أحكام الغسل والطهارة في الإسلام

الغسل والطهارة في الإسلام: أحكام وشروط وتفصيلات شاملة

يُعدّ الغسل والطهارة من أهم الركائز التي يقوم عليها بنيان الشريعة الإسلامية في جانبها التعبدي، حيث يُشكّلان المدخل الأساسي للعديد من العبادات مثل الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغيرها. فالطهارة ليست مجرد نظافة حسية فحسب، بل هي كذلك طهارة معنوية ترتقي بالمسلم إلى مقامات القرب من الله عز وجل. والغسل، باعتباره أحد أشكال الطهارة الكبرى، يمثل عبادة مستقلة تقتضي نية مخصوصة وأركاناً محددة وشروطاً شرعية.

هذا المقال يقدم دراسة مفصلة وعلمية موسعة تتناول مفهوم الغسل والطهارة، أنواعهما، أحكامهما، شروط صحتهما، موجبات الغسل، كيفية أدائه، والفرق بين الطهارة الكبرى والصغرى، مع التطرق إلى الحالات الخاصة التي تعترض المكلف، مثل المرض أو فقدان الماء.

أولاً: مفهوم الطهارة في الإسلام

الطهارة لغةً هي النظافة والنزاهة من الأوساخ. أما شرعاً فهي رفع الحدث أو إزالة النجس، وتشمل نوعين رئيسيين:

1. الطهارة الحسية: تتعلق بإزالة النجاسة المادية من البدن أو الثوب أو المكان.

2. الطهارة المعنوية: وتشمل رفع الحدث الأصغر (كالوضوء) أو الأكبر (كالغسل)، وتُعد شرطاً أساسياً لصحة العبادات.

ثانياً: مفهوم الغسل

الغسل لغةً هو سيلان الماء على الشيء، وشرعاً هو تعميم البدن بالماء مع نية رفع الحدث الأكبر، ويشمل أحداثاً كالجماع، الحيض، النفاس، والاحتلام.

ثالثاً: الفرق بين الطهارة الكبرى والصغرى

رابعاً: أنواع الغسل

1. الغسل الواجب: ويشمل ما كان لرفع الحدث الأكبر، مثل:

   • الغسل من الجنابة

   • الغسل بعد الحيض

   • الغسل بعد النفاس

2. الغسل المستحب: مثل:

   • الغسل يوم الجمعة

   • الغسل للعيدين

   • الغسل للإحرام بالحج أو العمرة

   • الغسل بعد تغسيل الميت

خامساً: موجبات الغسل

يجب الغسل في الحالات التالية:

1. خروج المني بلذة في اليقظة أو النوم: سواءً للرجل أو المرأة.

2. الجماع ولو لم يحصل إنزال: بمجرد التقاء الختانين.

3. انقطاع دم الحيض: بعد انقطاع الدم يجب الغسل للصلاة والصيام والطواف.

4. انقطاع دم النفاس: بعد الولادة أو ما يعقبها من الدم.

5. الإسلام بعد الكفر: يُستحب الغسل للمسلم الجديد، وقيل بوجوبه.

6. الموت: يُغسل الميت المسلم قبل دفنه (عدا الشهيد).

سادساً: أركان الغسل

الغسل الشرعي يقوم على ركنين أساسيين:

1. النية: وهي القصد لرفع الحدث الأكبر.

2. تعميم البدن بالماء: بحيث يصل الماء إلى كل جزء من الجسم، مع المضمضة والاستنشاق حسب بعض المذاهب.

سابعاً: سنن الغسل

يُستحب أداء الغسل وفق الكيفية المسنونة عن النبي ﷺ، وتتضمن:

1. التسمية في بداية الغسل.

2. غسل اليدين ثلاثاً.

3. غسل الفرج وما أصابه من أذى.

4. الوضوء الكامل كوضوء الصلاة.

5. تعميم الرأس بالماء ثلاثاً.

6. تعميم باقي الجسد بالماء، مع تقديم الشق الأيمن.

7. الدلك وإيصال الماء إلى ما تحت الشعر وثنايا الجسم.

ثامناً: كيفية الغسل الكامل

الغسل الكامل على النحو المسنون يشمل الخطوات التالية:

1. النية لرفع الحدث الأكبر.

2. التسمية: “بسم الله”.

3. غسل الكفين ثلاثاً.

4. غسل الفرج وما أصابه من نجاسة.

5. الوضوء الكامل: غسل الوجه، اليدين، المسح على الرأس، غسل الرجلين.

6. سكب الماء على الرأس ثلاث مرات، مع تدليك فروة الرأس.

7. غسل الجهة اليمنى من الجسم ثم اليسرى.

8. تعميم بقية البدن بالماء، مع التأكد من وصول الماء إلى الأماكن المغلقة كالإبطين، السرة، ما بين الأصابع، وتحت الأظافر.

تاسعاً: الغسل المجزئ

وهو ما يُكتفى فيه بتحقيق الركنين فقط، وهما:

1. النية.

2. تعميم الجسد بالماء.

ويصح به الغسل شرعاً، لكنه يخالف الأفضل والأكمل.

عاشراً: شروط صحة الغسل

لصحة الغسل يجب توفر الشروط التالية:

1. الإسلام: فلا يصح الغسل من كافر قبل إسلامه.

2. التمييز: يُشترط البلوغ أو القدرة على التمييز.

3. انقطاع موجب الغسل: كالانتهاء من الحيض أو النفاس.

4. عدم وجود ما يمنع وصول الماء إلى البشرة: كطلاء الأظافر أو الجبس.

5. استخدام ماء طهور: غير نجس ولا مستعمل في رفع الحدث.

الحادي عشر: الفرق بين الرجل والمرأة في الغسل

لا تختلف طريقة الغسل بين الرجل والمرأة من حيث الأركان والشروط، ولكن هناك بعض الفروقات التي يجب التنبه لها:

• شعر المرأة الطويل: لا يجب عليها نقضه إن كان مشدوداً، لكن يجب إيصال الماء إلى أصوله.

• غسل ما تحت الضفائر: يُكتفى بإفاضة الماء ما دام يصل إلى أصول الشعر.

• أثر دم الحيض أو النفاس: يجب الحرص على إزالة أثر الدم بالطيب أو الماء الساخن.

الثاني عشر: أحكام متعلقة بالغسل

• الغسل يكفي عن الوضوء إذا نُوي به رفع الحدث الأكبر والأصغر معاً.

• إذا اغتسل بنية التبرد فقط لا يُجزئ عن رفع الحدث.

• غسل الجمعة لا يُغني عن غسل الجنابة إلا إذا نُويت به الطهارة.

• يُستحب للمرأة بعد الطهر أن تمسح موضع الدم بقطعة قطن معطرة.

الثالث عشر: الغسل في حال عدم توفر الماء

إذا تعذر استخدام الماء لمرض أو عدم وجوده، يُلجأ إلى التيمم، وهو ضربتان على التراب الطاهر:

1. ضربة للوجه.

2. ضربة لليدين إلى المرفقين.

ويُستبدل الغسل بالتيمم في حال العجز.

الرابع عشر: حكم ترك الغسل مع وجوبه

من ترك الغسل وهو على جنابة أو حيض أو نفاس، لا تصح منه الصلاة ولا الصيام ولا الطواف، ويُعتبر عاصياً إن تعمّد ذلك. فإن مات وهو جنب، يُغسّل قبل الدفن، وإن كانت عليه صلاة لم يصلها، فهي في ذمته.

الخامس عشر: فوائد الغسل والطهارة الصحية والنفسية

1. النظافة الجسدية: يُسهم الغسل في إزالة الأوساخ والروائح الكريهة.

2. النشاط البدني: إفاضة الماء تنشط الدورة الدموية.

3. الراحة النفسية: الاغتسال يُشعر الإنسان بالخفة والنقاء.

4. البُعد عن الوسواس: تطبيق السنة يقي من الوسواس القهري في الطهارة.

5. التقرب إلى الله: أداء الغسل والطهارة عبادة تُثاب عليها.

المصادر

• ابن قدامة، المغني، دار الفكر، بيروت.

• النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، بيروت.