تمدد الجلد: الأسباب، الأنواع، وآليات التكوّن

يُعدّ تمدد الجلد من الحالات الجلدية الشائعة التي تصيب نسبة كبيرة من الأفراد من مختلف الأعمار والفئات، خصوصًا النساء خلال فترات الحمل، والمراهقين أثناء فترات النمو السريع، والأشخاص الذين يعانون من تقلبات حادة في الوزن. يُعرف تمدد الجلد طبياً بمصطلح “العلامات التمددية” أو Striae Distensae، وهي تشققات خطية تصيب الطبقة الوسطى من الجلد نتيجة فقدان الكولاجين والإيلاستين، مما يؤدي إلى تمزق الأنسجة المرنة في الجلد.

هذه العلامات تبدأ عادةً بلون وردي أو أرجواني، ثم تتحول تدريجياً إلى لون أفتح مع مرور الوقت لتصبح شبيهة بالندوب. وتظهر عادة في مناطق معينة من الجسم مثل البطن، الثديين، الأرداف، الفخذين، والذراعين العلويين. تتفاوت شدة التمدد بناءً على مجموعة من العوامل الوراثية، الهرمونية، والبيئية.

الآلية الفسيولوجية لتمدد الجلد

لفهم آلية حدوث تمدد الجلد، من الضروري التعرف على بنية الجلد ووظائفه. الجلد يتكوّن من ثلاث طبقات رئيسية:

• البشرة (Epidermis): الطبقة الخارجية التي تشكل حاجز الحماية.

• الأدمة (Dermis): الطبقة الوسطى التي تحتوي على ألياف الكولاجين والإيلاستين التي تمنح الجلد مرونته.

• النسيج تحت الجلدي (Hypodermis): يحتوي على الأنسجة الدهنية ويعمل كعازل ووسادة وقائية.

عندما يتعرض الجلد لشد مفاجئ أو مستمر، تتعرض ألياف الإيلاستين والكولاجين في طبقة الأدمة للتمزق. في بداية التمدد، تُصاب الأوعية الدموية في الطبقة الوسطى، ما يؤدي إلى ظهور العلامات بلون أحمر أو أرجواني. لاحقًا، وبعد تراجع الالتهاب واندثار الأوعية، يتحول اللون إلى الأبيض أو الفضي.

الأسباب الرئيسية لتمدد الجلد

1. الحمل

يُعد الحمل أحد أبرز أسباب ظهور تمدد الجلد، خاصة خلال الثلثين الثاني والثالث من الحمل. تؤدي زيادة الوزن المفاجئة، إضافة إلى التأثيرات الهرمونية (خصوصاً زيادة هرمون الكورتيزول والإستروجين)، إلى إضعاف الأنسجة الضامة، مما يسهل تمزق الألياف وظهور التشققات الجلدية.

2. النمو السريع خلال فترة المراهقة

في مراحل البلوغ، يمر الجسم بتغيرات هرمونية وطفرة في النمو تؤدي إلى زيادة الطول والوزن خلال فترة قصيرة، مما يسبب ضغطًا ميكانيكيًا على الجلد.

3. تقلبات الوزن السريعة

فقدان أو اكتساب الوزن بسرعة يؤثر على مرونة الجلد. الأفراد الذين يخضعون لحميات قاسية أو عمليات جراحية لإنقاص الوزن هم أكثر عرضة لتطور علامات التمدد.

4. العوامل الوراثية

تلعب الوراثة دورًا كبيرًا في مدى تعرض الفرد لتمدد الجلد. فالأشخاص الذين لديهم أقارب يعانون من هذه العلامات هم أكثر احتمالًا لظهورها لديهم.

5. العلاج بالكورتيزون

يؤدي الاستخدام الطويل للكورتيكوستيرويدات (سواء كانت موضعية أو جهازية) إلى انخفاض إنتاج الكولاجين، مما يضعف مرونة الجلد ويزيد من خطر التمدد.

6. التمارين المكثفة وكمال الأجسام

الأشخاص الذين يرفعون الأوزان الثقيلة لبناء كتلة عضلية سريعة يعانون غالبًا من تمدد الجلد في مناطق الكتفين والذراعين نتيجة الضغط السريع على أنسجة الجلد.

7. الأمراض الهرمونية

بعض الاضطرابات الهرمونية مثل متلازمة كوشينغ ومتلازمة مارفان يمكن أن تزيد من احتمال الإصابة بتمدد الجلد بسبب تأثيراتها على إنتاج الكولاجين والإيلاستين.

أنواع تمدد الجلد

تنقسم علامات التمدد إلى أنواع حسب لونها ومراحل تطورها:

العوامل المؤثرة في شدة التمدد

تختلف شدة ومدى انتشار تمدد الجلد باختلاف عدة عوامل مترابطة:

• العمر: الأصغر سنًا أكثر عرضة لتمدد الجلد الحاد خلال فترات التغيرات الجسدية السريعة.

• نوع البشرة: البشرة الفاتحة تميل إلى تكوين علامات تمدد أقل وضوحًا من البشرة الداكنة.

• الجنس: النساء أكثر عرضة للإصابة بهذه العلامات مقارنة بالرجال.

• مستوى الكولاجين في الجلد: الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة من الكولاجين الطبيعي هم أكثر قابلية للإصابة.

• النشاط البدني: نقص الحركة أو التمارين المكثفة بشكل غير متوازن قد يسهم في ظهور علامات التمدد.

العلاقة بين الهرمونات وتمدد الجلد

تلعب الهرمونات دورًا محوريًا في التأثير على مرونة الجلد وإنتاج البروتينات المسؤولة عن تماسكه. من أبرز الهرمونات المرتبطة بتمدد الجلد:

• الكورتيزول: يُضعف ألياف الكولاجين ويقلل من مرونة الجلد.

• الإستروجين: يعزز احتباس الماء والدهون، مما يساهم في زيادة الضغط الداخلي على الجلد.

• الهرمونات الجنسية الذكرية: انخفاض مستويات التستوستيرون قد يؤدي إلى تغير في توزيع الدهون وزيادة الضغط الجلدي.

الوقاية من تمدد الجلد

الوقاية تعتمد على تقوية مرونة الجلد والمحافظة على ترطيبه الدائم. من أبرز طرق الوقاية:

1. الترطيب المنتظم: استخدام كريمات تحتوي على زبدة الكاكاو، الشيا، أو فيتامين E.

2. التغذية السليمة: تناول الأطعمة الغنية بالبروتين، فيتامين C، والزنك، والتي تدعم إنتاج الكولاجين.

3. شرب كميات كافية من الماء: يساعد في ترطيب الجلد من الداخل ويزيد من مرونته.

4. ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة: تحافظ على توزيع صحي للدهون وتقلل من فرص تمدد الجلد.

5. تجنب زيادة أو فقدان الوزن المفاجئ: تقليل احتمالية تعرض الجلد للضغط المفاجئ.

العلاجات المتاحة لعلامات تمدد الجلد

رغم أن تمدد الجلد لا يُشكل خطرًا صحيًا مباشرًا، إلا أن العديد من الأشخاص يسعون لعلاجه لأسباب تجميلية. وتتراوح خيارات العلاج بين التجميلية الموضعية والتدخلات الجلدية المتقدمة:

1. العلاجات الموضعية

• الريتينويدات الموضعية (مثل Tretinoin): تحفز إنتاج الكولاجين ولكن يجب تجنبها أثناء الحمل.

• الهيالورونيك أسيد: يساعد في تحسين ملمس الجلد وتقليل حدة العلامات.

• مستخلصات نباتية: مثل زيت الورد، زيت اللوز، ومستخلص البصل، لكنها تتفاوت في فعاليتها حسب نوع البشرة.

2. العلاج بالليزر

الليزر الجزئي (Fractional Laser) والليزر النابض (Pulsed Dye Laser) يُستخدمان لتحفيز إنتاج الكولاجين وتفتيح لون العلامات.

3. العلاج بالتقشير الكيميائي

يعتمد على استخدام أحماض مثل الجليكوليك لتحفيز تجديد الجلد، ما يُسهم في تحسين مظهر التمدد.

4. العلاج بالميكرونيدلينغ (Microneedling)

تقنية تعتمد على استخدام إبر دقيقة لإحداث ثقوب صغيرة في الجلد، مما يحفز التجدد الطبيعي للخلايا وزيادة الكولاجين.

5. العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP)

تعتمد على حقن البلازما المستخلصة من دم المريض، التي تحتوي على عوامل نمو تساعد في ترميم الجلد وتحسين مرونته.

الآثار النفسية والاجتماعية لتمدد الجلد

رغم أن علامات التمدد لا تُعدّ مرضًا جلديًا خطيرًا، إلا أنها تؤثر على الصحة النفسية للأفراد، خاصة النساء بعد الحمل أو الأشخاص الذين مروا بتغيرات جسمانية مفاجئة. قد تتسبب في شعور بعدم الثقة بالنفس أو الانزعاج من المظهر الخارجي، ما يدفع الكثيرين للبحث عن حلول تجميلية رغم محدودية فعاليتها في بعض الحالات.

الختام

تمدد الجلد هو تعبير جلدي عن تغيرات فسيولوجية وهرمونية متداخلة. لا يمكن دائمًا منعه بشكل كامل، إلا أن الوعي بمسبباته، والاهتمام بالجلد من خلال العناية والتغذية السليمة، يمكن أن يقلل من شدته وانتشاره. تتوفر عدة خيارات علاجية، بعضها فعال نسبيًا، إلا أن الوقاية تبقى الخطوة الأهم في الحفاظ على نضارة الجلد ومرونته.

المراجع

1. Elsayed, N. M., & Al-Dhubaib, B. E. (2016). Striae Distensae (Stretch Marks) and Different Modalities of Therapy: An Update. Dermatology Research and Practice, 2016. https://doi.org/10.1155/2016/8361735

2. Ud-Din, S., & Bayat, A. (2013). New insights on the role of elastin in wound healing. Trends in Molecular Medicine, 19(8), 404–412. https://doi.org/10.1016/j.molmed.2013.05.003