طريقة سجود الشكر الصحيحة

سجود الشكر: أحكامه، فضله، وكيفيته

يُعَدُّ سجود الشكر من السنن العظيمة التي غفل عنها كثير من المسلمين، مع ما فيه من القُرب إلى الله تعالى، واعترافٍ بنعمته، وتواضعٍ لعظمته، وشعورٍ صادقٍ بالامتنان القلبي تجاه ما يفيض به من خيرٍ وفضلٍ لا يُعدّ ولا يُحصى. وهو من السجود الذي يقرّب العبد من ربّه في لحظات الفرح أو النجاة أو الظفر أو التوفيق أو البشارة، إذ يُسنّ للمسلم أن يسجد لله شكراً كلما جدّ عليه نعمة أو اندفعت عنه نقمة.

هذا المقال يتناول سجود الشكر من كافة جوانبه: تعريفه، مشروعيته، الأدلة عليه، كيفيته، شروطه، ما يقال فيه، وأحكامه عند المذاهب الأربعة، مع بيان الفرق بينه وبين سجود التلاوة أو الصلاة، وذكر مواضعه المستحبّة، وما روي عن النبي ﷺ والصحابة في ذلك.

تعريف سجود الشكر

سجود الشكر هو سجدة واحدة يسجدها المسلم خارج الصلاة، إذا تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة عظيمة، تعبيراً عن امتنانه لله تعالى وشكره له. ويقصد بها الاعتراف بالفضل لله تعالى على ما أولاه من نعمٍ، أو ما صرف عنه من بلاء.

قال الإمام النووي في “المجموع”:

“سجود الشكر هو السجود بسبب حصول نعمةٍ دنيوية أو دينية، أو دفع بليةٍ دنيوية أو دينية، وله أصلٌ في السنة، وفِعلهُ مستحبٌّ عند الجمهور”.

مشروعية سجود الشكر

اتفق جمهور العلماء من الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة على مشروعية سجود الشكر، مع اختلافٍ في بعض تفاصيل الأحكام والكيفية، وقد استدل العلماء على مشروعيته بأحاديث نبوية صحيحة، وآثار عن الصحابة والتابعين.

من الأدلة من السنة:

1. ما رواه أبو بكرة رضي الله عنه:

أن النبي ﷺ كان إذا أتاه أمر يسرّه أو يُبشَّر به خرّ ساجداً شاكراً لله.

رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.

2. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:

أن النبي ﷺ خرج فتوجه نحو قباء، فرأى جماعة من الصحابة يبكون، فسألهم، فأخبروه أن الروم هُزموا، فخرّ ساجداً شكراً لله.

رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

3. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه:

أن النبي ﷺ بعث علياً إلى اليمن، فلما رجع أخبره بإسلام قوم، فخرّ رسول الله ﷺ ساجداً.

رواه البيهقي بسند صحيح.

الأسباب التي يُشرع لها سجود الشكر

سجود الشكر لا يُشرع لكل نعمة صغيرة، بل للأمور العظيمة التي يظهر فيها أثر النعمة أو النجاة بوضوح، ومن ذلك:

• تجدد نعمة عظيمة، كولادة طفل، شفاء من مرض خطير، الحصول على علم نافع، النصر في معركة أو خصومة، التوبة بعد معصية، أو تيسير رزق لم يكن في الحسبان.

• دفع نقمة مهلكة، كنجاة من حادث أو مرض عضال، أو انكشاف فتنة، أو زوال همّ عظيم، أو رفع ظلمٍ عن مسلم.

• رؤية نعمة عامة للأمة، مثل نصر المسلمين في مكان ما، أو هلاك عدوٍّ لهم.

ويستوي في ذلك الفرد والأمة، والشخص بنفسه أو برؤية غيره قد أصيب أو نجا، إذ يشعر المؤمن بالصلة الدائمة بينه وبين ربه، ويستحضر الفضل الإلهي في كل أمر.

كيفية أداء سجود الشكر

سجود الشكر لا يختلف كثيراً عن سجود الصلاة، لكنه لا يشترط له ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة والستر وغير ذلك على خلاف بين الفقهاء، ويكفي فيه النية والسجود المباشر.

خطوات أداء سجود الشكر:

1. النية القلبية دون التلفظ.

2. التكبير دون رفع اليدين (ليس واجباً).

3. السجود مباشرة، بوضع الجبهة والأنف على الأرض، مع بقية الأعضاء السبعة.

4. الدعاء والذكر أثناء السجود، مثل:

   • “سبحان ربي الأعلى”

   • “اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تحصى، وفضلك الذي لا يُعدّ”

   • “يا رب لك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”

5. لا تشهد ولا تسليم في نهاية السجود.

ما يُقال في سجود الشكر

لا يوجد دعاء مخصص لسجود الشكر في السنة، ولكن يُستحب أن يكثر العبد من ألفاظ الحمد والشكر والثناء، كأن يقول:

• “اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا”

• “اللهم إني أحمدك على ما أوليتني من نعمتك، وأعوذ بك من زوالها”

• “رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ”

شروط سجود الشكر

اختلف الفقهاء في شروط سجود الشكر، وأبرز الخلافات كالتالي:

ويظهر من هذا الجدول أن سجود الشكر عند الحنفية أكثر تيسيراً، إذ أجازوه بلا طهارة ولا استقبال قبلة، بخلاف غيرهم.

الفرق بين سجود الشكر وسجود التلاوة

السجود عند رؤية معصية أو نعمة على غيره

من المسائل المهمة المرتبطة بسجود الشكر: هل يجوز السجود إذا رأى الإنسان معصية عند غيره، أو رأى نعمة على غيره؟

أجاب العلماء أن من رأى بلاءً على غيره ونجا منه، يُشرع له أن يسجد شكراً لله، لا شماتة بالغير، بل شكراً على العافية. كما يُشرع له أن يسجد لرؤية نعمة عند مسلم آخر، إذا استشعر في نفسه الفرح بها وحمد الله عليها، لأن ذلك من أخلاق المؤمنين الذين يحبون الخير لإخوانهم.

أقوال العلماء في سجود الشكر

• الإمام النووي قال:
  
  “يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، أو دفع النقمة، وهو سنةٌ عند أكثر العلماء”.

• الإمام ابن قدامة قال:
  
  “سجود الشكر يُشرع لكل من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة، وهو فعل النبي ﷺ، وفعل الصحابة من بعده”.

• الإمام ابن تيمية قال:
  
  “سجود الشكر ليس بواجب، وإنما هو سنة مستحبة عند الفرح بنعمة أو دفع نقمة، ويُسجد متى شاء بلا تكبيرة إحرام ولا تسليم”.

الحالات المعاصرة التي يُستحب فيها سجود الشكر

• قبول في وظيفة أو نجاح في دراسة.

• شفاء مريض من مرض عضال.

• الخروج من عملية جراحية ناجحة.

• نيل براءة بعد ظلم في القضاء.

• نصر المسلمين في أي مكان من العالم.

• نهاية وباء أو رفع بلاء عام.

• توبة أحد الأبناء أو الأقارب.

• تحصيل علم نافع أو تأليف كتاب نافع.

حكم من تركه أو لم يعرفه

سجود الشكر سنةٌ مؤكدة وليس فرضاً، فمن تركه فلا إثم عليه، لكن يُحرَم خيراً عظيماً وأجراً وفيراً، إذ فيه إظهار للعبودية والانقياد لله، وفيه تجديد للصلة الروحية بين العبد وربّه في لحظات الفرح. كما أن من لم يعرفه، يُعلَّم، لا يُنكر عليه، لأن كثيراً من المسلمين يجهلون هذه السنة.

الخاتمة

سجود الشكر عبادة قلبية تُجسِّد تواضع العبد أمام خالقه، وشعوره الدقيق بنعمة الله في حياته، وهي من السنن التي تُظهر مدى إيمان العبد وإدراكه لعظمة فضل الله عليه. هذه السجدة الواحدة تعني الكثير عند الله، لأنها دليل على الحياء من المنعم، وشكر المتفضل، واستحضار القلوب لمعنى العبودية التامة في لحظات الفرح لا الحزن فقط. إن إحياء هذه السنة في الأمة هو إحياء لروح الشكر والتواضع والارتباط بالله في كل حال.

المراجع:

1. النووي، “المجموع شرح المهذب”.

2. ابن قدامة، “المغني”.