وقت رمي الجمرات أيام التشريق

تُعدُّ مناسك الحج من أعظم العبادات التي يؤديها المسلمون، ويُعتبر رمي الجمرات من أهم أركان الحج التي تميز يومي التشريق، وهي الأيام الحاسمة في أداء مناسك الحج التي تأتي بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة. يتطلب رمي الجمرات معرفة دقيقة بمواقيت أداء هذا الركن، كي يتحقق الحج بشكل صحيح وفق السنة النبوية والتوجيهات الشرعية. في هذا المقال، سوف نستعرض بشكل مفصل وموسع وقت رمي الجمرات في أيام التشريق، مع توضيح الحكمة من هذا الركن، آدابه، وأهميته الشرعية، بما يخدم حاجات الحجاج ويضمن صحة أدائهم.

تعريف الجمرات وأيام التشريق

الجمرات هي ثلاثة أحجار صغيرة تقع في منى، كل واحدة منها تمثل رمزاً للشيطان الذي يجب على الحاج رميه كجزء من إتمام مناسك الحج. هذه الجمرات هي: الجمرة الصغرى، والجمرة الوسطى، والجمرة الكبرى (وهي الجمرة التي تقع أقرب إلى الكعبة وهي الأكبر حجماً).

أما أيام التشريق فهي ثلاثة أيام تلي يوم النحر (عيد الأضحى)، وتبدأ من اليوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة وتمتد إلى اليوم الثالث عشر منه. وفي هذه الأيام، يتعين على الحجاج أداء رمي الجمرات، وهو عمل له معان روحية عظيمة تجسد رفض الشيطان وطاعته لله، وتتزامن مع الذكرى التاريخية لرمي النبي إبراهيم لليمين والشيطان عندما أمره الله بذبح ابنه إسماعيل.

توقيت رمي الجمرات في أيام التشريق

اليوم الحادي عشر من ذي الحجة (يوم النحر)

يبدأ الحجاج رمي الجمرات في صباح اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، والذي يعرف بيوم النحر لأنه يوم ذبح الأضاحي. يتم رمي الجمرات بعد صلاة الفجر مباشرة، ولا يجوز رمي الجمرات قبل دخول وقتها الشرعي، وهو بعد طلوع الشمس (الشروق). ولكن من الأفضل أن يبدأ الحاج رمي الجمرات بعد زوال الشمس، أي بعد صلاة الظهر، ويستمر في رمي الجمرات طيلة النهار، حتى غروب الشمس.

الأيام الثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة

تستمر أيام التشريق في اليوم الثاني والثالث من ذي الحجة، وفي هذين اليومين يكرر الحجاج رمي الجمرات بنفس الطريقة، حيث يبدأ الرمي من الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ويتم ذلك بعد صلاة الفجر أو عند شروق الشمس، ويمتد وقت الرمي طوال النهار حتى غروب الشمس. والوقت المشروع للرمي يبدأ من طلوع الفجر (وبعض العلماء يجعلون وقت الرمي بعد شروق الشمس)، ويستمر حتى غروب الشمس.

إذا كان الحاج مقيماً في منى، فمن المستحب رمي الجمرات في كل يوم من أيام التشريق الثلاثة، أما إذا أراد أن يغادر منى في اليوم الثالث عشر، فبإمكانه أن يرمي الجمرات كلها في هذا اليوم قبل مغادرته.

التفاصيل الشرعية المتعلقة بوقت الرمي

• المشروعية والوقت: جرت السنة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن رمي الجمرات يبدأ يوم النحر ويمتد إلى آخر أيام التشريق، ولا يجوز قبل وقت شروق الشمس. هذا يعني أن الرمي لا يكون ليلاً ولا قبل دخول وقت الصبح الشرعي.

• الاستمرار في الرمي: يمكن للحاج رمي الجمرات متى شاء خلال النهار، ولكن التوقيت المثالي هو بعد شروق الشمس وزوالها، وامتداداً حتى الغروب، إذ أن الرمي في هذا الوقت جائز وصحيح.

• عدم جواز الرمي ليلاً: تحرم الشريعة رمي الجمرات في الليل، لأن الرمي عبادة مرتبطة بوقت النهار. وعليه، يجب على الحاج التوقف عن الرمي عند غروب الشمس والانتظار ليوم جديد.

الحكمة من توقيت رمي الجمرات

يرتبط توقيت رمي الجمرات بأسباب شرعية وعقائدية، منها:

1. اتباع السنة النبوية: حيث اقتدى المسلمون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر برمي الجمرات بعد طلوع الشمس في أيام التشريق، وعدم رميها ليلاً.

2. إتاحة الوقت الكافي: فترة النهار الطويلة تتيح للحجاج رمي الجمرات بشكل مريح ومنظم دون تكدس أو تزاحم شديد، خاصة في ظل أعداد الحجاج الكبيرة.

3. رمزية النور والضياء: يأتي الرمي في وضح النهار، رمزاً للنقاء والصفاء الذي يتحقق في مواجهة الشيطان والتخلص منه بالابتعاد عن وساوسه.

4. الترتيب والتنظيم: نظام أوقات الرمي يضمن سير المناسك بشكل متوازن وآمن ويمنع الفوضى، وهذا من متطلبات الحج الميسر.

كيفية رمي الجمرات في أوقاتها

يبدأ الحاج يومياً برمي الجمرة الصغرى (وهي الجمرة الأقرب إلى المسجد الحرام)، ثم ينتقل إلى الجمرة الوسطى، وبعدها يرمي الجمرة الكبرى. يجب أن يكون الرمي بثلاث حصيات على الأقل لكل جمرة، ويفضل أن تكون خمس حصيات، مع قول “بسم الله والله أكبر” عند كل حصاة، لتجديد العزم على رفض وسوسة الشيطان واتباع أمر الله.

في حالة الازدحام، يمكن للحاج أن يرمي الجمرات من بعيد دون الحاجة للتقرب كثيراً، ويجوز أن يرمي من على ظهر جسر الجمرات أو من الأماكن المخصصة للرمي التي تيسر للحجاج أداء هذا الركن دون عناء.

آداب وملاحظات أثناء رمي الجمرات

• الالتزام بالوقت: يجب ألا يسبق الحاج وقت الرمي الشرعي وهو شروق الشمس.

• المحافظة على الترتيب: لا يجوز تخطي الجمرة الوسطى والجمرة الكبرى، بل يجب رمي الثلاثة جميعها.

• تجنب التزاحم والعجلة: ينبغي أخذ الوقت الكافي وعدم التعجل أو التزاحم الذي قد يؤدي إلى الحوادث.

• التكبير والتسمية: يفضل التكبير والتسمية عند رمي كل حصاة، وهذا جزء من التعبد والنية الصادقة.

• المكوث في منى: من السنة المبيت في منى أيام التشريق، لإتمام مناسك الحج بصورة صحيحة.

جدول يوضح أوقات رمي الجمرات في أيام التشريق

تأثير توقيت الرمي على سلامة الحاج

يلعب احترام الوقت المحدد للرمي دوراً أساسياً في سلامة الحجاج، حيث إن الالتزام بوقت النهار يخفف من حوادث التدافع والازدحام التي قد تحدث إذا حاول الحجاج الرمي ليلاً أو قبل الوقت المحدد. كما أن تنظيم الأوقات يساعد في توزيع الحشود، مما يقلل من خطر الاختناق أو الإصابات.

تطورات تنظيم رمي الجمرات في العصر الحديث

مع الزيادة المتواصلة في أعداد الحجاج سنوياً، ظهرت تحديات كبيرة في تنظيم رمي الجمرات، مما استدعى تدخل الجهات المسؤولة في المملكة العربية السعودية لتوفير بيئة آمنة ومنظمة. من هذه الإجراءات:

• إنشاء جسر الجمرات متعدد الطوابق لتسهيل حركة الحجاج وتقليل الازدحام.

• وضع إشارات وأدلة واضحة للأوقات المسموح بها للرمي.

• تعزيز الدوريات الأمنية والطبية في منطقة الجمرات.

• اعتماد نظام إلكتروني لضبط أعداد الحجاج في كل فترة زمنية محددة، لتجنب التزاحم.

كل هذه التطورات تهدف إلى ضمان أن يتم رمي الجمرات في الأوقات الشرعية وبطريقة تسهم في سلامة وأمن الحجاج، مع الحفاظ على روحانية الشعيرة وحرمتها.

الخلاصة

وقت رمي الجمرات في أيام التشريق يبدأ من بعد شروق الشمس ويستمر حتى غروبها في أيام 11 و12 و13 من شهر ذي الحجة. الالتزام بهذا التوقيت هو جزء لا يتجزأ من أداء مناسك الحج على الوجه الصحيح، وهو واجب ديني يعبر عن طاعة الله ورسوله. الأهمية الكبيرة التي توليها الشريعة لتوقيت رمي الجمرات تؤكد أن الشعائر الإسلامية لا تقتصر على الأفعال فقط، بل تشمل تنظيمها وزمن أدائها، بما يحقق الخشوع والسلامة والسكينة في قلوب الحجاج. بهذا التنظيم الدقيق يكتمل أداء الحج ويقوى الارتباط الروحي بين العبد وربه، معلناً انتصار الإيمان على الشيطان.

المراجع:

1. كتاب “فقه الحج والعمرة” للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر.

2. موقع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي – المملكة العربية السعودية.