك المعلوماتي أصبح يعرف بـ”doomscrolling” أو التمرير المأساوي، حيث لا يستطيع الفرد التوقف عن متابعة الأخبار السلبية.

أهمية التحقق من مصادر المعلومات

في عصر ما بعد الحقيقة، أصبح من الصعب التمييز بين المعلومات الموثوقة وغير الموثوقة. ومن بين أكثر القنوات التي ساهمت في تضليل الرأي العام، كانت وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنتشر فيها الأخبار بسرعة دون أي نوع من التحقق الصحفي أو العلمي. ولعل أخطر ما في الأمر أن كثيراً من المعلومات الخاطئة كانت تبدو في ظاهرها علمية أو منسوبة لمصادر طبية مزعومة.

لهذا فإن البقاء على اطلاع يجب أن يبدأ من قاعدة التحقق. وهنا تأتي أهمية الاعتماد على مصادر معلومات موثوقة ومعروفة بنزاهتها التحريرية، مثل:

الابتعاد عن صفحات المشاهير أو المؤثرين الذين يقدمون توصيات طبية بدون مؤهلات علمية أمر ضروري، حيث أثبتت التحقيقات الإعلامية أن كثيراً من هذه الحسابات ساهمت في نشر معلومات مغلوطة عن طرق العلاج واللقاحات.

وضع حدود زمنية لمتابعة الأخبار

الحفاظ على التوازن النفسي في زمن الأزمات يتطلب إدارة وقت التعرض للمعلومات. تشير الدراسات الحديثة في مجال علم النفس الرقمي إلى أن تحديد أوقات مخصصة لمتابعة الأخبار يُقلل من التوتر ويحسّن من التركيز العام والإنتاجية.

يفضل أن يُخصص وقت محدد، لا يتعدى 30 إلى 45 دقيقة يومياً، لمتابعة الأخبار من مصادر موثوقة. ومن الأفضل أيضاً اختيار فترة معينة في اليوم تكون فيها قدرة الشخص على التحليل والتأمل في المعلومات في أفضل حالاتها، كأن تكون بعد تناول وجبة الإفطار وليس قبل النوم مباشرة.

هذا التحديد لا يعني الجهل بما يحدث، بل هو شكل من أشكال الوعي الصحي والإدراك بحدود الطاقة النفسية للفرد، فالمعرفة المفرطة تؤدي إلى شلل معرفي وليس إلى وعي أكبر.

الفصل بين الحياة الشخصية والمعلومات الوبائية

واحدة من أكبر الأخطاء التي وقع فيها كثير من الناس خلال الجائحة هي الدمج الكامل بين الحياة الشخصية والأخبار الصحية. فقد تحول كل حديث عائلي، أو لقاء اجتماعي، أو حتى نشاط ترفيهي إلى مساحة لمناقشة الوباء وأخطاره وتطوراته، مما جعل الجو العام مشبعاً بالسلبية والقلق.

من المهم جداً إنشاء مساحات خالية من الحديث عن الفيروس. يمكن أن يشمل ذلك:

• تخصيص غرفة أو زاوية في المنزل تُمنع فيها أي مناقشات عن الأخبار.

• ممارسة أنشطة يومية لا علاقة لها بالتقنيات مثل القراءة، الرسم، أو التمارين الرياضية.

• التحدث مع أفراد العائلة عن مواضيع بعيدة عن الجائحة، كالهوايات، والذكريات، والتخطيط للمستقبل.

تفعيل هذا النوع من الفصل ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة سيكولوجية للحفاظ على سلامة العقل والروح في زمن مضطرب.

الاستخدام الواعي لتطبيقات تتبع الحالة الوبائية

أطلقت العديد من الدول تطبيقات رسمية تتيح للمستخدمين تتبع أماكن العدوى، وأخبار اللقاحات، ونصائح الوقاية. وعلى الرغم من أن هذه التطبيقات مفيدة، فإن استخدامها المفرط قد يتحول إلى نوع من الهوس.

من المهم استخدام هذه التطبيقات كأدوات معلوماتية وليس كمنبه دائم للقلق. يوصى بضبط الإشعارات الخاصة بهذه التطبيقات بحيث تُفعل في أوقات معينة فقط، وعدم الاعتماد عليها كمصدر وحيد للمعلومة، بل دمجها مع قراءات وتحليلات من مصادر علمية.

إدارة الإشعارات على الهواتف الذكية

تلعب الإشعارات الفورية على الهواتف دوراً مركزياً في تعزيز الضغط المعلوماتي، فهي تقطع التركيز، وتدفع الشخص إلى التفاعل الفوري مع كل جديد، وتكرّس الشعور بأن الأمور خارج السيطرة. يمكن تقليل هذا الأثر من خلال:

• إلغاء إشعارات التطبيقات الإخبارية.

• تحديد تطبيق واحد فقط لمتابعة الأخبار وتصفحه عند الحاجة.

• استخدام خاصية “عدم الإزعاج” في أوقات الراحة أو التركيز.

• ضبط الهاتف على وضع الطيران أثناء النوم.

إدارة الإشعارات لا تهدف إلى العزلة، بل إلى الحفاظ على السيادة النفسية على العقل، بدل تركها رهينة للخوارزميات.

التركيز على ما يمكنك التحكم فيه

الفرد لا يستطيع تغيير مسار الجائحة العالمية، ولا نتائج المختبرات، ولا سياسات الحكومات. لكن ما يستطيع التحكم فيه هو سلوكياته الصحية، ونمط حياته، وردود أفعاله النفسية.

التركيز على الأمور الواقعة ضمن دائرة التأثير مثل غسل اليدين، ارتداء الكمامة، تجنب التجمعات، والحصول على اللقاحات، يُعزز الشعور بالسيطرة الذاتية، ويُقلل من التوتر الناتج عن الشعور بالعجز.

عندما يتجاوز الإنسان هذه الفكرة البسيطة إلى التطبيق الفعلي، يصبح من السهل عليه تقبّل الواقع دون أن يفقد توازنه.

أهمية الدعم الاجتماعي والتواصل الحقيقي

في لحظات الأزمات، يكون الدعم الاجتماعي عاملاً فارقاً في مقاومة التأثيرات النفسية السلبية. التواصل مع العائلة والأصدقاء من خلال مكالمات هاتفية أو جلسات افتراضية قد يكون خط دفاع مهم ضد العزلة النفسية.

الدعم لا يعني بالضرورة الحديث عن الأزمة. بل أحياناً يكفي الحديث عن الأمور البسيطة واليومية ليُعيد الإنسان شعوره بالطمأنينة والانتماء.

التوازن بين المعلومات والتحليل

المعلومة وحدها لا تكفي. ما نحتاجه هو التحليل الهادئ للمعلومات. وهذا لا يتحقق إلا إذا أعطينا أنفسنا فرصة للتوقف، والتفكير، وعدم الاستسلام للاندفاع العاطفي الناتج عن كل خبر جديد.

التحليل العقلاني يتطلب التفرقة بين:

• الحقائق والأرقام الفعلية.

• التوقعات والتكهنات.

• الشائعات والمبالغات.

بهذا الأسلوب، نُحول أنفسنا من مستهلكين سلبيين للمعلومة إلى متلقين ناقدين، قادرين على استخلاص العبرة، وتطبيق الفائدة، وتجاهل الضجيج.

الاستعانة بالمختصين عند الحاجة

إذا شعر الإنسان بأن القلق الناتج عن الأخبار الصحية أصبح مزمناً أو مؤثراً على نومه أو قدرته على التركيز أو علاقاته الشخصية، فمن الحكمة أن يلجأ لمتخصص نفسي. لقد أصبح الدعم النفسي عبر الإنترنت متاحاً أكثر من أي وقت مضى، وهناك الكثير من المبادرات المجتمعية التي تقدم استشارات مجانية أو بأسعار رمزية.

لا عيب في أن يحتاج الإنسان إلى المساعدة، بل العيب هو أن يترك نفسه عرضة للانهيار في سبيل “البقاء على اطلاع”.

المراجع:

1. World Health Organization. “Coronavirus Disease (COVID-19) Dashboard.” https://covid19.who.int

2. American Psychological Association. “Psychological Science Behind Information Overload.” APA, 2021.