كيف بدأت الحرب العالمية الثانية؟
تعد الحرب العالمية الثانية من أكبر وأعظم الصراعات التي شهدها التاريخ البشري، إذ غيّرت مجريات التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم. كانت تلك الحرب أكثر دموية وتدميرًا من سابقتها، إذ شارك فيها العديد من الدول الكبرى والصغرى على حد سواء، وأسفرت عن ملايين الضحايا من العسكريين والمدنيين. كان نشوء الحرب العالمية الثانية نتيجة لعدة عوامل تراكمت على مر الزمن، بدءًا من معاهدة فرساي التي انتهت بها الحرب العالمية الأولى، مرورًا بالصراعات الاقتصادية والسياسية، وصولاً إلى توسع النزعات القومية والفاشية في أوروبا. في هذا المقال، سنتناول الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وكيف تطورت الأحداث تدريجيًا حتى نشوب هذا الصراع الكوني الكبير.
الأسباب المباشرة لاندلاع الحرب العالمية الثانية
1. معاهدة فرساي (1919)
لقد كانت معاهدة فرساي التي تم توقيعها في عام 1919 أحد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية. فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كانت الدول المنتصرة قد فرضت شروطًا قاسية على الدول المهزومة، وخاصةً على ألمانيا. شملت هذه الشروط تقليص القوات المسلحة الألمانية بشكل كبير، فرض غرامات مالية ضخمة، إضافة إلى فقدان العديد من الأراضي. شعر الشعب الألماني بالظلم بسبب هذه المعاهدة، مما خلق بيئة من الاستياء والكراهية تجاه القوى الكبرى. هذا الاستياء كان أحد العناصر الأساسية التي غذّت المشاعر القومية لدى العديد من الألمان، وأدى في النهاية إلى صعود الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر.
2. صعود الأنظمة الفاشية في أوروبا
في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، بدأت الأنظمة الفاشية والقومية المتطرفة بالظهور في أوروبا. كانت إيطاليا تحت قيادة موسوليني قد بدأت في التوسع وفرض قوتها على جيرانها، في حين كان هتلر في ألمانيا يسعى إلى استعادة المجد القديم لألمانيا وإلغاء نتائج معاهدة فرساي. كان هتلر يستخدم الخطاب القومي المتطرف، مما جعل ألمانيا تشعر بالحاجة إلى التوسع والهيمنة على أوروبا. هذه السياسات التوسعية كانت تهدف إلى إعادة بناء “الرايخ الثالث” (الرايخ الألماني الثالث) واستعادة الأراضي التي فقدتها ألمانيا بموجب معاهدة فرساي.
3. الأزمة الاقتصادية العالمية (1929)
لقد لعبت الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 1929 دورًا كبيرًا في تعزيز الصراعات الدولية، إذ شهدت الدول الكبرى انهيارًا اقتصاديًا ضخمًا أثر على استقرار الأنظمة السياسية في العديد من الدول. في ألمانيا، كانت الأزمة الاقتصادية سببًا رئيسيًا في تضاعف المشاعر السلبية تجاه الحكومة الحالية، مما جعل الحزب النازي في حالة صعود. كان الشعب الألماني يعاني من الفقر والبطالة، وكان هتلر ينجح في استغلال هذه الظروف للظهور كقائد قادر على استعادة عظمة ألمانيا. في دول أخرى، مثل اليابان وإيطاليا، أثرت الأزمة الاقتصادية على السياسة الخارجية، حيث كانت هذه الدول تبحث عن أسواق جديدة وموارد اقتصادية من خلال التوسع العسكري.
التوسع النازي وأحداث ما قبل الحرب
1. إعادة تسليح ألمانيا
منذ وصول هتلر إلى السلطة في عام 1933، بدأ في تنفيذ خطط لإعادة تسليح ألمانيا بشكل محموم. تم تجاوز القيود المفروضة على الجيش الألماني بموجب معاهدة فرساي، وبدأت الحكومة النازية في بناء جيش قوي. في عام 1936، قامت ألمانيا بإرسال قواتها إلى منطقة الراين، وهي خطوة استفزازية اعتبرت بمثابة تحدٍ مباشر للدول الكبرى وللاتفاقات الدولية التي تم التوصل إليها بعد الحرب العالمية الأولى.
2. ضم النمسا (الأنشلوس)
في عام 1938، قام هتلر بتوسيع حدود ألمانيا من خلال ضم النمسا في عملية عُرفت بـ”الأنشلوس”. كانت هذه الخطوة جزءًا من خطط هتلر لتحقيق وحدة الشعوب الناطقة بالألمانية تحت قيادة الرايخ الثالث. هذا التوسع لم يلق مقاومة كبيرة من دول الحلفاء، الذين كانوا منشغلين بمشاكلهم الداخلية أو في محاولة لتجنب حرب جديدة.
3. أزمة سوديتنلاند
في نفس العام، قام هتلر بتوجيه أنظاره إلى منطقة السوديتنلاند في تشيكوسلوفاكيا، حيث كان يعيش العديد من الألمان. وبتغطية من بريطانيا وفرنسا، تم السماح لألمانيا بضم هذه المنطقة في مؤتمر ميونيخ في سبتمبر 1938، حيث كانت القوى الغربية تأمل في تجنب الحرب من خلال سياسة “الاسترضاء”. هذه السياسات لم تؤدِ إلى تجنب الحرب بل زادت من جرأة هتلر في اتخاذ خطوات توسعية جديدة.
الحرب تبدأ: الغزو الألماني لبولندا
في 1 سبتمبر 1939، بدأت الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي عندما غزت ألمانيا بولندا. كانت هذه الخطوة بمثابة الفتيل الذي أشعل الحرب بعد أن فشلت المحاولات الدبلوماسية في إيقاف المد النازي. قبل الغزو، كانت ألمانيا قد وقعت معاهدة غير اعتداء مع الاتحاد السوفيتي (معاهدة مولوتوف-ريبنتروب) في 23 أغسطس 1939. كانت هذه المعاهدة قد ضمنت لألمانيا عدم تدخل الاتحاد السوفيتي في الحرب، مما سمح لها بشن هجوم من جانب واحد دون القلق من الجبهة الشرقية. في المقابل، تم تقسيم بولندا بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، ما مهد الطريق لبداية الصراع.
رد فعل بريطانيا وفرنسا
بعد غزو بولندا، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر 1939. ورغم أنه كان من المتوقع أن يستمر الصراع بين القوى العظمى الكبرى، إلا أن الحرب لم تقتصر على أوروبا فقط. مع مرور الوقت، توسعت الحرب لتشمل مناطق أخرى مثل إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
مشاركة القوى الكبرى في الحرب
خلال السنوات التالية، انخرطت العديد من الدول الكبرى في الحرب. إلى جانب ألمانيا، كانت إيطاليا واليابان من القوى الرئيسية في المحور، في حين كانت بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تشكل الحلفاء.
دخول الولايات المتحدة في الحرب
رغم أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت الحياد في البداية، إلا أن الهجوم الياباني على بيرل هاربر في 7 ديسمبر 1941، كان سببًا رئيسيًا لدخول الولايات المتحدة في الحرب. وقد غيّر هذا الحدث مسار الحرب بشكل كامل، حيث أصبح الحلفاء أقوى بكثير من قبل. بدأت الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي الكبير للحلفاء، مما ساعدهم في تقوية جبهتهم ضد دول المحور.
نتائج الحرب العالمية الثانية
انتهت الحرب العالمية الثانية في 2 سبتمبر 1945 بعد الاستسلام غير المشروط لألمانيا واليابان. كانت نتائج الحرب مدمرة للغاية، فقد أسفرت عن مقتل حوالي 70 مليون شخص، من بينهم ملايين من المدنيين. كما أدت الحرب إلى تغييرات جذرية في النظام العالمي، حيث تم تشكيل الأمم المتحدة بهدف ضمان السلام العالمي. كما ظهرت قوى جديدة مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى بداية الحرب الباردة.
الخاتمة
كانت الحرب العالمية الثانية حدثًا محوريًا في التاريخ الحديث، إذ وضعت أسس العالم السياسي والاقتصادي الذي نعيشه اليوم. على الرغم من مرور عقود على انتهاء هذه الحرب، إلا أن تداعياتها ما تزال محسوسة في العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية. إن فهم الأسباب والعوامل التي أدت إلى اندلاع هذه الحرب يمكن أن يساعد في تجنب تكرار مثل هذه الصراعات في المستقبل.
