زيادة التعرق عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج

تُعدّ ظاهرة زيادة التعرق عند الأطفال من الحالات الشائعة التي قد تُثير قلق الأهل، خاصةً عندما لا تكون مرتبطة بظروف بيئية واضحة كارتفاع درجة الحرارة أو النشاط البدني. رغم أن التعرق يُعدّ عملية فسيولوجية طبيعية تساعد الجسم في تنظيم حرارته، إلا أن الإفراط فيه قد يكون مؤشراً على وجود اضطراب داخلي أو خلل في الجهاز العصبي أو الغدد العرقية. وفي بعض الحالات، قد تكون هذه الظاهرة عابرة ولا تستدعي القلق، لكنها في حالات أخرى تستوجب تقييماً دقيقاً لتحديد الأسباب الكامنة وتقديم العلاج المناسب.

تتنوع الأسباب بين عوامل وراثية وفسيولوجية وأحياناً مرضية، وتختلف حسب عمر الطفل، حالته الصحية العامة، والنمط الوراثي للعائلة. في هذا المقال الموسّع، سيتم تسليط الضوء على جميع جوانب هذه الحالة، بدايةً من الفهم الفسيولوجي لعملية التعرق، مروراً بأسباب زيادة التعرق عند الأطفال، أنواعها، آليات التشخيص، وحتى سبل العلاج والوقاية.

الفسيولوجيا الطبيعية للتعرق

التعرق هو عملية تنظمها الغدد العرقية المنتشرة في أنحاء الجسم، وتحديداً الغدد العرقية الإكرينية (Eccrine glands)، والتي تنشط استجابة لارتفاع درجة حرارة الجسم أو النشاط البدني أو الضغط النفسي. توجد هذه الغدد بكثرة في راحتي اليدين، باطن القدمين، وتحت الإبط. عند الأطفال، قد تكون الغدد العرقية أكثر حساسية أو نشاطاً مقارنة بالبالغين، مما يجعل بعضهم أكثر عرضة للتعرق حتى في الظروف العادية.

أنواع زيادة التعرق عند الأطفال

تنقسم حالات فرط التعرق عند الأطفال إلى نوعين رئيسيين:

1. فرط التعرق الأولي (الأساسي)

ويُعرف بأنه زيادة التعرق دون وجود سبب عضوي واضح. غالباً ما يبدأ في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ويصيب مناطق محددة مثل اليدين، القدمين، وتحت الإبطين. يرتبط هذا النوع بعوامل وراثية ويُعتقد أن فرط نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي يلعب دوراً فيه.

2. فرط التعرق الثانوي

ويحدث نتيجة لوجود حالة طبية كامنة مثل العدوى، أمراض الغدد الصماء، الاضطرابات العصبية، أو استخدام بعض الأدوية. يتميز بكونه غالباً ما يصيب كامل الجسم (تعرق معمم) ويحدث أثناء النوم، وهو ما يُميزه عن النوع الأولي.

الأسباب المحتملة لزيادة التعرق عند الأطفال

الأعراض المصاحبة

في العديد من الحالات، يُعد التعرق المفرط العرض الوحيد. ولكن في حالات فرط التعرق الثانوي، قد تظهر أعراض إضافية تساعد في توجيه التشخيص، مثل:

• فقدان الوزن غير المبرر

• الحمى المتكررة

• اضطرابات النوم بسبب التعرق الليلي

• التعب العام

• تسارع نبضات القلب

• التهيج أو العصبية

التشخيص

تشخيص حالة فرط التعرق عند الأطفال يتطلب تقويماً سريرياً دقيقاً يشمل:

1. التاريخ الطبي

يشمل مراجعة شاملة للأعراض، توقيت التعرق، المحفزات، وجود أعراض أخرى، وتاريخ العائلة.

2. الفحص السريري

يُستخدم لفحص أماكن التعرق وتحديد إذا ما كانت موضعية أو معممة، وأيضاً لاستبعاد الأمراض الجلدية أو العصبية أو الغدية.

3. التحاليل المخبرية

وتُستخدم لاستبعاد الأسباب الثانوية مثل:

• تحاليل الدم للغدة الدرقية (TSH, FT4)

• مستوى الجلوكوز في الدم

• مؤشرات الالتهاب (CRP, ESR)

• تحاليل للعدوى إن وُجدت أعراض مرافقة

4. اختبارات إضافية

في بعض الحالات، قد يُطلب تصوير بالرنين المغناطيسي أو تخطيط كهربية الأعصاب إذا وُجدت شكوك في اضطراب عصبي.

تأثير التعرق المفرط على جودة حياة الطفل

قد يُؤثّر التعرق الزائد على الحالة النفسية والسلوكية للطفل، خاصةً إذا تسبب في الإحراج أو الحد من التفاعل الاجتماعي. ومن أبرز الآثار:

• انخفاض الثقة بالنفس، خصوصاً في الأنشطة المدرسية أو الألعاب الجماعية.

• صعوبة في استخدام الأدوات الدراسية، مثل الأقلام نتيجة التعرق في اليدين.

• ظهور مشاكل جلدية مثل الطفح، الالتهابات الفطرية، أو تسلخ الجلد في مناطق التعرق الزائد.

• اضطرابات النوم إذا كان التعرق يحدث ليلاً.

العلاج

يعتمد علاج فرط التعرق عند الأطفال على نوعه وشدته وسببه:

أولاً: العلاج غير الدوائي

• تعديل نمط الحياة: استخدام ملابس قطنية، التهوية الجيدة، تجنب الأطعمة المحفزة مثل الأطعمة الحارة.

• النظافة اليومية: الاستحمام المنتظم لتقليل الروائح ومنع الالتهابات الجلدية.

• التوجيه النفسي: خصوصاً في حالات التعرق المرتبط بالقلق أو الخجل.

ثانياً: العلاج الدوائي

• مضادات التعرق الموضعية: مثل كلوريد الألومنيوم بنسبة 15-20%، تُستخدم في الليل لتقليل الإفرازات.

• مضادات الكولين: مثل الغليكوبيرولات Glycopyrrolate، لكنها نادراً ما تُستخدم عند الأطفال بسبب الأعراض الجانبية.

• الأدوية النفسية: تُستخدم في حال ارتبط التعرق بالقلق أو التوتر، ولكن يجب أن تكون تحت إشراف طبيب مختص.

ثالثاً: العلاج بالتقنيات الحديثة

• العلاج بالتيار الكهربائي (Iontophoresis): يُستخدم غالباً في حالات تعرّق اليدين والقدمين، ويعمل على تقليل نشاط الغدد العرقية من خلال تمرير تيار كهربائي خفيف في الماء.

• حقن البوتوكس: أثبتت فعالية كبيرة في تقليل التعرق في مناطق معينة، لكنها تتطلب تكرار كل 6 أشهر تقريباً، ونادراً ما يُلجأ لها عند الأطفال.

• الجراحة: تُعتبر الملاذ الأخير، وتتمثل غالباً في قطع الأعصاب السمبثاوية، وتُستخدم فقط في الحالات الشديدة جداً التي لا تستجيب للعلاجات الأخرى.

الوقاية والرعاية المنزلية

• تجنب ارتداء الملابس الصناعية أو الضيقة.

• تشجيع الطفل على شرب كميات كافية من الماء لتعويض فقد السوائل.

• استخدام بودرة مضادة للفطريات في حال تعرّق القدمين.

• المتابعة الدورية مع طبيب الأطفال إذا ظهرت أعراض جديدة.

جدول مقارنة بين أنواع فرط التعرق

دور الأهل والمدرسة في دعم الطفل

يلعب الأهل والمعلمون دوراً محورياً في تقبّل الطفل لنفسه وتوفير بيئة خالية من التنمر والضغوط النفسية، من خلال:

• تفهم الحالة الطبية وشرحها للطفل بطريقة بسيطة.

• عدم التقليل من مشاعره أو تجاهل شكواه.

• إشراك المعلمين في الخطة العلاجية لضمان دعم الطفل داخل البيئة المدرسية.

الخاتمة

تُعدّ زيادة التعرق عند الأطفال ظاهرة قد تكون عابرة أو مؤشراً على حالة طبية تحتاج لتدخل. الفهم الصحيح لهذه الحالة والتمييز بين النوعين الأساسي والثانوي يُسهّل وضع خطة علاجية فعالة. ورغم أن معظم الحالات لا تكون خطيرة، فإن التأثير النفسي والاجتماعي لها قد يكون كبيراً، مما يجعل التشخيص المبكر والتعامل الشامل أمراً ضرورياً. تكمن أهمية المتابعة المستمرة والدعم الأسري في ضمان تطور صحي ونفسي متوازن للطفل.

المراجع:

1. International Hyperhidrosis Society

2. Mayo Clinic. Hyperhidrosis. Accessed 2024.