ثلاثة لا يكلمهم الله
من بين المبادئ الأساسية التي تأسست عليها الشريعة الإسلامية أن هناك مجموعة من الأعمال التي تؤثر في العلاقة بين العبد وربه، ومن بينها أمور تتعلق بعقوبات الله وفضائله، والتي يمكن أن يكون بعضها نتيجة لتصرفات العبد. وفي حديث نبوي شريف، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك “ثلاثة لا يكلمهم الله”، مما أثار تساؤلات حول المعنى الدقيق لهذه المقولة وما تدل عليه في إطار الدين الإسلامي. يمكن اعتبار هذا الحديث مرشدًا مهمًا لفهم جوانب أساسية في الأخلاق الإسلامية، وكيف أن المعاصي أو السلوكيات السيئة تؤثر على علاقة المسلم بخالقه.
الحديث النبوي الشرفي:
الحديث النبوي الذي يتحدث عن هؤلاء “الثلاثة” ورد في صحيحي مسلم والبخاري، وهو كالتالي:
“ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” قَالَ: “الْمُسْتَكْبِرُونَ وَالْمُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَالْمُتَجَاوِزُونَ فِي فَرَائِضِ اللَّهِ”.
الحديث يذكر ثلاث فئات من الناس الذين سيتعرضون لرفض من الله تعالى يوم القيامة، وهم: المستكبرون، المفسدون في الأرض، و المتجاوزون في فرائض الله. ولكل من هؤلاء معايير وعوامل تؤدي إلى هذه العاقبة التي توضح مدى أهمية الأخلاق والتقوى في التعامل مع الله.
1. المستكبرون
المستكبرون هم الذين يتصفون بالعجب والتفاخر بالنفس على الآخرين، ويرون أنفسهم أعلى من غيرهم. وتعتبر هذه الصفة من أسوأ الصفات التي يمكن أن يتصف بها المؤمن، لما فيها من تجاوز لأوامر الله في تواضع المسلم مع الآخرين. التكبر يتعارض بشكل جوهري مع التوحيد، حيث ينسب التكبر إلى الشخص تصرفات تمنحه مكانة عالية باعتبار نفسه أفضل من الآخرين، وهو ما يتناقض مع مفهوم العبودية لله، الذي يدعو إلى التواضع والاعتراف بنعمة الله وقدرته. وقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ جَحُودٍ” (لقمان: 18).
أي أن التكبر أمر مكروه لدى الله تعالى، ويعد من الكبائر التي تعرض الإنسان للهلاك. فالمستكبرون الذين يظهرون ترفعًا على خلق الله ويتفاخرون بمكانتهم الاجتماعية أو المالية، هم أولئك الذين يخالفون مبادئ العدل والتواضع، وبالتالي يكونون في حالة من البعد عن الله تعالى، وقد تجنبهم رحمته في يوم القيامة.
2. المفسدون في الأرض
الفساد في الأرض هو انتشار الظلم والطغيان والإفساد في المجتمعات، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي. والفساد يشمل العديد من الأفعال، بدءًا من الظلم الاقتصادي والاجتماعي، وصولًا إلى التعدي على الأرض والممتلكات العامة، بل وحتى نشر الفواحش والآثام. من المعروف أن الله تعالى أمر في كتابه بالعدل، وأوصى بالتحلي بالأخلاق الحميدة، كما ورد في قوله تعالى:
“إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ” (المائدة: 33).
بذلك يظهر بوضوح في القرآن الكريم تحذير شديد لمن يفسدون في الأرض ويتعدون على حقوق الآخرين. الفساد ليس محصورًا فقط في ارتكاب الجرائم الكبرى، بل يشمل أي تصرف أو فعل يؤدي إلى إفساد العلاقة بين البشر أو يعطل مصالحهم ويضرّ بهم. المفسدون الذين يسببون هذه الفوضى سيجدون أنفسهم يوم القيامة في موضع رفض من الله، في مكان لا يلقون فيه رحمته ولا مغفرته.
3. المتجاوزون في فرائض الله
الفئة الثالثة التي لا يكلمهم الله يوم القيامة هم الذين يتجاوزون حدود الله ويفتقدون التزامهم بأوامر الله المتعلقة بالعبادات والطاعات. هؤلاء الأشخاص إما أنهم يتركون واجباتهم الدينية مثل الصلاة أو الزكاة أو الصوم، أو أنهم ينتهكون هذه الفرائض بطرق أخرى مثل تأديتها بغير إخلاص أو بإهمال. هؤلاء الأشخاص لا يعيرون أهمية للعلاقة بينهم وبين الله، ولا يلتزمون بما فرضه الله عليهم. وهذا السلوك يعكس إهمالًا لأساسيات الدين ويؤدي إلى تفكك في العلاقة الروحية مع الله.
يجب على المسلم أن يكون متقيدًا بكل ما أمره الله به من عبادات، وأن يحرص على أداء واجباته الدينية بأمانة وإخلاص. وقد جاء في الحديث الشريف:
“من ترك صلاة فرض أو صام يومًا بغير إذن الله، فقد أفطر” (رواه مسلم).
هذا الحديث يُظهر مدى أهمية المحافظة على الفرائض الدينية، وأن أي إهمال في هذا المجال يعد خيانة للعهد مع الله. ومن ثم، فإن التجاوز في هذه الفرائض لا يعرض الشخص فقط للإثم في الدنيا، بل يعرضه لرفض الله في الآخرة.
أسباب رفض الله للثلاثة
1. التكبر:
أحد الأسباب الرئيسية لرفض الله لهؤلاء الأشخاص هو أن التكبر يعكس طغيانًا داخليًا يؤدي إلى الانفصال عن الواقع والاعتراف بالحقيقة. عندما يتحلى الإنسان بالتكبر، فإنه يرفض الإقرار بفضل الله عليه ويعتقد أنه أفضل من الآخرين. هذا التصرف يخلق نوعًا من الاستعلاء الذي يعزل الشخص عن التواصل الروحي مع الله.
2. الفساد في الأرض:
الفساد في الأرض يتسبب في العديد من الأضرار للمجتمع ويؤدي إلى انتشار الخوف والتفكك في المجتمع. وعندما يعم الفساد، تصبح الرحمة الإلهية بعيدة عن هؤلاء الذين يسببون الأذى للآخرين. فالله يحب أن يسود العدل والمساواة بين الناس، وأن تحترم حقوق الجميع.
3. التجاوز في الفرائض:
الفرائض هي الأساس الذي يبني عليه المسلم طاعته لله، ومن خلال التجاوز في هذه الفرائض يبتعد المسلم عن طاعة الله، مما يؤدي إلى نيل العقاب في الآخرة. عدم الالتزام بتعاليم الدين هو بمثابة رفض لتوجيهات الله، وهو ما يُعتبر من الكبائر.
الخاتمة
إن الحديث عن “ثلاثة لا يكلمهم الله” يعكس أهمية فهم علاقة الإنسان بالله وأثر الأعمال الصالحة والسيئة في هذه العلاقة. التكبر، الفساد في الأرض، والتجاوز في الفرائض هي أمور لا يمكن التهاون معها، وكل واحد من هذه الأفعال يمثل تحديًا للمؤمن في سعيه لتحقيق الإيمان الصحيح والطاعة لله. إذا تأملنا في هذه الفئات الثلاثة، نجد أنها تمثل ثلاثة مجالات رئيسية في حياة المسلم: الأخلاق الشخصية، التفاعل مع المجتمع، والعبادات. وعليه، يجب على المسلم أن يسعى دائمًا لتحسين هذه الجوانب من حياته لضمان رضا الله عنه ونيل بركة رحمته.
