كيفية قضاء الصلوات الفائتة

قضاء الصلوات الفائتة عند ابن عثيمين

يُعدّ موضوع قضاء الصلوات الفائتة من المسائل المهمة في فقه العبادات، ويأخذ حيزًا كبيرًا من اهتمام العلماء المسلمين، لما للعبادة من منزلة عظيمة في الشريعة الإسلامية، ولأن الصلاة عمود الدين، فإن تنظيم كيفية قضائها عند وقوع التقصير أو النسيان يُعد أمرًا جوهريًا في الحفاظ على صلة العبد بربه. وقد تناول الشيخ محمد بن صالح العثيمين، أحد أبرز علماء المملكة العربية السعودية في العصر الحديث، هذه المسألة بكثير من التفصيل، مستندًا إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وإلى ما عليه جمهور أهل العلم.

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على كيفية قضاء الصلوات الفائتة حسب رأي ابن عثيمين، من خلال عرض منهجه الفقهي، وتفسيره للأدلة، وتطبيقاته العملية في هذا المجال.

مفهوم قضاء الصلاة عند ابن عثيمين

يُعرّف القضاء بأنه الإتيان بالصلاة بعد خروج وقتها المحدد، سواءً كان التأخير لعذر كالنوم أو النسيان، أو لغير عذر كالتكاسل أو التهاون، وهو محل خلاف واسع بين العلماء، إلا أن جمهور الفقهاء على وجوب القضاء في كلتا الحالتين.

وقد تبنّى ابن عثيمين هذا الرأي، حيث أكد أن الصلاة الفائتة لا تسقط بحال، بل يجب قضاؤها فور تذكرها أو التمكن منها، مستندًا إلى قول النبي ﷺ:

“من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك.”

وهذا الحديث يدل على أن القضاء واجب في حق من فاته وقت الصلاة لأي سبب كان.

التفريق بين من ترك الصلاة لعذر ومن تركها عمدًا

يُميز الشيخ ابن عثيمين في فتاواه بين نوعين من ترك الصلاة:

1. الترك بعذر: كالنوم أو النسيان أو الإغماء، فهذا لا إثم فيه، لكن يجب القضاء بمجرد تذكر الصلاة أو الاستيقاظ. وهذا محل إجماع.

2. الترك عمدًا دون عذر: وهنا يُظهر ابن عثيمين تشددًا واضحًا، حيث يرى أن من تعمّد ترك الصلاة حتى خرج وقتها دون عذر معتبر، فقد ارتكب ذنبًا عظيمًا يصل إلى الكفر، كما في الحديث:
   
   “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر.”
   
   ويرى أن من ترك الصلاة عمدًا لا يُقبل منه القضاء، بل يجب عليه التوبة النصوح، والإكثار من النوافل، وعزيمة على ألا يعود.

ومع ذلك، وفي مواضع أخرى من كتبه وفتاواه، أفتى ابن عثيمين بأنه إذا تاب هذا الشخص ورغب في قضاء ما فاته من الصلوات، فلا مانع من ذلك، ويُستحب له القضاء، لكن لا يجب عليه قضاءها كلها، وإنما يجتهد في الإكثار من النوافل، لأنها تكمل النقص.

الطريقة المثلى لقضاء الصلوات حسب ابن عثيمين

حدد ابن عثيمين طريقة مرتبة لقضاء الفوائت، تتضمن عدة محاور أساسية:

أولًا: الترتيب بين الصلوات

يرى ابن عثيمين أن الترتيب بين الصلوات الفائتة مطلوب، خاصة إذا كانت قليلة، فعلى من فاته مثلاً صلاة العصر أن يبدأ بها قبل أداء المغرب، إذا لم يكن وقت المغرب ضيقًا.

ومع ذلك، إذا خشي فوات وقت الصلاة الحاضرة، جاز له تقديمها على القضاء، مستندًا إلى قاعدة:

“الترتيب سنة، وليس شرطًا.”

ثانيًا: الترتيب بين الفائتة والحاضرة

يفرّق ابن عثيمين بين حالتين:

• إذا ضاق وقت الحاضرة: فإن الصلاة الحاضرة تُؤدى أولًا، ثم يُقضى ما فات.

• إذا اتسع الوقت: فالأولى أن يبدأ بالقضاء، ثم الحاضرة، لأن الفائتة دين في ذمته.

ثالثًا: قضاء الصلوات بحسب القدرة

يرى ابن عثيمين أن القضاء لا يشترط أن يتم دفعة واحدة، بل يُمكن توزيعه حسب الاستطاعة، دون التساهل في تأخيره. ومن الأفضل أن يجعل المسلم لنفسه جدولًا منتظمًا يقضي فيه ما فاته من الصلوات بانتظام، حتى يُبرئ ذمته.

كيفية القضاء لمن فاته عدد كبير من الصلوات

تُعد هذه الحالة من أكثر المسائل حساسية، حيث يسأل كثير من الناس عن كيفية التصرف إذا تراكمت عليهم الصلوات الفائتة بسبب سنوات من الإهمال أو الجهل. وهنا يُبيّن ابن عثيمين ما يلي:

• يبدأ المصلي بحساب تقريبي لعدد الأيام أو السنوات التي ترك فيها الصلاة، ثم يُحدد عدد الصلوات اليومية التي وجب عليه قضاؤها.

• يُوصي الشيخ بأن يجعل الإنسان لنفسه وردًا يوميًا، كأن يقضي في كل يوم صلاة يومين أو أكثر.

• يفضل أن يُقضى بنفس الترتيب اليومي: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء.

• يؤكد على أهمية النية عند كل قضاء: أي أن ينوي المصلي أنه يقضي فرض صلاة كذا من اليوم الفائت أو من الأيام الماضية.

وفي بعض الحالات، يُبيّن ابن عثيمين أن الإكثار من النوافل والصلاة تطوعًا قد تُكمل ما فاته إذا لم يكن يعرف على وجه التحديد عدد الصلوات الفائتة.

صيغ القضاء في الفعل والنطق

يرى ابن عثيمين أن النية محلها القلب، فلا يُشترط التلفظ بها، ولكن يجب أن يعلم المُصلّي أي صلاة يقضيها. فمثلًا: إذا نوى في قلبه أنه يصلي “ظهر اليوم الماضي” كانت كافية.

أما في الفعل، فإن قضاء الصلاة يكون بنفس الطريقة التي تؤدى بها الصلاة الحاضرة، من حيث الركعات، والسور، والتشهد، إلخ، ما لم تكن هناك ضرورة تستدعي التخفيف.

أمثلة تطبيقية على قضاء الفوائت

فيما يلي جدول يوضح نماذج لتوزيع الصلوات الفائتة على جدول يومي:

هذا الجدول يهدف إلى الموازنة بين الأداء اليومي والقضاء، ويمكن تعديله حسب القدرة.

فتاوى ابن عثيمين حول مسائل خاصة في القضاء

1. من فاتته الصلاة بسبب النوم العميق أو الإغماء الطويل: يُقضيها عند الاستيقاظ مباشرة، ولا حرج في التأخير إن كانت هناك ضرورة.

2. إذا نسي عدد الصلوات التي فاتته: يُقدّرها بما يغلب على ظنه، ويقضيها حتى يغلب على ظنه أنه برئت ذمته.

3. من تاب بعد ترك الصلاة لسنوات: يبدأ بالقضاء فورًا، أو إن شق عليه فليجتهد في الإكثار من النوافل.

4. قضاء الصلاة في أوقات النهي: يرى ابن عثيمين أنه لا حرج في ذلك، لأن قضاء الفوائت له خصوصيته ولا يدخل ضمن النوافل التي يُنهى عنها في هذه الأوقات.

خلاصة منهج ابن عثيمين في قضاء الفوائت

• الصلاة لا تسقط بحال، ويجب قضاؤها بمجرد التمكن.

• من ترك الصلاة عمدًا لا يُعذر، لكنه يُؤمر بالتوبة والنوافل، ويُستحب له القضاء.

• الترتيب بين الصلوات مطلوب ما لم يضق الوقت.

• القضاء يجب أن يكون حسب الاستطاعة، مع الانضباط والاستمرارية.

• النية في القضاء شرط أساسي، والتحديد مهم في كل صلاة.

المراجع

1. فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – كتاب “الشرح الممتع على زاد المستقنع”، الجزء الثاني.

2. مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ العثيمين – جمع وترتيب: فهد السليمان، دار الوطن.