أسباب حدوث البركان
البركان هو ظاهرة طبيعية تحدث عندما تندلع الصهارة (الحمم البركانية) من داخل الأرض وتنفث إلى سطح الأرض، مصحوبة بالغازات والرماد. وتعد هذه الظاهرة من أكثر الظواهر الجيولوجية إثارة لاهتمام العلماء والمهتمين بعلوم الأرض، نظرًا لما تحمله من مخاطر وتحديات. على الرغم من أن البراكين تبدو في كثير من الأحيان كأحداث مفاجئة ومدمرة، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي تسهم في حدوثها، وهي متنوعة ومعقدة، وتمثل تفاعلًا بين عناصر جيولوجية وحرارية وميكانيكية.
1. الحركة التكتونية للألواح
من أبرز الأسباب الجيولوجية لحدوث البراكين هو الحركة التكتونية للألواح الأرضية. يتكون سطح الأرض من عدة ألواح تكتونية ضخمة تتحرك بشكل مستمر وببطء، وهذه الألواح قد تتباعد أو تتقارب أو تنزلق على بعضها البعض. وعندما يحدث تصادم أو انزلاق بين الألواح التكتونية، فإن ذلك يؤدي إلى ضغط هائل على الصخور الموجودة في الطبقات العميقة للأرض، مما يؤدي إلى ذوبان بعض الصخور وتكوين الصهارة.
أ. تصادم الألواح التكتونية
عندما تصطدم لوحتان تكتونيتان، يمكن أن يسبب ذلك انضغاطًا في الطبقات السفلى للأرض، مما يؤدي إلى ذوبان الصخور التي توجد في هذه المنطقة. يمكن أن يتسبب هذا في ارتفاع الحمم البركانية إلى السطح على شكل ثوران بركاني.
ب. تباعد الألواح التكتونية
عندما تبتعد الألواح التكتونية عن بعضها البعض، تتكون فجوات في الأرض، مما يسمح للصهارة بالتدفق إلى السطح. تحدث هذه العملية عادة في منتصف المحيطات وتسمى “الحدود المحيطية”. هذه الفجوات تمنح الصهارة فرصة للظهور على سطح الأرض وتكوين البراكين.
ج. انزلاق الألواح التكتونية
في بعض الأحيان، تنزلق الألواح التكتونية على بعضها البعض بطريقة أفقية. وعند حدوث هذا، يمكن أن تتكسر الصخور وتنفذ الصهارة إلى السطح في صورة ثورات بركانية صغيرة ولكن مستمرة.
2. النشاط الحراري داخل الأرض
تعتبر الحرارة من العوامل الأساسية التي تساهم في حدوث البراكين. فداخل الأرض، توجد درجات حرارة مرتفعة جدًا نتيجة لتفاعلات في النواة الأرضية، وتعد هذه الحرارة هي المحرك الأساسي لعملية ذوبان الصخور في الطبقات السفلى. تتسبب هذه الحرارة في خلق مناطق من الصهارة في جوف الأرض التي تتجمع في مناطق معينة، وعندما تكون هذه الصهارة محاصرة ولا تستطيع الهروب بشكل طبيعي، فإنها تضغط على الصخور المحيطة بها حتى تنفجر إلى السطح.
3. تراكم الضغط الناتج عن المواد الذائبة
عندما تذوب الصخور بفعل الحرارة داخل الأرض، تتحول إلى صهارة سائلة. يتم تجميع هذه الصهارة في “خزانات” أو “غرف” تحت سطح الأرض، ويبدأ الضغط في التزايد داخل هذه الغرف بسبب تراكم المزيد من الصهارة. وعندما يصل هذا الضغط إلى مستويات غير قابلة للتحمل، فإن الصخور التي تحيط بالغرفة قد تتشقق أو تنكسر، مما يسمح للصهارة بالاندفاع إلى السطح بشكل مفاجئ. هذا هو السبب وراء العديد من الثورات البركانية العنيفة.
4. تغييرات في الضغط الجوي
العوامل الجوية قد تلعب دورًا في زيادة حدة النشاط البركاني، فعندما يتغير الضغط الجوي بشكل مفاجئ، قد يحدث تفاعل مع الضغط الداخلي للأرض. على سبيل المثال، في بعض الحالات، قد تتسبب التغيرات المفاجئة في الضغط الجوي نتيجة للطقس أو الظواهر الجوية الأخرى إلى انفجار الغازات والحمم من الفوهات البركانية.
5. وجود المواد المنصهرة في الصخور
تعتبر الصخور التي تحتوي على معادن معينة من أبرز الأسباب التي تساعد على حدوث البركان. فعندما تتكون الصهارة نتيجة للحرارة الشديدة داخل الأرض، يحتوي بعض الصخور على المعادن التي تجعل هذه الصهارة أكثر قدرة على الانفجار عند الوصول إلى السطح. أحد هذه المعادن هو السيليكا، الذي يزيد من لزوجة الصهارة، مما يجعل من الصعب على الغازات والمواد المنصهرة أن تهرب بسهولة، وبالتالي يتراكم الضغط في الأعماق حتى ينفجر.
6. تأثير المياه الجوفية
يؤثر وجود المياه الجوفية بشكل كبير على نشاط البراكين. ففي المناطق التي تحتوي على مياه جوفية، قد يتسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى تبخير هذه المياه، مما يؤدي إلى تكوين بخار شديد الضغط داخل الصخور. وعندما لا يتمكن البخار من الهروب، فإنه يزيد من الضغط داخل الصخور ويؤدي إلى حدوث انفجارات بركانية. هذه العملية تساهم في خلق أنماط مختلفة من الثورات البركانية، مثل الانفجارات البركانية العنيفة.
7. النشاط الزلزالي
البراكين غالبًا ما ترتبط بالنشاط الزلزالي، حيث أن العديد من الزلازل تحدث قبل أو أثناء أو بعد ثوران البركان. يمكن أن يكون للزلازل تأثير مباشر على سطح الأرض، حيث يسبب الضغط الناتج عن الحركة التكتونية تحركات في الطبقات الأرضية، مما يساعد على تسهيل تدفق الصهارة. هذا التفاعل بين الزلازل والبراكين يشير إلى الترابط العميق بين النشاطين الجيولوجيين.
8. النشاط البركاني في الحواف القارية
البراكين ليست محصورة فقط في المناطق التي توجد فيها حواف الألواح التكتونية، بل يمكن أن تحدث في مناطق داخل الألواح التكتونية نفسها. هذه المناطق تعرف بالبراكين “الساخنة” وتنتج عن وجود نقاط ساخنة في قشرة الأرض. واحدة من أشهر البراكين في هذه المناطق هي البراكين في جزر هاواي، حيث تتشكل براكين جديدة فوق النقاط الساخنة بسبب تدفق الصهارة من جوف الأرض.
9. الضغط الناتج عن الغازات المنبعثة
من العوامل التي تساهم في انفجار البراكين هو تراكم الغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت، وكبريتيد الهيدروجين، وثاني أكسيد الكربون. فهذه الغازات تتجمع في الصخور الساخنة على أعماق سحيقة، وعندما لا تستطيع الهروب بشكل طبيعي، تبدأ في التأثير على الضغط داخل الصخور المحيطة، ما يؤدي إلى انفجار الغازات والصهارة.
10. الظواهر الطبيعية المساعدة
هناك عدة ظواهر أخرى قد تساهم في حدوث البراكين، مثل الحركات الأرضية العميقة والتغيرات في حركة المياه الجوفية. في بعض الحالات، قد تؤدي الأحداث الطبيعية مثل الانهيارات الأرضية، أو التغيرات المناخية المفاجئة، إلى تحفيز النشاط البركاني.
11. تأثير الإنسان على النشاط البركاني
على الرغم من أن الإنسان ليس هو العامل الرئيسي المسبب لحدوث البراكين، إلا أن الأنشطة البشرية قد تسهم في تفاقم الظواهر البركانية في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، قد تتسبب عمليات استخراج المعادن أو الحفر العميق في الأرض في إحداث تغييرات في الضغط على طبقات الأرض السفلية، مما يسهم في زيادة النشاط البركاني. ولكن تأثير الإنسان في هذا المجال يظل محدودًا مقارنة بالعوامل الطبيعية.
الخلاصة
إن حدوث البراكين هو نتيجة تفاعل معقد بين العديد من العوامل الجيولوجية والحرارية والميكانيكية. وتظل هذه الظاهرة محط دراسة واهتمام مستمر من قبل العلماء، حيث يسعى الباحثون لفهم آليات حدوث البراكين بشكل أعمق بهدف التنبؤ بها والتقليل من مخاطرها.
