تعلم التعاطف مع الذات

3 استراتيجيات تساعدك على ممارسة التعاطف مع الذات

في ظل الضغوطات اليومية والتحديات الحياتية التي نواجهها، قد نغفل عن أهم جوانب الصحة النفسية التي تساهم في تحسين نوعية حياتنا: وهي ممارسة التعاطف مع الذات. يعاني الكثيرون من ضعف في تعاطفهم مع أنفسهم، سواء بسبب مقارنة أنفسهم بالآخرين أو بسبب الأفكار السلبية التي ترافقهم في حياتهم اليومية. لكن، إذا نظرنا إلى التعاطف مع الذات كأداة قوية تساعدنا في التعامل مع مشاعر الفشل والإحباط، فسنتمكن من استعادة قوتنا الداخلية والقدرة على التقدم.

التعاطف مع الذات لا يعني مجرد منح أنفسنا العذر عندما نخطئ، بل هو تفاعل أعمق مع مشاعرنا وأفكارنا، وهو طريق إلى قبول الذات دون قسوة أو لوم. في هذا المقال، سنستعرض ثلاث استراتيجيات أساسية يمكن أن تساعدك في ممارسة التعاطف مع الذات بفعالية.

1. إعادة صياغة الحوار الداخلي السلبي

أحد أكثر العوامل التي تمنع الناس من ممارسة التعاطف مع الذات هو الحديث الداخلي السلبي. كثيرًا ما نكون قاسيين مع أنفسنا، إذ نلوم أنفسنا على الأخطاء أو الفشل، مما يزيد من مشاعر الندم أو العجز. تكمن الخطوة الأولى نحو التعاطف مع الذات في تغيير هذا الحوار الداخلي إلى حوار أكثر قبولًا ورفقًا.

• ملاحظة الأفكار السلبية: يتطلب الأمر وعيًا كاملًا عندما يبدأ الحوار الداخلي السلبي. على سبيل المثال، إذا شعرت بالفشل في أداء مهمة ما، قد يتبادر إلى ذهنك: “أنا غير كفء”، أو “لا أستحق النجاح”. هذه الأفكار هي أفكار سلبية تدميرية. بدايةً، يجب ملاحظة هذه الأفكار دون الحكم عليها أو الشعور بالذنب لمجرد التفكير بها.

• استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية: بمجرد ملاحظة هذه الأفكار، يمكن البدء بتغييرها إلى أفكار أكثر رحمة. بدلاً من القول “أنا غير كفء”، يمكن أن تقول لنفسك “الجميع يمر بصعوبات، وأنا أتعلم من أخطائي”. استبدال الأفكار السلبية بأخرى تعبيرية عن القبول يمكن أن يساعدك على التصالح مع نفسك.

• استخدام كلمات لطيفة: كن حريصًا على استخدام كلمات لطيفة وداعمة عند التحدث عن نفسك. إذا أخفقت في مهمة معينة، يمكنك أن تقول “لقد بذلت أفضل ما في وسعي، وأنا فخور بما أنجزته حتى الآن، وهذا الفشل ليس نهاية الطريق”.

إعادة صياغة الحوار الداخلي بهذه الطريقة لا يعني تجاهل مشاعر الفشل أو الخيبة، بل هو دعوة للاعتراف بها بلطف والانتقال نحو الحلول والنمو.

2. التعامل مع الذات كما تتعامل مع صديق مقرب

عندما نكون في مواقف صعبة، نميل إلى أن نكون قساة جدًا على أنفسنا، بينما عندما يكون صديقنا في وضع مشابه، فإننا نتعامل معه برفق ورحمة. هذه المفارقة تشير إلى أننا غالبًا ما نملك قدرة أكبر على التعاطف مع الآخرين أكثر من أنفسنا. وبالتالي، فإن استراتيجية فعالة لتطوير التعاطف مع الذات هي أن نتعامل مع أنفسنا بنفس اللطف والرعاية التي نمنحها للأشخاص الذين نحبهم.

• التوقف عن القسوة الذاتية: في كثير من الأحيان، يملأ الأشخاص حياتهم بمشاعر من اللوم والذنب عندما يرتكبون الأخطاء. لكن، هل كنت ستعنف صديقًا في نفس الموقف؟ بالطبع لا. لذا، يجب أن نتعلم أن نكون رؤوفين مع أنفسنا.

• الاعتراف بالمشاعر والتعبير عنها: عندما نشعر بالحزن أو الإحباط، يجب أن نسمح لأنفسنا بتلك المشاعر دون إخفائها أو تجاهلها. لا مانع من الشعور بالضعف بين الحين والآخر، بل إن الاعتراف بهذه المشاعر خطوة هامة نحو النمو. إذا كانت هذه المشاعر تؤثر على حياتنا، يمكننا أن نبحث عن طرق مناسبة للتعامل معها، مثل الحديث مع صديق أو ممارسة الرياضة أو التأمل.

• التشجيع والتقدير الذاتي: مثلما تقول لصديقك في موقف صعب “أنت قوي، وستتجاوز هذا”، يمكنك قول نفس الكلمات لنفسك. يتيح لك هذا التقدير الذاتي المتوازن أن ترى نفسك بشكل إيجابي وتذكر نفسك بقيمتك، حتى في الأوقات العصيبة.

3. ممارسة الوعي الكامل (Mindfulness) في التعامل مع الذات

الوعي الكامل هو حالة من الانتباه والوجود في اللحظة الحالية دون إصدار حكم. إنه من الأدوات الأساسية التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز التعاطف مع الذات. من خلال ممارسة الوعي الكامل، نتعلم أن نكون أكثر دراية بمشاعرنا وأفكارنا، وأن نكون أكثر تعاطفًا معها بدلاً من محاربتها أو تجاهلها.

• الاستماع للذات بدون حكم: واحدة من أولى خطوات ممارسة الوعي الكامل هي أن نستمع إلى أنفسنا بدون الحكم على الأفكار أو المشاعر. إذا شعرنا بالضيق أو الغضب، يمكننا ببساطة أن نلاحظ تلك المشاعر دون أن نلوم أنفسنا عليها. “أنا أشعر بالغضب الآن، وهذا شعور طبيعي، وأنا أقبله”.

• التقبل بدلاً من المقاومة: عندما نواجه مشاعر مؤلمة أو صعبة، فإننا غالبًا ما نمارس المقاومة لها: نحاول تجنبها أو الهروب منها. لكن، مع ممارسة الوعي الكامل، نتعلم أن نتقبل تلك المشاعر ونسمح لها بالوجود دون أن نتصارع معها. القبول يعني أننا نسمح لأنفسنا بأن نكون بشريين، مع كل ما يصاحب ذلك من ضعف وقوة.

• التأمل والتمارين التنفسية: يمكن للتأمل أن يكون أداة قوية لتعزيز الوعي الكامل. من خلال تخصيص وقت يومي للجلوس بهدوء وملاحظة أفكارنا ومشاعرنا بدون قلق أو ضغط، نكون قادرين على زيادة وعي الذات وتعزيز التعاطف معها. التمارين التنفسية هي أيضًا وسيلة فعالة لتنمية الوعي الكامل، حيث يمكنها تهدئة العقل وتعزيز الشعور بالسلام الداخلي.

خاتمة

ممارسة التعاطف مع الذات ليست مجرد فكرة نظرية بل هي مهارة حياتية يمكن تعلمها وتعزيزها من خلال تطبيق استراتيجيات عملية. من خلال إعادة صياغة الحوار الداخلي، التعامل مع الذات كما نتعامل مع صديق مقرب، وممارسة الوعي الكامل، يصبح بإمكاننا أن نعيش حياة أكثر سلامًا وتوازنًا. التعاطف مع الذات لا يعني الكمال، بل هو قبول لحقيقة أننا بشر، وأننا نمتلك القدرة على التعلم والنمو حتى في مواجهة التحديات.