تفسير حديث دعوة الزوجة للفراش

شرح حديث “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه”

الحديث الشريف الذي يبدأ بـ “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه” هو حديث نبوي من الأحاديث التي تناولت العلاقات الزوجية في الإسلام، وقد جاء هذا الحديث في سياق بيان حقوق الزوجين وواجباتهما تجاه بعضهما البعض في إطار الحياة الزوجية التي يجب أن تحكمها الاحترام المتبادل والتفاهم، حيث أوضح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أهمية تلبية كل من الزوج والزوجة لاحتياجات الآخر بما في ذلك الجانب الجسدي.

1. نص الحديث:

الحديث وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فامتنعت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح”.

الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وتعتبر دلالاته من الأحاديث التي تحمل معاني عظيمة، خاصة في ما يتعلق بالحقوق الزوجية، واحترام العلاقة الحميمة في الإسلام.

2. شرح الحديث:

أ. معنى “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه”:

المقصود بـ “دعا الرجل امرأته إلى فراشه” هو دعوة الزوج لزوجته للاستجابة للحاجة الفطرية والجسدية التي هي جزء من العلاقة الزوجية. والفراش في هذا السياق لا يشير فقط إلى مكان النوم، بل هو رمز للجماع الذي هو حق مشترك بين الزوجين في إطار العلاقة الزوجية. الدعوة هنا لا تعني الإكراه، ولكنها دعوة محكومة بالود والرحمة والمودة، فالرجل لا يستطيع فرض أمر يتعلق بالخصوصية على زوجته، لكن يجب عليه أن يتعامل معها بلطف وحنان.

ب. “فامتنعت فبات غضبان عليها”:

إذا امتنعت الزوجة عن الاستجابة لدعوة زوجها إلى الفراش دون سبب شرعي أو عذر مقبول، فإن الزوج يغضب. ولكن من المهم أن نلاحظ أن الغضب هنا ليس بمثابة تأنيب أو عقاب ظالم من الزوج، بل هو تعبير عن الرفض الطبيعي لهذه الامتناع. وفي هذا الشأن، يجب على الزوج أن يكون حريصًا في التعامل مع هذه المشاعر، فلا يكون تصرفه عدوانيًا أو قاسيًا، بل عليه أن يتحلى بالصبر والفهم.

ج. “لعنتها الملائكة حتى تصبح”:

هذا الجزء من الحديث يشير إلى تأثير الامتناع على الزوجة في ذلك الموقف في المستوى الروحي. اللعنة في هذا السياق ليست لعنة فظيعة أو عقوبة دائمة، بل هي إشارة إلى أن الامتناع عن إشباع حاجات الزوج بطريقة غير مبررة أو شرعية يؤثر سلبًا على العلاقة بين الزوجين من منظور ديني. يشير الحديث إلى أن الملائكة تلعن المرأة في حال امتنعت دون سبب شرعي معتبر، أي في حال كان الرفض غير مبرر، مما يعني أن هذا التصرف يمكن أن يكون له تبعات في العالم الروحي.

3. حقوق الزوجة والزوج في الإسلام:

من خلال الحديث، يتضح أن الإسلام لم يهمل حقوق أي طرف في العلاقة الزوجية. فكما أن للزوجة حقوقًا على زوجها تشمل الرعاية والاحترام والمودة، فإن للزوج كذلك حقوقًا تشمل تلبية احتياجاته الجسدية، وهو ما يجب أن يكون متوازنًا مع احترام حقوق الزوجة.

على الرغم من أن الحديث يدعو الزوجة للاستجابة لطلب زوجها إذا كانت لا تعاني من سبب شرعي، فإن ذلك لا يعني أن الإسلام يتجاهل مشاعر المرأة أو يعاملها معاملة قاسية. بل يؤكد على وجوب التعامل مع الزوجة بلطف وتفاهم، وقد وردت العديد من النصوص التي تدعو إلى المعاملة الحسنة والموافقة على حاجات الطرفين في إطار من الحب والرحمة.

4. السبب في غضب الزوج:

الغضب الذي يعبر عنه الزوج في الحديث ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو تعبير عن الإحباط من رفض الاستجابة لمتطلبات الحياة الزوجية، خاصة عندما يكون الرفض غير مبرر. فالحاجة إلى الاستجابة لهذه الدعوة هي حق مشترك بين الزوجين، ومن غير المقبول أن يتم تجاهل هذا الحق في الحياة الزوجية، مما قد يؤدي إلى توترات بين الطرفين. من هنا، نجد أن الحديث يشير إلى ضرورة الالتزام بما أقره الإسلام من حقوق وواجبات.

5. الجانب الأخلاقي والعاطفي في الحديث:

من خلال هذا الحديث، يبرز الجانب العاطفي في الحياة الزوجية. فالعلاقة الحميمة لا تقتصر على الممارسة الجسدية فقط، بل هي تعبير عن الود والتفاهم بين الزوجين. وتظهر أهمية أن تكون العلاقة قائمة على التواصل المستمر والتفاعل المباشر بين الزوجين بما يحقق الاستقرار النفسي والجسدي لكليهما.

كما أن في الحديث دعوة للزوجين إلى التوازن بين تلبية حاجاتهما الجسدية والعاطفية، وأن يتم التعامل مع هذا الموضوع بجدية واحترام. الإسلام يوصي بالرفق في المعاملة والتفاهم، في حين أن الحديث هنا يبيّن عواقب تهاون أحد الطرفين في الاستجابة للطرف الآخر.

6. أسباب قد تدفع الزوجة للامتناع:

من المهم أن نُدرك أن الامتناع في بعض الأحيان قد يكون له أسباب مشروعة. ففي حالات معينة قد تعاني الزوجة من مشاكل صحية، أو نفسية، أو حتى قد تكون غير مستعدة بسبب ظروف خاصة. لذلك، من المهم أن يكون الزوج على دراية بأن هناك أسباب مشروعة للامتناع. الإسلام يدعو إلى التعاطف والتفهم مع الطرف الآخر، ويشدد على ضرورة عدم فرض التوقعات غير الواقعية على الزوجة.

أ. الأسباب الصحية:

من الممكن أن تمر المرأة بفترات صحية قد تؤثر على رغبتها في العلاقة الحميمة، مثل فترات ما بعد الولادة أو في حالات الأمراض الجسدية. وفي هذه الحالات، يجب على الزوج أن يكون مدركًا لهذه الظروف ويعزز التواصل بشكل يبني التفاهم.

ب. الأسباب النفسية والعاطفية:

كما أن المواقف النفسية والعاطفية قد تؤثر على رغبة المرأة في العلاقة، وقد تمر بأوقات قد تشعر فيها بالتوتر أو الضغط. لذلك فإن الحوار والتفهم هو الأساس في هذا السياق.

7. دور الزوج في تعزيز العلاقة الحميمة:

يجب على الزوج أن يسعى دائمًا لتعزيز العلاقة الحميمة من خلال التفاهم والاحترام. فدور الزوج ليس فقط طلب الاستجابة لاحتياجاته، بل أيضًا تقديم الدعم النفسي والعاطفي للزوجة، مما يساهم في بناء علاقة قائمة على الاحترام والرغبة المتبادلة.

8. التفسير الفقهي للحديث:

الفقهاء تباينوا في تفسير هذا الحديث، حيث تم اعتبار أن اللعن من الملائكة هو إشارة إلى العقاب الديني الذي قد يحدث نتيجة الامتناع عن استجابة دعوة الزوج دون سبب مشروع. وعليه، فقد حث الفقهاء على وجوب احترام الحقوق الزوجية بين الطرفين والعمل على تلبية احتياجات كل منهما في حدود ما هو مشروع.

9. تأثير الحديث على الحياة الزوجية:

من خلال تفسير هذا الحديث، يظهر أن الإسلام يولي أهمية خاصة للعلاقة الزوجية، ويسعى إلى ضمان توازن صحي في الحياة الزوجية. فالعلاقة بين الزوجين في الإسلام لا تقتصر على الحقوق والواجبات فقط، بل تشمل أيضًا جوانب عاطفية ونفسية تتطلب التعاون والفهم المشترك.