تواجد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط: انتشار استراتيجي وتحولات جيوسياسية
يُعد الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق الجغرافية حساسية في الحسابات العسكرية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدى موقعه الجيوسياسي الحيوي، وموارده الطبيعية الغنية، وصراعاته المتكررة إلى جعله مركزًا رئيسيًا لتواجد القوات الأمريكية. هذا الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط ليس مجرد تموضع تقني للقواعد أو الأفراد، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية عميقة تهدف إلى التأثير في موازين القوى الإقليمية، وضمان التدفق الآمن للنفط، ومواجهة القوى المناوئة للمصالح الأمريكية مثل إيران والتنظيمات المتطرفة.
يتوزع الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط ضمن قواعد عسكرية دائمة، وأخرى مؤقتة، إلى جانب اتفاقيات أمنية وتدريبية، وتنقلات بحرية وجوية مستمرة. فيما يلي تفصيل شامل للدول التي تتمركز فيها القوات الأمريكية في هذه المنطقة، مع التركيز على طبيعة الوجود العسكري، الأهداف الاستراتيجية، وأبرز القواعد الموجودة في كل دولة.
1. قطر
تُعد قطر من أهم مراكز التمركز العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. توجد فيها قاعدة “العديد الجوية” (Al Udeid Air Base)، وهي الأكبر من نوعها في المنطقة، وتستضيف أكثر من 10,000 جندي أمريكي.
-
القاعدة الجوية العديد:
-
تُستخدم كمركز عمليات رئيسي للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) لإدارة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
-
تحتوي على مدارج للطائرات الاستراتيجية، ومراكز قيادة وتحكم، ومرافق استخباراتية متقدمة.
-
-
الأهداف الاستراتيجية:
-
دعم العمليات الجوية في سوريا والعراق وأفغانستان.
-
مراقبة التحركات الإيرانية في الخليج.
-
إدارة العمليات اللوجستية والتحكم الجوي الإقليمي.
-
2. الكويت
الكويت تستضيف تواجدًا أمريكيًا كبيرًا منذ حرب الخليج عام 1991، ولا يزال هذا التواجد قائمًا رغم انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
-
معسكر عريفجان (Camp Arifjan):
-
قاعدة رئيسية للقوات البرية، وتُستخدم كمحور دعم لوجستي للقوات الأمريكية في العراق وسوريا.
-
توفر مرافق للتدريب والصيانة وتخزين المعدات الثقيلة.
-
-
معسكر بيورينغ (Camp Buehring):
-
قاعدة مؤقتة للتدريب والاستعدادات العملياتية.
-
تُستخدم بشكل متكرر لتحريك القوات نحو شمال العراق أو الحدود السورية.
-
-
الأهمية الاستراتيجية:
-
تعزيز استقرار الكويت ودعم حلفاء الخليج.
-
التحرك السريع نحو مناطق النزاع.
-
التنسيق مع القوات الكويتية ضمن اتفاقيات أمنية مشتركة.
-
3. البحرين
البحرين مقر للأسطول الخامس الأمريكي، وهو مركز رئيسي للعمليات البحرية الأمريكية في الخليج العربي.
-
الأسطول الخامس:
-
مسؤول عن تأمين الملاحة في الخليج، مضيق هرمز، بحر العرب، والبحر الأحمر.
-
قاعدة “الجفير” البحرية تُعد مقرًا للعمليات البحرية والاستخبارات.
-
-
الدور البحري في البحرين:
-
مواجهة التهديدات الإيرانية عبر الممرات البحرية.
-
مراقبة التجارة العالمية وتدفقات النفط.
-
إدارة العمليات البحرية في الشرق الأوسط وشمال شرق أفريقيا.
-
4. العراق
رغم تقليص التواجد العسكري الأمريكي بعد الانسحاب الرسمي في 2011، عاد جزء من هذا التواجد لمواجهة تنظيم “داعش” ضمن إطار “التحالف الدولي ضد الإرهاب”.
-
قاعدة عين الأسد الجوية:
-
تُستخدم للعمليات الجوية والاستخباراتية في الأنبار.
-
مركز عمليات لمراقبة الحدود الغربية مع سوريا.
-
-
قاعدة حرير (قرب أربيل):
-
تمثل مركزًا لوجستيًا واستخباراتيًا في إقليم كردستان.
-
ذات أهمية في التنسيق مع قوات البيشمركة الكردية.
-
-
الوجود الأمريكي في العراق:
-
يتراوح بين 2,500 إلى 3,000 جندي.
-
يتركز على التدريب والدعم الاستخباراتي وتقديم الاستشارات للقوات العراقية.
-
5. سوريا
الوجود الأمريكي في سوريا يُعد حساسًا سياسيًا، ويتركز أساسًا في الشمال الشرقي من البلاد، خصوصًا في مناطق تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”.
-
أهم المواقع:
-
قاعدة التنف جنوب سوريا، بالقرب من الحدود مع الأردن والعراق.
-
مواقع في الحسكة ودير الزور تُستخدم للعمليات الخاصة والمراقبة.
-
-
الأهداف الأمريكية في سوريا:
-
منع عودة “داعش”.
-
مراقبة النفوذ الإيراني داخل سوريا.
-
دعم القوات الكردية في الحرب ضد التنظيمات المتطرفة.
-
6. الأردن
يُعد الأردن شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، ويستضيف قوات وقواعد تدريبية أمريكية ضمن اتفاقيات تعاون دفاعي.
-
مواقع رئيسية:
-
قاعدة “الملكة علياء الجوية” تُستخدم كموقع لدعم لوجستي ومراقبة جوية.
-
مناطق تدريب عسكري مشترك في الصحراء الأردنية.
-
-
أهمية الأردن:
-
يشكل نقطة استراتيجية قريبة من سوريا والعراق.
-
يُستخدم في مراقبة التحركات داخل الجنوب السوري.
-
دعم القدرات الدفاعية الأردنية.
-
7. السعودية
بعد الانسحاب الأمريكي من السعودية في 2003، عاد جزء من التواجد العسكري الأمريكي في السنوات الأخيرة نتيجة تصاعد التهديدات الإيرانية والهجمات الحوثية.
-
قاعدة الأمير سلطان الجوية:
-
تضم قوات دفاع جوي ومقاتلات أمريكية.
-
مركز لإطلاق عمليات مراقبة وتحليل استخباراتي إقليمي.
-
-
دوافع العودة الأمريكية:
-
مواجهة تهديدات الصواريخ والطائرات المُسيّرة القادمة من اليمن.
-
تعزيز الدفاعات الجوية السعودية.
-
موازنة النفوذ الإيراني في الخليج.
-
8. الإمارات العربية المتحدة
تستضيف الإمارات أحد أهم التمركزات الجوية الأمريكية خارج الولايات المتحدة، خصوصًا في قاعدة “الظفرة الجوية”.
-
قاعدة الظفرة الجوية:
-
تستضيف طائرات مقاتلة واستطلاعية أمريكية (مثل F-22 وMQ-9 Reaper).
-
تُستخدم لعمليات في العراق وسوريا وأفغانستان.
-
-
أهمية الوجود الأمريكي في الإمارات:
-
دعم القدرات الجوية الإقليمية.
-
مراقبة إيران ومضيق هرمز.
-
التعاون في مجالات الأمن السيبراني والدفاع الصاروخي.
-
9. تركيا
رغم العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وتركيا، لا تزال قاعدة “إنجرليك الجوية” تلعب دورًا مهمًا في التمركز الأمريكي في المنطقة.
-
قاعدة إنجرليك:
-
تُستخدم للعمليات الجوية في الشرق الأوسط.
-
تحتوي على أسلحة نووية تكتيكية ضمن مظلة حلف الناتو.
-
-
التحديات:
-
توترات سياسية بشأن دعم واشنطن للقوات الكردية في سوريا.
-
نقاش داخلي تركي حول استمرار التواجد الأمريكي.
-
جدول ملخص للقواعد والتواجد الأمريكي في الشرق الأوسط:
| الدولة | عدد الجنود التقريبي | أهم القواعد / المواقع | الهدف الاستراتيجي الرئيسي |
|---|---|---|---|
| قطر | 10,000+ | قاعدة العديد الجوية | إدارة العمليات الجوية في المنطقة |
| الكويت | 13,000+ | معسكر عريفجان، معسكر بيورينغ | دعم لوجستي للقوات الإقليمية |
| البحرين | 7,000+ | الأسطول الخامس، قاعدة الجفير | التحكم البحري في الخليج |
| العراق | 2,500 – 3,000 | قاعدة عين الأسد، حرير | مكافحة داعش، دعم القوات العراقية |
| سوريا | 900 – 1,000 | قاعدة التنف، الحسكة | مواجهة داعش، مراقبة إيران |
| الأردن | غير محدد بدقة | قاعدة الملكة علياء، مواقع تدريب | مراقبة الجنوب السوري، التدريب والدعم اللوجستي |
| السعودية | 2,000 – 3,000 | قاعدة الأمير سلطان الجوية | الدفاع الجوي، الردع ضد إيران |
| الإمارات | غير معلن | قاعدة الظفرة الجوية | دعم جوي واستخباراتي، حماية الممرات البحرية |
| تركيا | غير معلن بدقة | قاعدة إنجرليك | عمليات الناتو، مراقبة شرق المتوسط والشرق الأوسط |
الخلاصة الاستراتيجية للتواجد العسكري الأمريكي
الانتشار الأمريكي في الشرق الأوسط ليس ثابتًا أو عشوائيًا، بل هو جزء من خطة ديناميكية تتغير بحسب الظروف الجيوسياسية. تنقسم أهداف هذا التواجد بين ضمان الأمن الإقليمي، محاربة الإرهاب، مراقبة التمدد الإيراني، وضمان المصالح الأمريكية في مجالات الطاقة والملاحة البحرية.
ورغم التغيرات في السياسات الأمريكية الداخلية، والانكفاء النسبي في بعض الساحات، لا تزال واشنطن تنظر إلى الشرق الأوسط كمنطقة لا يمكن الاستغناء عن التأثير فيها، سواء عبر القوة العسكرية المباشرة، أو من خلال التحالفات العسكرية والأمنية طويلة الأمد.
المراجع:
-
تقرير وزارة الدفاع الأمريكية (DoD) حول التمركز الخارجي للقوات – 2023.
-
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – تقارير تحليلية عن القواعد الأمريكية في الخليج.

