تفسير آية الحجاب في النور

تفسير آية الحجاب في سورة النور

يُعدّ الحجاب أحد الأحكام الشرعية التي شرعها الإسلام للمرأة، وقد وردت آية الحجاب صراحةً في سورة النور، وهي الآية رقم (31) التي تقول فيها الآية الكريمة:

﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ …﴾ [سورة النور: 31].

تمثل هذه الآية محورًا أساسيًا لفهم مفهوم الحجاب في الإسلام من حيث حقيقته، وحِكمته، وحدوده، وضوابطه، ولمن يُكشف ومتى يُغطّى، وهي جزء من المنظومة القرآنية التي تهدف إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية بما يضمن الطهارة، والعفاف، وصون الحرمات، واستقرار المجتمع.

السياق العام لنزول الآية

جاءت آيات سورة النور في سياق تهذيب السلوكيات العامة بين المؤمنين والمؤمنات، خصوصًا في مجال العفّة والاحتشام والنظام الأسري. فقبل هذه الآية، تحدثت السورة عن غض البصر للرجال (الآية 30)، وعن الطهارة وحفظ الفروج، ثم أتت الآية التي تخاطب النساء بتوجيهات تفصيلية واضحة تهدف إلى حفظ الحياء وصيانة المجتمع من الانفلات الأخلاقي.

تفسير ألفاظ الآية

﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ﴾

الخطاب للنبي ﷺ، يأمره الله أن يوجه الكلام للمؤمنات، أي النساء المسلمات الملتزمات بأمر الله.

﴿يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾

الغضّ: هو الكف والخفض، أي أن تغض المرأة بصرها عن النظر إلى ما لا يحل لها، وخاصةً إلى الرجال بشهوة أو ريبة. هذا التوجيه للنساء كما هو للرجال، ويدل على أن الحياء والعفّة مسؤولية مشتركة.

﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾

أي يصُنَّا أنفسهن عن الفواحش، والزنا، وكل ما يؤدي إلى انتهاك العفة، سواء بالفعل أو القول أو اللباس المثير.

﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾

الزينة: ما تتزين به المرأة عادةً مثل الثياب، الحلي، الكحل، الزينة البدنية… وقد اختلف العلماء في تفسير “ما ظهر منها”، على أقوال مشهورة، منها:

• الوجه والكفان (وهو رأي جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية)، واحتجوا بحديث أسماء بنت أبي بكر.

• كل ما يظهر اضطرارًا عند الحركة، كالثياب الظاهرة، والخاتم، والخمار، وما لا يمكن ستره عادةً.

﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾

الخُمُر: جمع خِمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها. الجيوب: فتحات الثياب عند الصدر. والمعنى أن تغطي المرأة بخمارها فتحة الصدر بحيث لا يظهر شيء من العنق أو الصدر أو الشعر، وهو نصّ صريح في ستر هذه المواضع.

﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا﴾

ثم بيّن الله من هم المسموح للمرأة أن تظهر زينتها أمامهم، من غير ريبة أو خشية فتنة، وهم:

1. الزوج

2. الأب

3. والد الزوج

4. الأبناء

5. أبناء الزوج

6. الإخوة

7. أبناء الإخوة

8. أبناء الأخوات

9. النساء (وقد فُسّرت بأنهن المؤمنات)

10. ما ملكت أيمانهن (الجواري والخدم)

11. التابعون من الرجال الذين لا شهوة لهم

12. الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء

معنى الحجاب في الآية

الحجاب في هذه الآية ليس مجرد لباس خارجي، بل منظومة أخلاقية وسلوكية تشمل:

• غض البصر

• ستر الزينة الظاهرة والباطنة

• تمييز العلاقة مع المحارم وغيرهم

• الحياء وضبط السلوك في المجتمع

فالخمار هنا ليس رمزًا بل فريضة واضحة جاءت في صيغة أمر: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ﴾، مما يفيد الوجوب في الفقه الإسلامي.

الفرق بين الحجاب والخمار والنقاب

الحكمة من تشريع الحجاب

1. صون كرامة المرأة: يجعل الحجاب المرأة مكرّمة غير مبتذلة.

2. حفظ المجتمع: يمنع الانزلاق في الفواحش.

3. التمييز الأخلاقي: يميز بين المرأة المؤمنة العفيفة وغيرها.

4. ضبط العلاقات: يمنع التعدي على حدود الشرع.

5. حماية الأسرة: يسهم في تماسك الأسرة واستقرارها.

الأدلة الأخرى من القرآن والسنة

• سورة الأحزاب – آية 59:
  
  ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾
  
  هذه الآية تدل على وجوب تغطية جميع البدن عند الخروج.

• حديث النبي ﷺ لأسماء بنت أبي بكر:
  
  “يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا – وأشار إلى الوجه والكفين”.

آراء العلماء في تفسير آية الحجاب

• الطبري: قال إن “ما ظهر منها” هو الثياب الظاهرة فقط، كالجلباب والثوب، وهذا تفسير يدل على الحرص على عدم إظهار شيء من الجسد.

• القرطبي: مال إلى أن الوجه والكفين مما لا يجب ستره، لكنه أشار إلى أن في زمن الفتنة يُستحب ستره.

• ابن كثير: قال إن الخمار يجب أن يغطي الشعر والنحر، وما تبقى من الجيب (الصدر).

• الشوكاني: اعتبر أن السياق كله يدل على وجوب ستر الزينة، والضرب بالخمار على الجيب واجب.

• ابن عثيمين (من المعاصرين): قال إن المرأة كلها عورة إلا ما استثناه الشرع، وأكد على وجوب تغطية الرأس والبدن، واختلف في الوجه حسب الفتنة والزمان.

ضوابط الحجاب الشرعي

لكي يُعدّ اللباس حجابًا شرعيًا، لا بد أن تتوفر فيه عدة شروط:

1. أن يغطي جميع البدن (على القول الأرجح، بما في ذلك الوجه عند الفتنة)

2. ألا يكون زينة في نفسه

3. ألا يكون شفافًا

4. ألا يصف تفاصيل الجسد

5. ألا يشبه لباس الرجال

6. ألا يشبه لباس الكافرات

7. ألا يكون لباس شهرة

أهمية الحجاب في الواقع المعاصر

في ظل المتغيرات الاجتماعية والانفتاح الإعلامي، أصبح التمسك بالحجاب يُعدّ شكلًا من أشكال الصمود الثقافي والديني، وليس مجرد تطبيق فقهي. فالحجاب اليوم:

• يعكس الهوية الإسلامية

• يحمي الفتاة من التحرش والابتذال

• يؤكد على استقلال المرأة في معايير الجمال الخاصة بها

• يعبّر عن طاعتها لأوامر الله، قبل أن يكون امتثالًا ثقافيًا أو عائليًا

الحجاب من منظور حضاري

لا يُنظر إلى الحجاب في الإسلام على أنه قيد أو عبء، بل هو:

• رمز للحرية الأخلاقية، إذ تخرج المرأة إلى المجتمع وهي محفوظة الكرامة.

• منظومة للعدالة الاجتماعية، تقلل من الانحرافات وتضبط العلاقات.

• أداة للتهذيب والاحترام، تفرض على الرجل أن يتعامل مع المرأة باعتبارها عقلًا وروحًا لا جسدًا.

خلاصة تفسير آية الحجاب

إن آية الحجاب في سورة النور قدّمت تشريعًا دقيقًا للحجاب، يتضمن:

• التوجيه بغضّ البصر وحفظ الفرج

• النهي عن إظهار الزينة إلا في حدود الشرع

• الأمر بضرب الخمار على الجيب

• بيان من يباح للمرأة أن تكشف زينتها أمامهم

وهذه الآية لم تكن وليدة عُرف أو ثقافة، بل جزء من الرسالة الربانية التي أرادت أن تحفظ المجتمع من الانهيار الأخلاقي، وتحفظ المرأة من الانكشاف، وتحفظ الأسرة من التمزق، وتحفظ الإنسان من عبودية الجسد والشهوة.

المراجع:

1. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.

2. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم.