أنواع النكوص في علم النفس
النكوص هو مصطلح نفسي يشير إلى تراجع الفرد في سلوكه أو حالته النفسية إلى مرحلة مبكرة من النمو كانت قد مرت بها في وقت سابق من حياته. قد يحدث هذا التراجع نتيجة لضغوط نفسية أو صدمات عاطفية أو ظروف حياتية مٌعينة، وقد ينعكس النكوص في عدة جوانب مثل السلوكيات، العواطف، وحتى تفكير الشخص. يندرج النكوص ضمن مجموعة من الاستجابات النفسية التي تدل على فشل الفرد في التكيف مع التحديات الجديدة أو المواقف المجهدة.
1. النكوص كآلية دفاعية
واحدة من أبرز الوظائف التي يؤديها النكوص هي كآلية دفاعية في مواجهة المواقف العاطفية أو الاجتماعية المؤلمة. وفقًا لنظرية التحليل النفسي التي وضعها سيغموند فرويد، فإن النكوص يحدث عندما يواجه الفرد صعوبة في مواجهة مشاعر الألم أو الخوف أو الصدمة، فيلجأ إلى العودة إلى سلوكيات كانت قد تطورت في مرحلة طفولته. على سبيل المثال، قد يعود الفرد إلى سلوكيات الطفولة مثل التبول اللاإرادي أو مص الإصبع أو العناد، في محاولة للهروب من مواجهة مشاعره الحالية.
إن هذه الاستجابة الدفاعية لا تعني بالضرورة أن الشخص يعاني من مرض نفسي، بل هي ببساطة طريقة يتعامل بها العقل مع الضغوط النفسية الهائلة.
2. النكوص العاطفي
يشير النكوص العاطفي إلى التراجع إلى أنماط شعورية أو عاطفية مرتبطة بمراحل سابقة من النمو. في مرحلة الطفولة، يمر الإنسان بتجارب عاطفية يتم تشكيلها بشكل كبير عبر تفاعلاته مع الآخرين، خاصة مع الأهل والمحيط المباشر. وعندما يواجه الفرد ضغوطًا أو صعوبات عاطفية، قد يعود إلى مشاعر الطفولة مثل الخوف، القلق، أو الشعور بالوحدة والرفض.
النكوص العاطفي قد يظهر في العلاقات الشخصية حيث يمكن أن يعيد الشخص التفاعل مع الآخرين بنفس الطريقة التي تفاعل بها في الطفولة، مثل البحث المستمر عن الاهتمام أو الشعور بالغيرة المفرطة أو الخوف من الفقدان.
3. النكوص السلوكي
النكوص السلوكي يحدث عندما يبدأ الفرد في اتخاذ سلوكيات كانت قد توقفت في مرحلة معينة من حياته. يحدث هذا النوع من النكوص عادة عندما يواجه الشخص مواقف حياتية تتطلب منه العودة إلى أنماط سلوكية كانت قد تجاوزها سابقًا.
من الأمثلة الشائعة على النكوص السلوكي: العودة إلى السلوكيات التي تدل على التمرد أو العناد عند مواجهة ضغوط اجتماعية أو مهنية، أو العودة إلى سلوكيات الاعتماد على الآخرين بشكل مفرط بعد أن أصبح الشخص قادرًا على الاستقلالية.
4. النكوص في التفكير والعقلية
النكوص في التفكير يشير إلى العودة إلى طريقة التفكير التي كانت سائدة في مرحلة سابقة من النمو، مثل التفكير الطفولي أو التبسيطي. عند مواجهة مواقف معقدة أو غير مألوفة، قد يعود الشخص إلى التفكير بشكل غير ناضج أو سطحي، كما لو كان في مرحلة الطفولة.
هذا النوع من النكوص يمكن أن يظهر من خلال اتخاذ قرارات غير عقلانية أو ساذجة، أو تبني حلول مبسطة للمشاكل الكبرى. قد يؤدي هذا إلى ضعف القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات بشكل فعال.
5. النكوص في العلاقات
النكوص في العلاقات يحدث عندما يعود الفرد إلى أنماط تفاعل كانت قد تلاشت في مراحل سابقة من حياته. على سبيل المثال، قد يظهر النكوص في العلاقات الحميمة من خلال إظهار سلوكيات تابعة أو متطلبة، مثل التمسك الزائد أو الخوف من الخيانة.
يمكن أن يحدث النكوص في العلاقات الزوجية أو الصداقات أيضًا، حيث يصبح الشخص أكثر عرضة للصراعات العاطفية التي تذكره بتجارب ماضية أو طفولية، مثل الإحساس بالرفض أو الهجر.
6. النكوص الاجتماعي
يشير النكوص الاجتماعي إلى التراجع في سلوك الفرد داخل المجتمع أو في مواقف اجتماعية معينة. قد يظهر هذا النوع من النكوص في شكل انسحاب من المواقف الاجتماعية أو تراجع في مستوى التفاعل مع الآخرين، مثل العودة إلى العزلة الاجتماعية أو الاعتماد على الآخرين في اتخاذ القرارات.
7. النكوص في التعبير الفني والإبداعي
النكوص قد يظهر أيضًا في التعبير الفني والإبداعي للفرد، حيث يعود الشخص إلى أساليب أو أنماط قديمة كان قد تجاوزها في فترة معينة من حياته. في بعض الأحيان، قد يعبر الأفراد عن مشاعرهم أو أفكارهم بشكل يعتمد على رموز أو أساليب كانت سائدة في مراحل سابقة من حياتهم.
من أمثلة ذلك أن يتخلى الفنان عن الأساليب الفنية الحديثة ويعود إلى استخدام الأساليب التقليدية التي تعلمها في بداية مشواره الفني. قد يكون ذلك محاولة من الفنان للتعامل مع ضغوط حياتية أو لتعبير عن مشاعر غير مفهومة بالنسبة له.
8. النكوص في التطور الجنسي
في بعض الحالات، يمكن أن يظهر النكوص في التطور الجنسي للشخص، حيث يعود إلى سلوكيات جنسية كانت قد نشأت في مرحلة مبكرة من حياته. قد يشمل ذلك مثلاً العودة إلى أنماط التفكير الجنسي الطفولي أو التصرفات الجنسية غير الناضجة عند مواجهة الضغوط أو التحديات في العلاقات العاطفية.
9. النكوص في الصحة النفسية
النكوص يمكن أن يكون أحد الأعراض التي تشير إلى تدهور في الصحة النفسية، مثل الاكتئاب أو القلق المزمن. قد يشعر الأفراد الذين يعانون من هذه الحالات بأنهم عاجزون عن التكيف مع التحديات الحالية، مما يؤدي بهم إلى العودة إلى سلوكيات دفاعية كانت قد ظهرت في طفولتهم أو في مراحل سابقة من حياتهم.
يمكن أن يشمل النكوص في الصحة النفسية عودة المشاعر المرتبطة بالمراحل الصعبة من الحياة مثل الحزن العميق، أو فقدان الرغبة في مواجهة الحياة اليومية.
10. النكوص المعرفي
النكوص المعرفي يشير إلى العودة إلى مراحل معرفية أقل تطورًا في مواجهة التحديات الحياتية. قد يعاني الشخص من صعوبة في فهم أو حل مشكلات معقدة، مما يؤدي به إلى استخدام أساليب تفكير بدائية أو سطحية.
قد يعبر عن هذا النوع من النكوص في حالات مثل فقدان الذاكرة المؤقتة أو اضطرابات في التركيز والتفكير، وقد يصاحب ذلك تراجع في القدرة على معالجة المعلومات المعقدة.
11. النكوص العاطفي عند الأطفال
في الطفولة، قد يظهر النكوص في سلوك الأطفال على شكل قلق أو خوف مفرط، مما يدفعهم إلى العودة إلى سلوكيات مثل التعلق الشديد بالأم أو الوالدين، أو حتى التبول اللاإرادي. يحدث هذا النوع من النكوص عادة عندما يواجه الأطفال أحداثًا مٌؤلمة أو مرهقة مثل الطلاق أو وفاة أحد الوالدين.
12. النكوص بسبب الصدمات النفسية
النكوص قد يظهر كنتيجة مباشرة لصدمات نفسية مثل فقدان شخص عزيز أو التعرض لحادث مؤلم. يمكن للصدمات النفسية أن تجعل الشخص يعيد استرجاع مشاعر وأفكار وذكريات مرتبطة بفترات سابقة من حياته كانت أكثر أمانًا أو راحة.
الخاتمة
النكوص ليس مجرد رد فعل مفاجئ أو مجرد استجابة فورية لمواقف حياتية، بل هو ظاهرة نفسية معقدة يمكن أن تأخذ أشكالًا متعددة ومتنوعة. تتداخل العوامل النفسية، العاطفية، الاجتماعية، والبيولوجية في هذه العملية، مما يجعل من الضروري فهم تأثيرات النكوص على الفرد من أجل معالجته بالشكل المناسب.
