الإرهاب والتطرف العالمي يمثلان ظاهرتين متداخلتين ومعقدتين يشكلان تهديدًا مباشرًا للأمن العالمي. في كتابه “الإرهاب العالمي والتطرف: صراع الظواهر وتضارب المسلمات في ظل العولمة”، يقدم الدكتور سعود الشرفات تحليلًا عميقًا للعلاقة بين الإرهاب والعولمة، مع التركيز على فهم الجذور الثقافية، السياسية، والاجتماعية لهذه الظاهرة التي استفحلت في العقدين الأخيرين.
في هذا الكتاب، يعرض الشرفات رؤية متعددة الأبعاد لفهم آليات انتشار التطرف والإرهاب، حيث يدمج بين التحليلات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، والأمنية لظاهرة الإرهاب العالمي في عصر العولمة. يتناول الكتاب أيضًا تأثير العولمة على نشر الأفكار المتطرفة، ويسلط الضوء على دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز انتشار الأيديولوجيات المتطرفة وجذب فئات واسعة من الشباب.
الإرهاب والعولمة: ثنائية متناقضة أم متكاملة؟
يرى الشرفات أن الإرهاب هو ثمرة متعفنة للعولمة، حيث أن العولمة – على الرغم من جوانبها الإيجابية – أسهمت في تسهيل انتقال الأفكار المتطرفة عبر الحدود، وساهمت في تضخيم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الدول والمجتمعات. يناقش الكتاب كيف أن العولمة، التي أتت بتواصل عالمي غير مسبوق وتدفق حر للمعلومات والأفكار، قد مهدت الطريق أمام انتشار أيديولوجيات التطرف والإرهاب على نطاق عالمي.
إحدى المسائل المهمة التي يعالجها الكتاب هي كيف أصبح الإرهاب أداة تستغلها بعض القوى العالمية والإقليمية لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية. يشير الشرفات إلى أن الإرهاب لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الديناميات السياسية العالمية، بل يجب فحصه في سياق الصراعات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة العربية والعالم الإسلامي في العقود الأخيرة.
العلاقة بين الإرهاب والتطرف: جذور فكرية ونفسية
يؤكد الشرفات أن التطرف ليس ظاهرة نابعة من فراغ، بل هو نتاج تفاعل معقد بين عدة عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. يعزو الشرفات جذور التطرف إلى مشاعر الإحباط والظلم الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه الأفراد في العديد من المجتمعات، ويشير إلى أن الجماعات الإرهابية تستغل هذه المشاعر لتجنيد الأفراد، خاصة الشباب، الذين يشعرون بأنهم مهمشون ومنبوذون من المجتمع.
في هذا السياق، يبرز الكتاب أهمية الفقر والبطالة كعوامل محورية في دفع الأفراد نحو التطرف. من خلال استعراض العديد من الدراسات والإحصاءات، يشير الشرفات إلى أن الجماعات المتطرفة تعتمد بشكل أساسي على استغلال الفقر والحرمان الاجتماعي كوسيلة لجذب أفراد جدد إلى صفوفها. الفقراء، المهمشون، العاطلون عن العمل هم الأكثر عرضة للاستقطاب من قبل التنظيمات الإرهابية التي تقدم لهم الأمل في التغيير والانتماء.
الإرهاب كظاهرة سياسية واجتماعية
يعتمد الشرفات في تحليله على مجموعة واسعة من الأدبيات السياسية والاجتماعية لفهم أسباب انتشار الإرهاب في العالم، ويرى أن هذه الظاهرة ليست مجرد فعل عنيف، بل هي تعبير عن صراع سياسي واجتماعي عالمي. وفي هذا الإطار، يعتبر الشرفات أن الإرهاب أصبح اليوم أداة بيد العديد من الجماعات السياسية لتحقيق مكاسب معينة في ظل حالة الفوضى التي شهدتها العديد من الدول، خاصة بعد ما يعرف بـ”الربيع العربي”.
يستعرض الشرفات الأحداث الكبرى التي شهدها العالم العربي خلال العقد الماضي، ويؤكد أن الفوضى السياسية والأمنية التي أعقبت تلك الأحداث قد وفرت بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية. يشرح كيف أن العديد من الجماعات المتطرفة استغلت انهيار الدول والمجتمعات، وتفكك البنى الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهدافها.
تأثير العولمة في تفاقم الظاهرة الإرهابية
يرى الشرفات أن العولمة، بما تتيحه من تواصل عالمي وانتقال سريع للأفكار والمعلومات، قد أسهمت بشكل مباشر في انتشار التطرف العنيف على المستوى العالمي. التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أدوات فعالة في يد التنظيمات الإرهابية لنشر أيديولوجياتها وتجنيد الأفراد. الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وفرت للجماعات الإرهابية منصة لنشر دعاياتها والتحريض على العنف بشكل غير مسبوق، حيث يتم استخدام الفيديوهات الترويجية والمواقع الإلكترونية لتعبئة الأفراد وحثهم على الانضمام إلى صفوف الجماعات المتطرفة.
في هذا السياق، يناقش الكتاب كيف استطاعت الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة استخدام تقنيات الاتصال الحديثة لتحقيق أهدافها. يشير الشرفات إلى أن هذه الجماعات قد استفادت من تكنولوجيا العولمة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وأن قدرتها على الانتشار والتوسع قد تزايدت بفضل الإنترنت ووسائل الإعلام الحديثة.
الشباب والتطرف: الضحية الأولى للعولمة
خصص الشرفات جزءًا كبيرًا من كتابه للحديث عن دور الشباب في ظاهرة الإرهاب والتطرف. يشير إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر عرضة للتأثر بالتطرف العنيف، ويرى أن هذه الظاهرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبطالة والفقر والتهميش الاجتماعي. يوضح أن الجماعات الإرهابية تستغل هذه العوامل لاستقطاب الشباب، حيث تقدم لهم وعودًا بتحقيق العدالة والمساواة والكرامة.
الشباب الذين يشعرون بأنهم مهمشون في مجتمعاتهم يكونون أكثر عرضة للانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي تقدم لهم شعورًا بالانتماء والهدف. في هذا الإطار، يؤكد الشرفات أن الحلول الأمنية وحدها لن تكون كافية لمكافحة التطرف والإرهاب، بل يجب التركيز على حلول اقتصادية واجتماعية تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للتطرف.
الإحصائيات والتحديات الأمنية
يدعم الشرفات تحليله بمجموعة من الإحصائيات والتقارير التي توضح مدى تفاقم ظاهرة الإرهاب والتطرف على مستوى العالم. يشير إلى أن الأردن، على سبيل المثال، قد شهد منذ عام 1970 وحتى عام 2018 حوالي 132 عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل 156 شخصًا. ويؤكد أن هذه الأرقام تكشف عن التحديات الكبيرة التي تواجه الدول في مكافحة الإرهاب والتطرف.
في هذا السياق، يناقش الشرفات مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام في سيدني، والذي يقيس تأثير الإرهاب في 163 دولة حول العالم. يشير إلى أن الأردن احتل المرتبة 60 عالميًا على هذا المؤشر خلال الفترة من 2000 إلى 2018، مما يعكس حجم التحدي الذي تواجهه البلاد في التصدي لهذه الظاهرة.
الحلول المقترحة
في الفصل الأخير من الكتاب، يقدم الشرفات مجموعة من الحلول المقترحة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف. يشدد على ضرورة تمكين الأصوات المعتدلة ودعم جهود الإصلاح والديمقراطية في المجتمعات التي تعاني من التطرف. كما يدعو إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، حيث يرى أن الظاهرة تتطلب استراتيجية دولية متكاملة لمكافحتها.
يركز الشرفات أيضًا على أهمية إصلاح التعليم كأحد الأدوات الرئيسية في مكافحة التطرف. يرى أن النظام التعليمي في العديد من الدول العربية بحاجة إلى مراجعة شاملة تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي ونشر قيم التسامح والانفتاح.
ملخص
في سائقه الأدبي المتميز، يأخذنا الكاتب سعود الشرفات في رحلة عبر صفحات كتابه الرائع “الإرهاب العالمي والتطرف”. إن هذا العمل الأدبي الذي صدر عن دار النشر الأهلية للنشر والتوزيع في عام 2016، يشكل محطة هامة في فهم السياسة الدولية ويسلط الضوء على ظاهرة الإرهاب والتطرف التي تهز عروش الأمن العالمي.
تتألق صفحات الكتاب، البالغ عددها 175 صفحة، بالغلاف الورقي الذي يلفت النظر ويعكس أهمية الموضوع الذي يتناوله الكتاب. يقدم الكاتب في هذا العمل الأدبي تحليلاً عميقاً وشاملاً لمفهوم الإرهاب العالمي، حيث يستعرض الأحداث والظروف التي أدت إلى تصاعد هذه الظاهرة الخطيرة.
من خلال أسلوبه السلس والمواكب للأحداث، يقدم الشرفات للقارئ تفاصيل دقيقة حول الجذور التاريخية للتطرف والإرهاب، مبرزاً العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في نمو هذه الآفة. كما يرتكب الكتاب طريقاً لفهم أفقي للسياسة الدولية، حيث يلقي الضوء على كيفية تأثير الأحداث العالمية على انتشار الإرهاب.
يتعامل الشرفات بجدية مع هذا الموضوع الحساس، حيث يتجنب التبسيط الزائد ويقدم تحليلاً مستفيضاً للتحديات التي تواجه المجتمع الدولي. كما يرفع الكتاب علم التحليل السياسي إلى مستوى جديد، حيث يتنقل بين السياسة الدولية والمظاهر الثقافية والاقتصادية التي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل المشهد الدولي.
باختصار، يعد كتاب “الإرهاب العالمي والتطرف” لسعود الشرفات مرجعاً مهماً لفهم السياسة الدولية في ظل التحديات الراهنة. يمثل هذا العمل الأدبي الغني بالمعلومات إسهاماً قيماً في الحوار العالمي حول كيفية التصدي لمشكلة الإرهاب والتطرف، ويوفر رؤية متعمقة تنير الطريق نحو عالم أكثر استقراراً وأماناً.