الجلوس لساعات طويلة يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب: دراسة جديدة تكشف الرابط الخطير
في عصرنا الحديث الذي يشهد تطوراً تكنولوجياً مذهلاً، أصبح نمط الحياة العصري يعتمد بشكل متزايد على الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات، سواء للعمل أو الترفيه. ومع هذا التحول الكبير في أسلوب الحياة، تنامى القلق بشأن تأثير هذا السلوك على الصحة العامة، وخاصةً على صحة القلب. فقد أظهرت العديد من الدراسات الحديثة أن الجلوس لفترات طويلة قد يرفع بشكل كبير من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، الأمر الذي يستدعي اهتماماً جاداً من قبل الأفراد، الأطباء، والهيئات الصحية العالمية. هذا المقال يناقش الآثار المدمرة التي قد تنجم عن الجلوس المطول على صحة القلب والأوعية الدموية، مستندًا إلى نتائج الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة.
الجلوس الطويل: أكثر من مجرد حالة من الراحة
قد يعتقد الكثيرون أن الجلوس لساعات طويلة يمثل مجرد حالة من الراحة والاسترخاء، سواء في العمل أو أثناء مشاهدة التلفاز. ولكن، الحقيقة أن هذا السلوك يتسبب في تعطيل وظائف الجسم الحيوية بشكل تدريجي. في هذا السياق، تشير العديد من الأبحاث إلى أن الجلوس لفترات طويلة يمكن أن يؤثر على الدورة الدموية في الجسم، ويؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية التي تتراوح من زيادة الوزن إلى زيادة احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
تأثير الجلوس على نظام القلب والأوعية الدموية
يؤثر الجلوس لفترات طويلة على صحة القلب بشكل مباشر، حيث يقلل من النشاط البدني ويساهم في قلة الحرق الحراري للدهون. وهذا بدوره يؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم، خاصة في منطقة البطن. تعتبر الدهون البطنية من أكثر أنواع الدهون خطورة على صحة القلب، حيث ترتبط بارتفاع ضغط الدم، زيادة مستويات الكوليسترول الضار (LDL)، وانخفاض مستويات الكوليسترول الجيد (HDL).
إضافة إلى ذلك، يؤدي الجلوس المطول إلى انخفاض معدل نبضات القلب، مما يعني أن القلب لا يعمل بالشكل الأمثل لضخ الدم المحمل بالأوكسجين والعناصر الغذائية إلى مختلف أجزاء الجسم. وهذا يؤدي إلى تدهور صحة الأوعية الدموية، ويجعلها أكثر عرضة للتصلب والانسداد، مما يزيد من خطر الإصابة بالجلطات القلبية والسكتات الدماغية.
الدراسات الحديثة: الجلوس والمخاطر الصحية
وفقًا لدراسة نُشرت في “مجلة جمعية القلب الأمريكية” عام 2020، فإن الأشخاص الذين يقضون أكثر من 6 ساعات يوميًا في الجلوس يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب مقارنةً بالأشخاص الذين لا يجلسون لفترات طويلة. وقد أظهرت الدراسة أن الجلوس الطويل يرتبط بزيادة معدلات السمنة، ارتفاع ضغط الدم، وزيادة مستويات الدهون في الدم.
تؤكد دراسة أخرى أجرتها “جامعة هارفارد” في عام 2021 على أن الجلوس المستمر دون حركة يؤدي إلى انخفاض مستويات البروتينات التي تعمل على تعزيز صحة الأوعية الدموية. أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يعتادون الجلوس لفترات طويلة يعانون من انخفاض مرونة الأوعية الدموية، مما يزيد من احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية والجلطات الدموية.
العلاقة بين الجلوس وزيادة الوزن
من العوامل التي تساهم في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب نتيجة للجلوس الطويل هو ارتباطه الوثيق بزيادة الوزن. عندما يظل الشخص جالسًا لفترات طويلة، فإن معدل الأيض في الجسم ينخفض بشكل ملحوظ، مما يعيق قدرة الجسم على حرق السعرات الحرارية. هذا يؤدي إلى زيادة الوزن، خاصةً في منطقة البطن، مما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة. والسمنة بدورها تُعد من العوامل الرئيسية التي ترفع من احتمالات الإصابة بأمراض القلب، حيث أنها تزيد من مستوى الالتهابات في الجسم وتؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول.
التغيرات في مستوى السكر في الدم
أحد التأثيرات الأخرى المقلقة للجلوس لفترات طويلة هو تأثيره على مستويات السكر في الدم. كشفت دراسة أجراها الباحثون في “جامعة كوينزلاند” في أستراليا أن الجلوس لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى مقاومة الأنسولين، وهي حالة تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2. ومما يزيد الأمر خطورة هو أن مرض السكري من النوع 2 يرتبط بشكل وثيق بأمراض القلب والأوعية الدموية. إذا كان الجسم غير قادر على استخدام الأنسولين بشكل فعال، فإن مستويات السكر في الدم ترتفع، مما يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض القلب.
تأثير الجلوس على ضغط الدم
عند الجلوس لفترات طويلة، يتعرض الجسم لفقدان جزئي في توازن السوائل، مما يؤدي إلى انخفاض قدرة الأوعية الدموية على التمدد والانقباض بشكل فعال. هذا قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وهي حالة تُعد من العوامل الأساسية في الإصابة بأمراض القلب. الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلاً في الجلوس قد يعانون من زيادة في مقاومة الأوعية الدموية، مما يجعل تدفق الدم أكثر صعوبة.
الحلول والوقاية: كيف يمكن تقليل المخاطر؟
لحسن الحظ، يمكن تقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالجلوس الطويل من خلال إجراء بعض التعديلات البسيطة في نمط الحياة. يُنصح الخبراء باتباع النصائح التالية:
-
التحرك بانتظام: من المهم أخذ فترات راحة قصيرة خلال اليوم للقيام ببعض الأنشطة البدنية. يُفضل أن يحرص الشخص على الوقوف أو المشي لمدة 5 دقائق كل ساعة. يمكن أيضاً ممارسة بعض التمارين البسيطة مثل تمديد الجسم أو المشي في المكان.
-
التمارين الهوائية: ممارسة التمارين الهوائية بانتظام، مثل المشي السريع، الركض، السباحة، أو ركوب الدراجة، تساهم في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية. ينصح الخبراء بممارسة التمارين الهوائية لمدة 150 دقيقة على الأقل أسبوعيًا.
-
استخدام المكاتب القابلة للتعديل: يمكن للأشخاص الذين يعملون لفترات طويلة على الكمبيوتر استخدام المكاتب القابلة للتعديل، التي تسمح لهم بالتبديل بين الجلوس والوقوف أثناء العمل.
-
التركيز على التغذية الصحية: تبني نظام غذائي متوازن يحتوي على كميات كبيرة من الفواكه، الخضراوات، البروتينات الصحية والدهون الجيدة يمكن أن يساعد في تقليل تأثير الجلوس على صحة القلب.
-
التركيز على تقليل الجلوس أمام الشاشات: تحديد وقت معين لاستخدام الأجهزة الإلكترونية يساعد في تقليل فترات الجلوس الطويلة. ينصح بالاستراحة بين فترات استخدام الهواتف أو الكمبيوتر.
الخلاصة
الجلوس لفترات طويلة ليس مجرد عادة غير صحية، بل هو عامل خطر رئيسي يساهم في العديد من المشاكل الصحية، بما في ذلك أمراض القلب. رغم أن أسلوب الحياة العصري يميل إلى جعل الجلوس الطويل جزءاً من روتيننا اليومي، فإن إدراك مخاطر هذه العادة وتبني نمط حياة أكثر نشاطًا يمكن أن يحسن بشكل كبير من صحة القلب ويقلل من احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة.
