قضم الأظافر: الأسباب النفسية والسلوكية والتداعيات الصحية
يُعدّ قضم الأظافر (Onychophagia) من العادات العصبية والسلوكية الشائعة التي يعاني منها ملايين الأشخاص حول العالم، وهي عادة تبدأ غالباً في مرحلة الطفولة وقد تستمر إلى البلوغ في حال عدم التدخل المناسب لمعالجتها. وعلى الرغم من أنّ الكثيرين ينظرون إلى قضم الأظافر كتصرف بسيط أو غير مقلق، إلا أنّ الأبحاث والدراسات النفسية والطبية أظهرت أنّ هذه العادة قد ترتبط بجذور عميقة في الصحة النفسية والسلوكيات المكتسبة، فضلاً عن تأثيراتها الواضحة على صحة الأظافر والفم والأسنان. يُصنَّف قضم الأظافر ضمن “السلوكيات المتكررة التي تركز على الجسد” (BFRBs)، وهي مجموعة من العادات التي تنطوي على ضرر ذاتي للجسد بوعي أو دون وعي، ما يضع هذه الظاهرة تحت مجهر الطب النفسي والعلوم العصبية.
في هذا المقال، نناقش بتوسّع أهم أسباب قضم الأظافر، سواء كانت نفسية، اجتماعية، وراثية، أو بيئية، مع تسليط الضوء على الآثار الصحية والاجتماعية لهذه العادة، ودور العوامل الثقافية والتربوية في ترسيخها أو الحد منها.
العوامل النفسية المرتبطة بقضم الأظافر
1. القلق والتوتر المزمن
تُعدّ حالات القلق من أبرز المحفزات لقضم الأظافر، إذ يلجأ الكثير من الأفراد إلى هذه العادة لتفريغ شحنة القلق أو التوتر النفسي. قد تكون مواقف الامتحانات، التوتر الأسري، ضغوط العمل، أو التحديات الاجتماعية بمثابة دوافع لا شعورية للقيام بهذه العادة. يُشبه قضم الأظافر في هذه الحالة نوعاً من التنظيم الذاتي (Self-soothing) الذي يلجأ إليه الدماغ لخفض التوتر الحاد بصورة لحظية.
2. اضطراب الوسواس القهري (OCD)
يرتبط قضم الأظافر في بعض الحالات باضطراب الوسواس القهري، إذ يُعدّ من بين السلوكيات القهرية التي يجد الفرد صعوبة بالغة في التحكم بها. يحدث ذلك عندما يصبح قضم الأظافر رد فعل قهرياً تجاه أفكار متكررة تسبب قلقاً شديداً. غالباً ما يترافق هذا السلوك مع أنماط أخرى مثل نتف الشعر أو خدش الجلد.
3. الملل وعدم التحفيز
في حالات الملل الشديد أو الفراغ الذهني، قد يتحول قضم الأظافر إلى وسيلة للإلهاء أو التسلية، خاصة عند غياب محفزات ذهنية أو جسدية أخرى. يرتبط هذا العامل بالأطفال والمراهقين أكثر من البالغين، وقد يتطور ليصبح عادة مستمرة دون وعي.
4. الاكتئاب والمزاج السلبي
تشير بعض الدراسات إلى أنّ قضم الأظافر قد يُستخدم كآلية للتكيف مع مشاعر الحزن، الغضب، أو فقدان السيطرة، وهي سمات ترتبط بالاكتئاب. في هذه الحالات، يُشكّل قضم الأظافر نوعاً من “التنفيس الذاتي” (Emotional discharge).
العوامل السلوكية والبيئية
1. التقليد والتعلم من البيئة المحيطة
يعتبر الأطفال من الفئات الأكثر عرضة لاكتساب عادة قضم الأظافر من خلال التقليد. فعندما يرى الطفل أحد الوالدين أو الأشقاء أو المعلمين يقوم بهذا الفعل، فإنه يقلده تلقائياً. يُظهر علم النفس السلوكي أنّ السلوكيات المتكررة والمشاهدة بشكل يومي تترسخ في اللاوعي لدى الطفل وتتحول إلى عادات يصعب التخلص منها لاحقاً.
2. نقص المهارات التكيفية
قد يعجز بعض الأفراد، خاصة في سن المراهقة، عن التعبير عن مشاعرهم أو التعامل مع الضغوط بطريقة صحية. وكنتيجة لذلك، يلجؤون إلى سلوكيات تعويضية مثل قضم الأظافر، التي تُعطي شعوراً مؤقتاً بالراحة لكنها تعزز نمطاً سلوكياً ضاراً على المدى الطويل.
3. الروتين اليومي المليء بالإجهاد
الحياة اليومية المُجهدة، وعدم وجود فواصل ذهنية أو لحظات استرخاء، تُعتبر من العوامل التي تؤدي إلى لجوء الفرد إلى وسائل غير واعية للتنفيس، مثل قضم الأظافر. وهذا يظهر بشكل خاص في بيئات العمل الضاغطة أو في الحياة الأسرية المتوترة.
العوامل الوراثية والبيولوجية
1. الاستعداد الوراثي
تشير بعض الأبحاث إلى احتمال وجود ارتباط وراثي بين الأفراد الذين يعانون من سلوكيات متكررة تركز على الجسد مثل قضم الأظافر، ما يعني أن هذه العادة قد تكون موروثة جزئياً، خاصة عند وجود تاريخ عائلي لحالات مشابهة من اضطرابات الوسواس القهري أو القلق العام.
2. عدم توازن النواقل العصبية
أظهرت بعض الدراسات العصبية أنّ خللاً في توازن بعض النواقل العصبية مثل “الدوبامين” و”السيروتونين” قد يكون وراء بعض السلوكيات التكرارية القهرية، ومنها قضم الأظافر. هذه النواقل مسؤولة عن تنظيم الحالة المزاجية والتحكم في السلوك، وغياب توازنها يُسهم في تفاقم العادات السلوكية غير المرغوبة.
تأثير العوامل الثقافية والتربوية
1. التنشئة الصارمة أو القمعية
الأطفال الذين ينشأون في بيئة تُمارس عليهم ضغوطاً صارمة أو رقابة مفرطة، قد يطوّرون آليات دفاعية نفسية تشمل سلوكيات تعويضية مثل قضم الأظافر. في هذه الحالة، يُصبح السلوك وسيلة للتعامل مع الشعور بالقلق أو القهر دون القدرة على التعبير المباشر.
2. الإهمال العاطفي أو التربوي
الطفل الذي لا يحصل على الدعم العاطفي الكافي، أو يُهمل من قبل والديه، قد يجد في قضم الأظافر وسيلة للفت الانتباه أو لملء الفراغ العاطفي. وهذا السلوك يظهر كإشارة غير مباشرة إلى الحاجة للرعاية.
الآثار الصحية لقضم الأظافر
| التأثير | الشرح |
|---|---|
| التهابات الجلد حول الأظافر | قد يؤدي قضم الأظافر إلى جروح صغيرة حول الجلد ما يزيد من احتمال التعرض للبكتيريا والفيروسات. |
| مشاكل في الأسنان | قضم الأظافر المزمن قد يُسبب تشققات في الأسنان الأمامية، ويؤدي إلى اختلال في الإطباق الفكي. |
| نقل العدوى من الفم إلى الجسم | عند وضع الأصابع باستمرار في الفم، يُصبح الفرد معرضاً لابتلاع الجراثيم التي تتراكم تحت الأظافر. |
| تشوه شكل الأظافر | مع الوقت، تتضرر مصفوفة الأظافر ويصبح نموّها غير منتظم مما يؤدي إلى تشوه دائم في شكل الأظافر. |
| مشاكل في الجهاز الهضمي | قد يؤدي ابتلاع أجزاء صغيرة من الأظافر إلى مشاكل في الجهاز الهضمي مثل التهابات المعدة أو الأمعاء. |
تصنيف قضم الأظافر كاضطراب سلوكي
في التصنيفات الطبية النفسية مثل DSM-5، يُصنف قضم الأظافر ضمن “الاضطرابات السلوكية المتكررة التي تركز على الجسد”، ويُعتبر من بين الاضطرابات التي تتطلب تدخلاً نفسياً في حال تأثيرها على جودة حياة الشخص أو تسببت بمضاعفات جسدية. وهو ليس مجرد عادة عابرة، بل قد يكون مؤشراً على وجود خلل أعمق يحتاج إلى تقييم متخصص.
خاتمة تحليلية
إنّ قضم الأظافر لا يمكن التعامل معه باعتباره عادة بسيطة أو ناتجة فقط عن الملل أو الطفولة، بل يجب فهمه ضمن إطار أوسع يشمل العوامل النفسية، الاجتماعية، العصبية، والبيئية. إذ يشير هذا السلوك في كثير من الحالات إلى صراعات داخلية وتوترات نفسية دفينة تحتاج إلى التفريغ والتوجيه الصحيح. وفهم الأسباب المؤدية له هو الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجيات علاجية فعالة تبدأ بالتوعية وتنتهي بالتدخلات السلوكية والعلاج النفسي عند الضرورة. إنّ الوقاية تبدأ بالتربية السليمة والمراقبة الواعية، بينما يتطلب العلاج تعاوناً بين الفرد والأسرة والاختصاصيين في الصحة النفسية.
المصادر:
-
American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5), Fifth Edition.
-
Williams, T. I., & Rose, R. (2018). “Onychophagia (nail biting): A body-focused repetitive behavior.” Journal of Behavior Therapy and Experimental Psychiatry.
