الفصام: أسبابه وعلاجه

الفصام: مرض الققراء

الفصام هو أحد الاضطرابات النفسية المعقدة والتي تندرج تحت فئة الاضطرابات العقلية المزمنة. غالبًا ما يكون الفصام مصحوبًا بأعراض مميزة تشمل الهلاوس، والأوهام، واضطراب التفكير، وهو يصنف كأحد الأمراض النفسية الأكثر تحديًا في العلاج والرعاية. يعد الفصام مرضًا خطيرًا يسبب للشخص المصاب صعوبة في التفاعل مع العالم المحيط به، وقد يكون له تأثير عميق على جودة حياة الفرد والمجتمع.

العديد من الأشخاص يربطون الفصام بوجود “شخصيتين” أو “ازدواجية في الشخصية”، إلا أن هذا ليس وصفًا دقيقًا للحالة. إن الفصام لا يتسم بتعدد الشخصيات كما يظن البعض، بل هو اضطراب عقلاني يتمثل في اختلال وظيفة الإدراك، ويعاني المصابون بالفصام من انفصال عن الواقع بشكل ملحوظ.

1. تعريف الفصام

الفصام هو اضطراب عقلي مزمن يؤثر في التفكير، والإدراك، والمشاعر، والسلوك. يعتبر هذا المرض من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا في العالم، ويظهر عادة في مرحلة البلوغ المبكر أو منتصف العشرينات. على الرغم من أن الفصام يمكن أن يؤثر على الأفراد في أي مرحلة من مراحل الحياة، إلا أن بداية ظهور الأعراض عادة ما تكون بين سن 16 و30 عامًا. يسبب الفصام اضطرابات كبيرة في الحياة اليومية، بما في ذلك القدرة على العمل، والمشاركة في العلاقات الاجتماعية، والتفاعل مع الآخرين.

2. أنواع الفصام وأعراضه

الفصام يمكن أن يظهر بأشكال متعددة تختلف في حدتها وطبيعتها، إذ ينقسم إلى عدة أنواع رئيسية تتمثل في:

• الفصام الهوسي (المنطقي): يتميز هذا النوع بتدهور القدرة على التفكير والتركيز. قد يعاني المريض من فوضى في التفكير وعدم القدرة على تحديد الأولويات. كما قد تظهر الأعراض بشكل مفاجئ وسريع، مما يجعل تشخيصه صعبًا في بعض الأحيان.

• الفصام البارانويدي: يُعتبر هذا النوع الأكثر شيوعًا من الفصام. يتسم بوجود أوهام قوية (مثل الاعتقاد بأن الناس يراقبون المريض أو يخططون ضده) بالإضافة إلى الهلاوس السمعية (مثل سماع أصوات غير موجودة في الواقع).

• الفصام اللامبالي: يتسم هذا النوع بفقدان المشاعر والعواطف، حيث يظل المريض غير مكترث بالأحداث المحيطة به، حتى تلك التي تؤثر عليه شخصيًا. كما قد يعاني المريض من الانسحاب الاجتماعي والانعزال، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الدافع.

• الفصام غير المنتظم: يتمثل هذا النوع في مزيج من الأعراض التي تشمل التغيرات الشديدة في السلوك والعواطف، مما يؤدي إلى سلوكيات غير متوقعة. قد يتسم هذا النوع بالهلاوس والأوهام التي تظهر بشكل متقطع، مما يجعل المرضى يبدون غير قادرين على التكيف مع الحياة اليومية.

أعراض الفصام تشمل أيضًا العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب المزاج، والعجز في اتخاذ القرارات، وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تهم المريض سابقًا. كما قد يعاني بعض المصابين بالفصام من سلوكيات عدوانية أو انعزالية، مما يجعل التواصل الاجتماعي أمرًا صعبًا.

3. الأسباب والعوامل المؤدية إلى الفصام

لا يوجد سبب واحد ومحدد للفصام، بل هو نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية. على الرغم من أن السبب الدقيق للفصام لا يزال غير معروف تمامًا، فإن العديد من الدراسات تشير إلى أن الفصام قد يكون ناتجًا عن:

• العوامل الوراثية: يلعب التاريخ العائلي دورًا كبيرًا في احتمال الإصابة بالفصام. إذا كان أحد أفراد العائلة يعاني من الفصام، فإن احتمالية إصابة الشخص الآخر بالمرض تكون أكبر.

• التغيرات في الدماغ: أظهرت الدراسات أن هناك تغيرات في كيمياء الدماغ والأعصاب عند المصابين بالفصام، بما في ذلك اختلال التوازن في بعض المواد الكيميائية مثل الدوبامين والسيروتونين.

• التعرض للمخدرات والعوامل البيئية: هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن تناول المخدرات مثل الحشيش أو الكوكايين في مرحلة المراهقة قد يساهم في ظهور الفصام لدى الأفراد المعرضين وراثيًا. كما أن بيئة الحياة السلبية مثل التعرض للصدمات أو الضغوط النفسية قد تساهم أيضًا في تحفيز المرض.

• العوامل النفسية والاجتماعية: تعد العوامل النفسية مثل التوتر والضغوط الاجتماعية من المحفزات التي قد تساهم في ظهور الفصام لدى الأفراد الذين لديهم استعداد وراثي. هذه العوامل قد تشمل تجارب الطفولة المؤلمة أو التغيرات الجذرية في الحياة مثل فقدان عزيز أو صدمة نفسية شديدة.

4. تشخيص الفصام

تتم عملية تشخيص الفصام عادة من خلال التقييم النفسي الشامل للمريض. لا يوجد اختبار طبي محدد للفصام، ولذلك يعتمد الأطباء على مجموعة من الأسئلة والتقييمات النفسية لتحديد ما إذا كانت الأعراض تتناسب مع مرض الفصام. قد يتطلب التشخيص أيضًا إجراء فحوصات طبية أخرى لاستبعاد وجود أمراض عضوية قد تسبب الأعراض نفسها.

عادة ما يتم التشخيص بناءً على المعايير التالية:

• وجود الأعراض الرئيسية مثل الهلاوس السمعية، والأوهام، والاضطراب في التفكير.

• تأثير الأعراض على الحياة اليومية مثل القدرة على العمل، والتفاعل الاجتماعي، والعلاقات الشخصية.

• استبعاد الحالات الطبية الأخرى مثل الأمراض العصبية أو التسمم أو حالات الصحة العقلية الأخرى.

5. علاج الفصام

رغم أن الفصام لا يمكن علاجه تمامًا، إلا أن هناك العديد من العلاجات التي يمكن أن تساعد في تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة. يشمل العلاج عادة مزيجًا من الأدوية والعلاج النفسي:

• الأدوية: الأدوية المضادة للذهان (Antipsychotics) هي العلاج الأساسي للفصام. تساعد هذه الأدوية في التحكم في الأعراض مثل الهلاوس والأوهام. تُستخدم أيضًا بعض الأدوية الأخرى لتحسين الحالة المزاجية والمساعدة في تقليل القلق.

• العلاج النفسي: العلاج النفسي مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) يساعد المرضى في فهم مرضهم وتعلم كيفية التعامل مع الأعراض والتفاعل مع المحيطين بهم. كما يمكن للعلاج النفسي الجماعي أن يساعد في تعزيز الدعم الاجتماعي وتعليم المرضى كيفية التفاعل بشكل أفضل في المجتمع.

• الدعم الاجتماعي والعائلي: من الضروري أن يتلقى الشخص المصاب دعمًا اجتماعيًا من أفراد العائلة والأصدقاء. قد يساعد ذلك المريض في الشعور بالاستقرار النفسي وتعزيز ثقته بنفسه.

• العلاج بالمستشفى: في الحالات الحادة من الفصام، قد يحتاج المريض إلى العلاج في المستشفى لفترات قصيرة لاستقرار حالته.

6. التعايش مع الفصام

يعد التعايش مع الفصام تحديًا كبيرًا للمرضى وأسرهم على حد سواء. يتطلب الأمر دعمًا مستمرًا من الأطباء، والأسرة، والمجتمع لتوفير بيئة مستقرة تساعد المريض على إدارة حالته. العلاج والتأهيل المستمر يمكن أن يحسن من نوعية حياة المريض ويجعله قادرًا على التعامل مع مشكلاته اليومية.

على الرغم من أن الفصام يُعتبر مرضًا مزمنًا، فإن العديد من المرضى الذين يتلقون العلاج المناسب والدعم الكافي يمكنهم تحسين حياتهم بشكل كبير. الوعي المجتمعي عن الفصام وفهم المرض بشكل أفضل يساعد على تقليل الوصمة الاجتماعية ويعزز من فرص العلاج الناجح.

7. التحديات الاجتماعية والاقتصادية للفصام

الفصام لا يؤثر فقط على المريض، بل يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة. يعاني المصابون من صعوبة في الحصول على وظائف مستدامة، ويواجهون تمييزًا اجتماعيًا في بعض الأحيان. غالبًا ما يتمكن الأشخاص المصابون بالفصام من العيش حياة مستقلة فقط إذا تلقوا العلاج المناسب والدعم الاجتماعي الكافي.