الضغط على الأسنان أثناء النوم

الضغط على الأسنان أثناء النوم: الأسباب، الأعراض، المضاعفات، وطرق العلاج

يُعد الضغط على الأسنان أثناء النوم، والذي يُعرف طبياً باسم “صرير الأسنان الليلي” (Bruxism)، من الاضطرابات الشائعة المرتبطة بالنوم والتي قد تمر دون أن يلاحظها المصاب بها لفترة طويلة. هذه الحالة لا تقتصر فقط على الأطفال أو البالغين بل يمكن أن تصيب أي فئة عمرية، وقد تتراوح شدتها بين خفيفة ومؤقتة إلى مزمنة وشديدة تُحدث مضاعفات صحية متعددة.

يتضمن صرير الأسنان شدّ عضلات الفك بقوة وتحريك الأسنان ضد بعضها البعض دون غرض وظيفي، ويحدث غالباً خلال النوم العميق أو في المراحل الانتقالية بين مراحل النوم المختلفة، مما يجعل الشخص غير واعٍ بما يقوم به، وغالبًا ما يتم اكتشافه من قبل الشريك في السرير أو عند زيارة طبيب الأسنان.

الأسباب المحتملة للضغط على الأسنان أثناء النوم

إن مسببات هذه الحالة متعددة ومعقدة وقد تتداخل فيما بينها، وتشمل:

1. العوامل النفسية

تلعب الضغوط النفسية والقلق دوراً كبيراً في نشوء وتفاقم صرير الأسنان الليلي. التوتر المزمن، القلق الاجتماعي، الغضب المكبوت أو القلق بشأن العمل أو العلاقات يمكن أن تكون من المحفزات الأساسية. دراسات متعددة أثبتت العلاقة الوثيقة بين مستويات الكورتيزول المرتفعة وميل الجسم للتفريغ العضلي اللاواعي من خلال صرير الأسنان أثناء النوم.

2. العوامل العصبية

يرتبط صرير الأسنان ببعض الاضطرابات العصبية مثل مرض باركنسون، التصلب المتعدد، ومتلازمة تململ الساقين. كما أن الأشخاص المصابين باضطرابات فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) معرضون بشكل أكبر للإصابة بهذا السلوك الليلي.

3. العوامل الوراثية

تشير بعض الأبحاث إلى أن صرير الأسنان يمكن أن ينتقل عبر الأجيال، حيث يوجد تاريخ عائلي لدى نسبة كبيرة من المصابين. هذا يؤكد أن هناك عنصراً جينياً قد يلعب دوراً في الاستعداد للإصابة بهذه الحالة.

4. تشوهات الفك أو الأسنان

وجود خلل في اصطفاف الأسنان أو عيوب في مفصل الفك الصدغي الفكي يمكن أن يؤدي إلى تحفيز عضلات المضغ للنشاط اللا إرادي أثناء النوم، خصوصاً عند غياب توافق تام بين الأسنان العلوية والسفلية.

5. استخدام المواد المنبهة

الإفراط في تناول الكافيين أو المشروبات المنبهة الأخرى قبل النوم، بالإضافة إلى التدخين أو تعاطي الكحول أو بعض الأدوية النفسية مثل مضادات الاكتئاب، قد يكون له تأثير في تنشيط الجهاز العصبي وبالتالي تحفيز الصرير الليلي.

الأعراض والعلامات المصاحبة

غالباً لا يعي الشخص أنه يعاني من صرير الأسنان الليلي إلا بعد حدوث مضاعفات واضحة أو تنبيه من الآخرين، إلا أن بعض الأعراض الشائعة تشمل:

• صداع صباحي وخاصة في منطقة الصدغ.

• ألم أو تصلب في عضلات الفك عند الاستيقاظ.

• أصوات طحن الأسنان أثناء النوم.

• تآكل ملحوظ في مينا الأسنان.

• زيادة حساسية الأسنان للحرارة أو البرودة.

• ألم في الأذن لا يرتبط بعدوى أذنية.

• تشنج في عضلات الرقبة والكتفين.

• اضطرابات النوم أو الاستيقاظ المتكرر.

• ألم في مفصل الفك عند المضغ أو التحدث.

المضاعفات الناتجة عن صرير الأسنان الليلي

عندما يُهمل علاج هذه الحالة، فإن آثارها تمتد لتشمل صحة الفم والوجه والعمود الفقري العلوي والجهاز العصبي، ومن أبرز المضاعفات:

1. تآكل الأسنان ومشاكل اللثة

الضغط المستمر على الأسنان يؤدي إلى تآكل طبقة المينا، مما يجعل الأسنان أكثر عرضة للتسوس، الكسر، والتهابات اللثة. كما قد يؤدي ذلك إلى انكشاف أعصاب الأسنان وبالتالي الحاجة إلى علاج عصب أو استئصال السن.

2. آلام مزمنة في مفصل الفك

قد يؤدي الصرير المتكرر إلى مشاكل في المفصل الصدغي الفكي (TMJ)، مثل الالتهاب أو الخلع الجزئي أو الشعور بصوت طقطقة عند فتح الفم.

3. تغيرات في ملامح الوجه

في الحالات المزمنة، قد يلاحظ تغيّر تدريجي في عضلات الفك وزيادة في عرض الوجه السفلي نتيجة تضخم عضلات المضغ.

4. تأثيرات على النوم

يسبب صرير الأسنان اضطرابات في النوم، وقد يؤدي إلى الأرق أو الاستيقاظ المتكرر، مما يؤثر سلباً على نوعية النوم ويؤدي إلى الإرهاق العام.

التشخيص

يبدأ تشخيص الحالة من خلال التاريخ الطبي المفصل والفحص السريري الذي يجريه طبيب الأسنان أو طبيب النوم. من الوسائل المستخدمة:

• الفحص السريري للأسنان والفك: لرصد علامات التآكل أو الضغط على اللثة والمفصل.

• المراقبة الليلية (Polysomnography): تستخدم لتشخيص الحالات الشديدة ضمن مختبرات النوم لتحديد النشاط العضلي وحركات الفك أثناء النوم.

• سجل النوم: يطلب من المريض أو شريكه تدوين ملاحظات عن الأعراض والأصوات الليلية.

العلاجات المتوفرة

علاج صرير الأسنان أثناء النوم يتطلب نهجًا متعدد الجوانب يجمع بين الإجراءات السريرية، وتعديل نمط الحياة، والدعم النفسي. يمكن تقسيم العلاجات كما يلي:

1. الجهاز الواقي الليلي (Mouth Guard)

يُعتبر من أكثر الوسائل فعالية ويُستخدم لتقليل الاحتكاك بين الأسنان العلوية والسفلية. يُصنع خصيصًا ليتناسب مع فك المريض ويتم ارتداؤه أثناء النوم. لا يعالج السبب الجذري لكنه يمنع المضاعفات.

2. العلاج السلوكي والنفسي

يتضمن تقنيات مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو جلسات الاسترخاء والتأمل أو التدريب على التحكم في الضغوط، والتي تهدف لتقليل التوتر والقلق.

3. العلاج الدوائي

يتم اللجوء إلى الأدوية في الحالات الشديدة وتشمل:

• مرخيات العضلات قبل النوم.

• مضادات القلق أو مضادات الاكتئاب (بجرعات محددة ولفترة قصيرة).

• حقن البوتوكس (Botox) في عضلات الفك لتقليل نشاطها.

4. تصحيح وضعية الأسنان والفك

في حال وجود تشوهات أو سوء إطباق، يمكن اللجوء إلى تقويم الأسنان أو الجراحة التقويمية حسب درجة الحالة.

5. تعديل نمط الحياة

• تجنب الكافيين والتدخين والكحول قبل النوم.

• تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ.

• تجنب التحفيز الزائد قبل النوم (مثل الشاشات الإلكترونية أو التمارين العنيفة).

• ممارسة تمارين استرخاء عضلات الفك مثل تدليك الفك وتمارين التمدد.

جدول توضيحي لأهم العلاجات المستخدمة وأهدافها

التعايش مع الحالة والوقاية من تفاقمها

رغم أن صرير الأسنان أثناء النوم قد لا يكون قابلاً للشفاء التام في بعض الحالات، إلا أن التعايش معه ممكن من خلال الالتزام بالعلاجات المقترحة وتبني نمط حياة صحي. ينبغي المتابعة الدورية مع طبيب الأسنان لمراقبة تطورات الحالة، بالإضافة إلى إدماج أنشطة يومية تخفف من الضغط النفسي مثل المشي، الرياضة الخفيفة، والتأمل.

الوعي بهذه المشكلة وتثقيف الأفراد المحيطين بالشخص المصاب يساهم في الكشف المبكر ومنع تطور المضاعفات، مما يضمن الحفاظ على صحة الفم العامة والنوم المريح.

المراجع

1. Lobbezoo F, Ahlberg J, Raphael KG, et al. “International consensus on the assessment of bruxism: report of a work in progress.” Journal of Oral Rehabilitation. 2018.

2. American Academy of Sleep Medicine. International Classification of Sleep Disorders. Third Edition (ICSD-3), 2014.