تخطيط الأعصاب: الفحص التشخيصي العصبي

تخطيط الأعصاب: الفحص التشخيصي لوظائف الجهاز العصبي المحيطي

يُعدّ تخطيط الأعصاب من الفحوصات العصبية الأساسية التي تُستخدم لتقييم كفاءة الجهاز العصبي المحيطي ووظائف الأعصاب الطرفية والعضلات، ويساهم في تشخيص مجموعة واسعة من الأمراض العصبية والعضلية. يعتمد هذا الفحص على قياس النشاط الكهربائي في الأعصاب والعضلات، ويُجرى باستخدام أدوات وتقنيات متقدمة تتيح للأطباء تتبع الإشارات العصبية ومدى استجابتها للمحفزات.

في هذا المقال المفصل، سيتم تناول الجوانب المختلفة لتخطيط الأعصاب من الناحية الطبية والتقنية والسريرية، بالإضافة إلى توضيح أنواعه، أهدافه، المؤشرات التي تدعو لاستخدامه، طريقة إجرائه، ومدى دقته في الكشف عن الأمراض المختلفة، مع عرض للاضطرابات التي يتم تشخيصها من خلاله والتمييز بينها، وكذلك التحديات والمستجدات الحديثة في هذا المجال.

أولاً: ما هو تخطيط الأعصاب

تخطيط الأعصاب، والذي يُعرف طبياً باسم تخطيط توصيل الأعصاب (Nerve Conduction Study – NCS)، هو اختبار تشخيصي يستخدم لقياس سرعة وانتظام الإشارات الكهربائية التي تنتقل على امتداد الأعصاب الطرفية. يتم ذلك عن طريق تحفيز العصب كهربائياً في نقطة معينة وقياس الاستجابة في نقطة أخرى، مما يتيح تحديد أي تباطؤ أو انقطاع في الإشارة العصبية.

يرتبط هذا الفحص ارتباطاً وثيقاً بتخطيط العضلات الكهربائي (Electromyography – EMG)، والذي يُستخدم عادة بالتزامن مع تخطيط الأعصاب للحصول على صورة شاملة لوظائف الجهاز العصبي العضلي.

ثانياً: مكونات الجهاز العصبي المعنيّة بتخطيط الأعصاب

لفهم آلية تخطيط الأعصاب، لا بد من معرفة البنية الأساسية للأعصاب الطرفية، وهي تتكون من:

• ألياف عصبية حركية: مسؤولة عن تحفيز العضلات.

• ألياف عصبية حسية: تنقل الإحساس من الجلد والأعضاء إلى الدماغ.

• غمد الميالين: غلاف دهني يحيط بالألياف العصبية ويسرّع انتقال الإشارات.

أي خلل في الألياف العصبية أو في غمد الميالين قد يؤدي إلى ضعف أو فقدان التوصيل العصبي، وهو ما يمكن رصده بدقة من خلال تخطيط الأعصاب.

ثالثاً: أهداف تخطيط الأعصاب

يساعد تخطيط الأعصاب على:

• تحديد موقع ودرجة تلف العصب.

• التمييز بين أمراض الأعصاب الطرفية وأمراض العضلات.

• تقييم طبيعة الإصابة: هل هي إصابة محورية (Axonal) أم إزالة الميالين (Demyelinating)؟

• متابعة تطور الحالة العصبية للمريض.

• المساعدة في تخطيط العلاج، وتحديد الحاجة للجراحة أو العلاج الطبيعي.

رابعاً: الحالات التي يُطلب فيها تخطيط الأعصاب

يُطلب تخطيط الأعصاب في عدد كبير من الحالات، من أبرزها:

• متلازمة النفق الرسغي (Carpal Tunnel Syndrome)

• الاعتلال العصبي السكري

• التصلب الجانبي الضموري (ALS)

• التهاب الأعصاب المتعدد

• إصابات الأعصاب الناتجة عن الحوادث

• ضعف أو ضمور العضلات

• أمراض الموصل العصبي العضلي مثل الوهن العضلي الوبيل

خامساً: أنواع تخطيط الأعصاب

هناك نوعان رئيسيان:

1. تخطيط الأعصاب الحسية:

يُستخدم لقياس الاستجابة الكهربائية الناتجة عن تحفيز العصب الحسي. يُفيد في تشخيص حالات الألم، التنميل، وضعف الإحساس.

2. تخطيط الأعصاب الحركية:

يُستخدم لقياس مدى استجابة العضلات بعد تحفيز العصب الحركي. يُفيد في تقييم ضعف العضلات أو الشلل.

سادساً: طريقة إجراء تخطيط الأعصاب

يتم تخطيط الأعصاب في عيادة الأعصاب أو المختبر المتخصص وفق الخطوات التالية:

1. تحديد مكان العصب المُراد فحصه.

2. توصيل أقطاب كهربائية سطحية على الجلد.

3. تحفيز العصب بواسطة تيار كهربائي بسيط ومؤلم بشكل خفيف.

4. تسجيل الإشارات التي تصل إلى العضلات أو مناطق أخرى على امتداد العصب.

غالبًا ما يُستخدم تخطيط العضلات بالتزامن، وفيه تُدخل إبرة صغيرة داخل العضلة لقياس النشاط الكهربائي الداخلي.

سابعاً: نتائج تخطيط الأعصاب وتفسيرها

يُعطي تخطيط الأعصاب عدة مؤشرات:

ثامناً: دقة الفحص والقيود المحتملة

رغم دقة الفحص العالية، إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تؤثر على نتائجه، مثل:

• درجة حرارة الجسم (البرد يبطئ التوصيل العصبي)

• وجود أمراض مزمنة مثل السكري

• استخدام أدوية تؤثر على الأعصاب

• التغيرات التشريحية أو السمنة

لهذا يُراعى دائماً تفسير النتائج ضمن السياق السريري الكامل وبالربط مع الأعراض والتاريخ المرضي.

تاسعاً: الفروق بين تخطيط الأعصاب وتخطيط العضلات

رغم تداخلهما في الممارسة السريرية، إلا أن هناك فروقاً جوهرية بين تخطيط الأعصاب وEMG:

عاشراً: استخدامات تخطيط الأعصاب في تشخيص الأمراض

يُعد هذا الفحص من الأدوات الأساسية في تشخيص عدد من الحالات المعقدة:

1. الاعتلال العصبي المحيطي (Peripheral Neuropathy):

يُستخدم لتحديد ما إذا كانت الإصابة حسية أو حركية، ومكان الضرر.

2. الأمراض الالتهابية العصبية مثل Guillain-Barré:

يساعد في تحديد شدة الإصابة وتوزعها ومدى الحاجة إلى التدخل العاجل.

3. الإصابات الموضعية مثل قطع العصب:

يُحدد بدقة مكان ودرجة القطع أو الانضغاط، خاصة بعد الحوادث.

4. الوهن العضلي الوبيل:

رغم أن التشخيص الأساسي يتم عبر اختبارات تحفيز متكرر، إلا أن تخطيط الأعصاب يُستكمل أحيانًا لتقييم الاستجابات.

الحادي عشر: التحضيرات قبل إجراء تخطيط الأعصاب

لا يتطلب الفحص تحضيرات خاصة، لكن يُنصح بـ:

• تجنّب الكريمات أو الزيوت على الجلد يوم الفحص.

• ارتداء ملابس مريحة تسمح بالوصول إلى الذراعين أو الساقين.

• إعلام الطبيب بأي أمراض مزمنة أو أدوية يتم تناولها.

الثاني عشر: أحدث التقنيات في تخطيط الأعصاب

شهد هذا المجال تطوراً تقنياً ملحوظاً:

• الأجهزة المحمولة: تسمح بإجراء الفحص في غرف العمليات أو على الأسرّة.

• برامج تحليل آلية: توفر تقارير دقيقة وفورية عن سرعة التوصيل وشكل الإشارات.

• الذكاء الاصطناعي: بدأ يُستخدم لتحليل نمط الإشارات الكهربائية وتقديم تشخيص مبدئي.

الثالث عشر: أهمية تخطيط الأعصاب في المتابعة والعلاج

تُستخدم النتائج في:

• رسم خطة العلاج الطبيعي.

• تحديد الحاجة للجراحة العصبية.

• متابعة تقدم أو تدهور الحالة العصبية.

• قياس فعالية العلاج الدوائي في حالات الاعتلال العصبي.

الرابع عشر: الاضطرابات التي لا يظهرها تخطيط الأعصاب

رغم دقته، لا يمكن استخدام تخطيط الأعصاب لتشخيص جميع الاضطرابات العصبية. على سبيل المثال:

• أمراض الدماغ والحبل الشوكي المركزية مثل التصلب المتعدد لا تُظهر خللاً في تخطيط الأعصاب الطرفية.

• الاضطرابات النفسية لا تؤثر على الإشارات العصبية المسجلة.

• بعض الاضطرابات العضلية المبكرة قد لا تُظهر تغيرات ملحوظة.

الخامس عشر: الأعراض التي تستدعي الفحص

يُوصى بإجراء تخطيط الأعصاب عند ظهور الأعراض التالية:

• تنميل أو خدر مستمر في الأطراف

• آلام كهربائية أو حرقة في اليدين أو القدمين

• ضعف في عضلات اليد أو الساق

• سقوط القدم أو صعوبة في حمل الأشياء

• تشنجات أو تقلصات عضلية متكررة

خاتمة

يمثل تخطيط الأعصاب أداة تشخيصية حيوية تساعد الأطباء في تحديد المشكلات المتعلقة بالتوصيل العصبي بدقة عالية. فهو يُقدم معلومات كمية وموضوعية حول وظيفة الأعصاب الطرفية، ويساعد في اتخاذ قرارات علاجية دقيقة. وبالرغم من أن بعض القيود التقنية والسريرية قد تحدّ من استخدامه الكامل، إلا أنه لا يزال الركيزة الأساسية في تقييم كثير من الحالات العصبية المعقدة، لا سيما عند دمجه مع التخطيط الكهربائي للعضلات والفحوص الإكلينيكية الدقيقة.

المراجع

1. Preston, D. C., & Shapiro, B. E. (2013). Electromyography and Neuromuscular Disorders: Clinical-Electrophysiologic Correlations. Elsevier Health Sciences.

2. Kimura, J. (2013). Electrodiagnosis in Diseases of Nerve and Muscle: Principles and Practice. Oxford University Press.