في كتاب “القرد المائل: تطور العقل الإنشائي” الذي ألَّفه مايكل كورباليس، يتناول الكاتب موضوع تطور الإنسان والفارق الكبير بينه وبين القردة. ينغمس كورباليس في هذا السؤال القديم الذي ارتسم في عقول الفلاسفة والعلماء لقرون عديدة، ويجد الكاتب أن الإجابة على هذا اللغز تكمن في يدينا اليمنى. إذ يُظهر الباحث النيوزلندي أن الإنسان هو القرد الوحيد الذي يستخدم يديه اليمنى بشكل أساسي، وهو مؤشر على تخصص نصف الدماغ الأيسر للغة. ويؤكد كورباليس أن هذا التخصص يُبيِّن الفارق الهائل بيننا وبين باقي القردة، مشيرًا إلى معنى أن نكون القرد المائل.
في “القرد المائل”، يقودنا كورباليس في جولة شيقة عبر أصول وتداولات تخصص نصفي الدماغ، المعروف بمصطلح “الجانبية”، في تطور الإنسان. يبدأ بمراجعة وجهات النظر الحالية حول التطور، بدءًا من المستوى الجزيئي – مثل دور الفيروسات، على سبيل المثال، في نقل الجينات بين الأنواع – وصولاً إلى الآثار الهائلة للتغييرات الجسدية مثل المشي على قدمين. وكان المشي العمودي حرر أيدي أسلافنا لأشياء مثل صناعة الأدوات والإيماءات (جزء حيوي من لغتهم المبكرة). يؤكد كورباليس أن تطور الدماغ واللغة كانا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بهذه التغييرات: انتشار الأشياء التي صنعها الهومينيدات المبكرة، في بيئة اصطناعية تتسم بالتعاون الاجتماعي، استدعى مرونة أكبر في التواصل وحتى في التفكير نفسه. وكانت هذه الضغوط التطورية حافزًا لتطوير الجانبية في الدماغ.
يتناول الكتاب أيضًا هيكل اللغة، متابعًا أعمال العلماء مثل نوام تشومسكي وغيرهم، مُظهِرًا كيف تتيح لنا القواعد اللغوية إمكانية إنشاء تنوع لا حدود له من الرسائل. وفي دراسته للتواصل بين الحيوانات ومحاولات تعليم القردة والدلافين اللغة، يُظهِر أن البشر فقط لديهم هذه القدرة غير المحدودة للتعبير – قدرة يتتبعها عبر تطور الهومينيدات. وبعد هذا السرد المثير لما نعلمه حول التطور واللغة والدماغ البشري، يقترح كورباليس أن النصف الأيسر من الدماغ قد تطور إلى “جهاز تجميع إنتاجي”، وهي آلية حيوية تُمكِننا من التلاعب بأشكال التمثيل ذات الطابع المفتوح، وتشكل أساسًا للرياضيات والاستدلال والموسيقى والفن واللعب، بالإضافة إلى اللغة والتصنيع. ويؤكد الكاتب أنه هذا الجهاز هو الذي يجعلنا حقًا مختلفين عن القردة.
“القرد المائل” ليس فقط توثيقًا تفصيليًا للغة البشر والتطور، بل هو حجة مقنعة لرؤية جديدة للدماغ. يقدم رؤية شيقة ومثيرة حول أصلنا وطبيعة الفكر البشري ذاته.