ما سبب نقص كريات الدم الحمراء: الأسباب، الأنواع، الآثار والعلاج

نقص كريات الدم الحمراء، أو ما يعرف علمياً بـ”الأنيميا” أو “فقر الدم”، هو أحد الاضطرابات الدموية الشائعة التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم. يمثل هذا الاضطراب حالة مرضية تنخفض فيها قدرة الجسم على نقل الأوكسجين إلى الأنسجة بشكل كافٍ نتيجة انخفاض عدد كريات الدم الحمراء أو انخفاض تركيز الهيموغلوبين فيها. وتكمن خطورة هذه الحالة في تأثيراتها المتعددة على وظائف الأعضاء الحيوية، بدءاً من التعب المستمر، وصعوبة التركيز، إلى مضاعفات قلبية حادة قد تهدد الحياة.

تتعدد أسباب نقص كريات الدم الحمراء بشكل كبير، وهي تختلف باختلاف العوامل الوراثية، والبيئية، والصحية، والتغذوية. يتطلب فهم هذا الاضطراب النظر في الجوانب الفسيولوجية لتكوين كريات الدم الحمراء، والعوامل المؤثرة في استقرارها، وآليات تكسرها أو فقدانها.

تكوين كريات الدم الحمراء ووظيفتها الحيوية

كريات الدم الحمراء هي خلايا غير نووية تتكون داخل نخاع العظم الأحمر. تلعب هذه الكريات دوراً محورياً في الجسم من خلال نقل الأوكسجين من الرئتين إلى مختلف أنسجة الجسم بواسطة الهيموغلوبين، البروتين المسؤول عن هذه الوظيفة الحيوية. كما تنقل ثاني أكسيد الكربون من الأنسجة إلى الرئتين ليتم التخلص منه أثناء الزفير.

تستمر دورة حياة كريات الدم الحمراء حوالي 120 يوماً، وبعدها يتم تدميرها في الطحال، بينما يعاد استخدام مكوناتها الأساسية (كالحديد) في إنتاج كريات جديدة. عندما يحدث خلل في هذه الدورة، سواء من خلال انخفاض الإنتاج أو زيادة الفقد أو تدمير الخلايا، ينشأ ما يعرف بنقص كريات الدم الحمراء.

الأسباب الرئيسية لنقص كريات الدم الحمراء

تنقسم الأسباب إلى ثلاث مجموعات رئيسية: ضعف الإنتاج، فقدان الدم، وتدمير الكريات الدموية بشكل غير طبيعي.

1. ضعف إنتاج كريات الدم الحمراء

يحدث هذا النوع من النقص عندما يفشل نخاع العظم في إنتاج عدد كافٍ من كريات الدم الحمراء. من أبرز الأسباب:

• نقص الحديد: الحديد عنصر أساسي لتكوين الهيموغلوبين، ونقصه هو السبب الأكثر شيوعاً لفقر الدم حول العالم. غالباً ما ينتج عن سوء التغذية، أو فقدان الدم المزمن (مثل النزيف المعوي أو غزارة الدورة الشهرية).

• نقص الفيتامينات الأساسية: نقص فيتامين B12 أو حمض الفوليك يؤثر سلباً على إنتاج كريات الدم. يؤدي هذا إلى فقر دم ضخم الأرومات، حيث تكون الكريات كبيرة وغير فعالة.

• الأمراض المزمنة: مثل أمراض الكلى المزمنة التي تؤدي إلى نقص في إنتاج الإريثروبويتين (هرمون يحفز إنتاج الكريات الحمراء)، وكذلك أمراض الكبد، أو السرطانات.

• الأمراض الوراثية: مثل الثلاسيميا أو فقر الدم المنجلي، حيث يكون إنتاج الكريات مشوهاً وغير فعال.

• الاضطرابات في نخاع العظم: مثل فقر الدم اللاتنسجي أو السرطانات التي تغزو النخاع (كاللوكيميا أو اللمفوما).

2. فقدان الدم

السبب الثاني الشائع لفقر الدم هو فقد الدم، سواء كان حاداً أو مزمناً:

• النزيف الحاد: نتيجة للحوادث أو الجراحة أو الولادة، يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من الدم في وقت قصير.

• النزيف المزمن: يشمل النزيف من الجهاز الهضمي (قرحة معدية، بواسير، سرطان القولون) أو الجهاز التناسلي (غزارة الدورة الشهرية، الأورام الليفية).

3. تدمير كريات الدم الحمراء

في بعض الحالات، تُدمر كريات الدم الحمراء قبل أن تكمل دورتها الطبيعية، وهو ما يسمى بفقر الدم الانحلالي:

• فقر الدم الانحلالي المناعي: يهاجم جهاز المناعة كريات الدم كما لو كانت أجساماً غريبة.

• الأمراض الوراثية: مثل أنيميا الخلايا المنجلية أو كثرة الكريات الكروية الوراثية.

• العدوى الشديدة: مثل الملاريا أو الإنتان الدموي.

• بعض الأدوية والسموم: التي قد تتسبب في تحلل كريات الدم بشكل غير طبيعي.

أنواع فقر الدم المرتبطة بنقص كريات الدم الحمراء

الأعراض السريرية لنقص كريات الدم الحمراء

تعتمد الأعراض على شدة فقر الدم وسرعة تطوره، وتختلف من شخص لآخر. من أبرز الأعراض:

• الإرهاق العام وفقدان الطاقة.

• ضيق في التنفس عند أقل مجهود.

• شحوب البشرة والأغشية المخاطية.

• تسارع ضربات القلب وخفقان.

• دوخة أو دوار خصوصاً عند الوقوف.

• برودة الأطراف.

• الصداع واضطرابات التركيز.

• تساقط الشعر وتقصف الأظافر.

• في حالات متقدمة: ألم في الصدر أو اضطرابات قلبية.

التشخيص والفحوصات الطبية

يبدأ تشخيص نقص كريات الدم الحمراء من خلال الفحص السريري ثم يتبعه عدد من الفحوصات المعملية لتحديد النوع والسبب:

1. تحليل الدم الكامل (CBC): يقيس عدد كريات الدم الحمراء، نسبة الهيموغلوبين، حجم الكريات (MCV)، وعدد الشبكيات.

2. تحليل الحديد والفريتين: لتقييم مخازن الحديد.

3. تحليل فيتامين B12 وحمض الفوليك.

4. اختبارات وظائف الكلى والكبد.

5. اختبارات نخاع العظم: في حال وجود شك بوجود خلل في إنتاج الخلايا.

6. اختبارات انحلال الدم: تحليل LDH، الهبتوغلوبين، اختبار كومبس المباشر.

العلاج والتدخلات الطبية

يُبنى العلاج على السبب المحدد لفقر الدم، وتتعدد التدخلات بين العلاجات التغذوية، الدوائية، وحتى الجراحية.

1. العلاج الغذائي والمكملات

• مكملات الحديد: تُعطى عن طريق الفم أو بالحقن في حال نقص الحديد.

• مكملات فيتامين B12 أو حمض الفوليك.

• نظام غذائي متوازن غني بالخضروات الورقية، اللحوم الحمراء، الكبد، البيض، الحبوب الكاملة.

2. العلاج الدوائي

• الإريثروبويتين: يستخدم في حالات الفشل الكلوي لتحفيز إنتاج الكريات.

• الأدوية المثبطة للمناعة: في حال فقر الدم الانحلالي المناعي أو فقر الدم اللاتنسجي.

3. نقل الدم

يتم اللجوء إليه في الحالات الشديدة أو الطارئة، حيث تكون مستويات الهيموغلوبين منخفضة جداً وتسبب أعراضاً حادة.

4. العلاج النوعي حسب السبب

• معالجة النزيف إن وُجد (مثل جراحة البواسير أو استئصال الأورام).

• علاج الأمراض المزمنة المصاحبة (كالذئبة الحمراء، أو السرطان).

• زرع نخاع العظم في بعض الحالات الوراثية أو فقر الدم اللاتنسجي.

المضاعفات المحتملة لنقص كريات الدم الحمراء

عند إهمال العلاج أو التأخر في التشخيص، يمكن أن يؤدي فقر الدم إلى مجموعة من المضاعفات الخطيرة تشمل:

• قصور القلب: نتيجة محاولة القلب تعويض نقص الأوكسجين بضخ الدم بشكل أسرع.

• اضطرابات النمو العقلي والجسدي: لدى الأطفال.

• ضعف مناعة الجسم: ما يزيد من فرص الإصابة بالعدوى.

• الوفاة: في الحالات الشديدة وغير المعالجة.

الوقاية واستراتيجيات الصحة العامة

تتمثل الوقاية في تعزيز الصحة العامة والتغذية السليمة، وتشمل:

• تناول غذاء غني بالحديد والفيتامينات الأساسية.

• معالجة أسباب النزيف المزمن.

• فحص النساء الحوامل بشكل دوري وتقديم المكملات الوقائية.

• متابعة الأطفال والرضع غذائياً، وتوفير التحصينات الدورية.

• التوعية الصحية حول الأنظمة الغذائية والتثقيف بأهمية فحص الدم الدوري.

الخلاصة

يعد نقص كريات الدم الحمراء من الاضطرابات الدموية الأكثر شيوعاً وتنوعاً في الأسباب. يعتمد التشخيص على تقييم دقيق وشامل، ويتطلب تدخلات علاجية موجهة بحسب السبب الجذري. للوقاية من فقر الدم آثار بعيدة المدى على الصحة العامة وجودة الحياة. ولأن أسباب هذا الاضطراب تتراوح بين التغذوية والوراثية والمناعية، فإن التعامل معه يتطلب تعاوناً بين المريض والفريق الطبي، إلى جانب توعية مجتمعية مستمرة لتعزيز أنماط الحياة الصحية.

المراجع

1. Hoffbrand A.V., Moss P.A.H. Essential Haematology. Wiley Blackwell.

2. World Health Organization (WHO) – Nutritional Anaemias: Tools for Effective Prevention and Control (2017).