تربية القرود في المنازل

تربية القرود المنزلية، المخاطر، القوانين، السلوك، الرعاية، القفص، التغذية

تمثل تربية القرود في المنازل ظاهرة غريبة نسبياً لكنها آخذة في الانتشار في بعض المناطق حول العالم، وتثير جدلاً واسعاً بين المهتمين بحقوق الحيوان، والبيئة، والأطباء البيطريين، والمربين الهواة. فالقردة مخلوقات ذكية ومعقدة جداً، تنتمي إلى رتبة الرئيسيات التي تشمل الإنسان نفسه، وتمتاز بدرجة عالية من الإدراك والتفاعل الاجتماعي والتعقيد السلوكي. وعلى الرغم من جاذبيتها الشديدة لدى البعض بسبب مظهرها اللطيف وحركاتها الذكية، فإن تحويل القرد إلى حيوان أليف منزلي يحمل في طياته تحديات قانونية، أخلاقية، طبية، وسلوكية، تستدعي دراسة متعمقة قبل اتخاذ قرار التبني أو الشراء.

القرد ككائن غير أليف بطبيعته

القردة ليست من الحيوانات التي تم ترويضها أو استئناسها على مر العصور مثل القطط أو الكلاب. فهي مخلوقات برية تعيش في بيئات غنية ومعقدة كالغابات المطيرة والسافانا، وتعتمد على الروابط الاجتماعية المعقدة، والأنشطة التفاعلية المستمرة، والتغذية المتنوعة. إن اقتلاعها من بيئتها الطبيعية وتحويلها إلى حيوانات أليفة يؤدي إلى اختلال في سلوكها ونموها النفسي.

رغم محاولة بعض المربين تعليم القردة استخدام الحمام أو اتباع أوامر بسيطة، فإن نجاح ذلك محدود ويصعب الاستمرار فيه. فالقرد لا يملك نفس الاستعداد الوراثي والطبيعي الذي يجعل الكلاب أو القطط تتقبل الحياة المنزلية كلياً.

الجوانب القانونية لتربية القرود في المنازل

تخضع تربية القرود لقوانين صارمة في معظم دول العالم، تختلف من بلد إلى آخر. ففي بعض الدول تُمنع تربية الأنواع البرية أو الرئيسيات بشكل تام، بينما تفرض بعض البلدان الأخرى إجراءات ترخيص معقدة تشمل:

• الحصول على إذن خاص من وزارة البيئة أو الجهة المختصة.

• تقديم مبرر علمي أو بحثي لتربية الحيوان.

• إثبات توفر مكان ملائم يضمن السلامة والرفاهية للقرد.

• وجود إشراف طبي بيطري دوري.

ويرتبط هذا الحظر أو التنظيم بعدة اعتبارات أهمها حماية الحياة البرية من الاستغلال، ومنع انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ، وضمان سلامة الإنسان والمجتمع من أخطار هذه الحيوانات عند الكبر أو الغضب أو الخوف.

في العالم العربي، تختلف القوانين من دولة إلى أخرى. ففي بعض الدول يُمنع بيع أو استيراد القردة تماماً، بينما تسمح دول أخرى بامتلاكها بشروط صارمة. ومن المهم جداً الرجوع إلى القوانين المحلية وعدم الاستهانة بها، إذ قد يؤدي مخالفتها إلى غرامات كبيرة أو السجن أو مصادرة الحيوان.

مخاطر تربية القردة المنزلية على الإنسان

تربية القرود ليست فقط مسألة طريفة أو ممتعة، بل تنطوي على العديد من المخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية، أبرزها:

الأمراض الحيوانية المنشأ (Zoonoses)

القردة قد تنقل للإنسان عدداً كبيراً من الأمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيليات، منها:

• فيروس الهربس B: يصيب بعض أنواع القردة ويمكن أن يسبب التهاباً دماغياً قاتلاً عند البشر.

• فيروسات شبيهة بفيروس نقص المناعة (SIV): والتي تعتبر سلفاً لفيروس HIV لدى الإنسان.

• السالمونيلا والطفيليات المعوية: التي تنتقل عبر البراز أو التلامس.

• داء الكلب (السعار): الذي قد تنقله القردة عند العض.

العدوانية والتقلبات السلوكية

القردة ليست كائنات لطيفة طوال الوقت. بل قد تصبح عدوانية مع التقدم في السن أو عند تغير الحالة النفسية، خاصة الذكور في سن البلوغ. قد تلجأ إلى العض أو القفز العنيف أو تكسير الأشياء، ما يعرض أفراد العائلة، خاصة الأطفال، إلى خطر الإصابات.

المشاكل السلوكية والاجتماعية

القردة كائنات اجتماعية بطبيعتها، تحتاج إلى تفاعل مع أفراد جنسها بصفة مستمرة. عند حرمانها من هذا التفاعل، تصاب بالإحباط والسلوكيات الانسحابية أو العدوانية أو الاضطرابات النفسية. ومن المعروف أن بعض القردة تبدأ في إيذاء نفسها بالخدش أو الضرب على الرأس نتيجة العزلة أو سوء الرعاية.

المتطلبات المعيشية الخاصة بالقردة

القرد ليس مثل القط أو الكلب. فهو يحتاج إلى بيئة معيشية معقدة تضمن له التحفيز الذهني والحركة الحرة.

حجم القفص والمساحة

لا يمكن حبس القرد في قفص صغير داخل غرفة. بل يحتاج إلى مساحة كبيرة ومهيأة تشبه الغابات الصناعية. من المعايير المطلوبة:

التغذية

القردة تحتاج إلى نظام غذائي متوازن وصحي جداً. يجب ألا تعتمد على الفواكه فقط، بل تحتاج إلى تنوع في المصادر:

• الفواكه الطازجة: مثل التفاح، الموز، العنب، المانجو.

• الخضروات الورقية: كالسبانخ، الجرجير، الكرنب.

• البروتينات: البيض المسلوق، الحشرات المجففة، كميات ضئيلة من اللحوم.

• المكملات الغذائية: فيتامين D، الكالسيوم، الحديد.

يجب تجنب تقديم الأطعمة المصنعة أو المالحة أو الحلوة، فهي ضارة جداً بصحتهم وتؤدي إلى السمنة والسكري وأمراض القلب.

الرعاية الصحية والبيطرية

من المهم جداً توفير متابعة صحية منتظمة للقردة تشمل:

• لقاحات دورية ضد الأمراض المشتركة.

• تحاليل طبية روتينية للكشف عن الطفيليات الداخلية والخارجية.

• مراقبة السلوك لكشف أي تغيرات نفسية أو علامات المرض.

• التعقيم أو الإخصاء (حسب القوانين) للحد من العدوانية عند البلوغ.

قلة من الأطباء البيطريين يمتلكون الخبرة الكافية في علاج القردة، وقد يصعب توفير مستشفى بيطري مختص في بعض المدن، ما يعقد من الرعاية المطلوبة.

طول العمر والتزام طويل الأمد

متوسط عمر القردة يختلف حسب النوع، لكنه يتراوح غالباً بين 20 إلى 40 سنة. وهذا يعني أن الشخص الذي يقرر تربية قرد يجب أن يلتزم برعايته لعقود طويلة، وهو التزام يفوق الالتزام المطلوب لتربية القطط أو الكلاب.

قد يُصاب القرد بالاكتئاب في حال تغيير مكان الإقامة أو فقدان المربي أو إهماله، ويصعب نقله إلى مربٍ جديد بسهولة.

الأبعاد الأخلاقية والبيئية

تربية القرود في المنازل تثير تساؤلات أخلاقية عميقة:

• سرقة القردة من بيئاتها الطبيعية: بعض القردة يتم تهريبها من الغابات بطريقة غير إنسانية.

• تعذيب الأمهات: في حالات كثيرة تُقتل الأم أمام طفلها لأخذه وبيعه.

• الإخلال بالتوازن البيئي: نقص عدد القردة في الغابات يؤدي إلى خلل في دورة التلقيح الطبيعية وانتشار الحشرات.

• تجريد الحيوان من حريته: الحياة في الأسر، مهما كانت مريحة، تظل شكلاً من أشكال الأسر القسري للكائنات البرية.

أبرز أنواع القردة التي تُربى منزلياً

رغم التنوع الكبير في أنواع الرئيسيات، هناك أنواع معينة تُستهدف للتربية بسبب حجمها الصغير أو مظهرها الجذاب:

الاستنتاج العام

من خلال استعراض شامل لمختلف جوانب تربية القرود المنزلية، يتضح أن هذا القرار ليس بسيطاً أو ترفيهياً، بل هو تحدٍ معقد متعدد الأبعاد. لا يمكن اختزاله في فكرة امتلاك حيوان لطيف للتسلية. بل هو مشروع حياتي طويل المدى يتطلب التفرغ، والمعرفة، والرعاية الدقيقة، والموارد المالية والصحية، والاحترام الكامل للطبيعة والبيئة والقوانين.

المراجع:

1. National Primate Research Centers. (2023). Care and Use of Non-Human Primates in Research and as Pets.

2. Humane Society International. (2022). Primates as Pets: The Realities and Risks.