تحدي القراءة العربي

يُعد “تحدي القراءة العربي” أحد أهم المبادرات التعليمية والثقافية على مستوى العالم العربي، إذ يمثل مشروعاً رائداً أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في عام 2015، بهدف إحداث نقلة نوعية في واقع القراءة لدى الشباب العربي، وتكريس حب المطالعة كعادة يومية راسخة تسهم في تنمية العقول وتوسيع المدارك، بما يدعم بناء جيل عربي مثقف وقادر على المساهمة في صناعة مستقبل أكثر إشراقاً لأمته.

أهداف تحدي القراءة العربي

يرتكز المشروع على رؤية واضحة وطموحة تتمثل في تعزيز ثقافة القراءة باللغة العربية، وغرس عادة المطالعة في نفوس الطلاب منذ الصغر، من خلال التزام كل طالب بقراءة خمسين كتاباً سنوياً وتلخيصها. ويهدف التحدي إلى:

• رفع مستوى الوعي الثقافي والمعرفي لدى الطلبة العرب.

• تعزيز قدراتهم اللغوية والتعبيرية باللغة العربية الفصحى.

• دعم بناء شخصية قوية وواعية لدى الشباب العربي.

• ترسيخ قيم الهوية والانتماء العربي.

• خلق جيل قارئ وقادر على الحوار والتفكير النقدي.

آليات تنفيذ التحدي

يعتمد تحدي القراءة العربي على نظام متكامل ومُنظم يبدأ من المدارس ويشمل مختلف المراحل الدراسية، حيث يتم توزيع كراسات تلخيص خاصة يدوّن فيها الطالب تلخيصاته لكتب تمت قراءتها. تمر عملية التقييم بعدة مراحل، تبدأ من المدرسة، ثم المديرية التعليمية، تليها مستوى الدولة، وصولاً إلى التصفيات النهائية على مستوى الوطن العربي والتي تُقام في دولة الإمارات.

يتوج المشروع بإقامة حفل ختامي ضخم بحضور شخصيات تربوية وثقافية بارزة، يتم خلاله تكريم الفائز الأول باللقب ومجموعة من المتميزين في فئات مختلفة، مثل أفضل مدرسة، وأفضل مشرف، وأفضل طالب من أصحاب الهمم، مما يعكس روح الشمولية والتحفيز التي يتبناها المشروع.

الانتشار الجغرافي للمبادرة

رغم انطلاقة التحدي من دولة الإمارات، إلا أن المشروع سرعان ما تحول إلى مبادرة عربية جامعة، حيث شاركت فيه جميع الدول العربية منذ العام الأول، وتوسع لاحقاً ليشمل مشاركات من الجاليات العربية في الدول غير العربية، مما منحه طابعاً عالمياً، وجعله مشروعاً يعكس وحدة العرب حول اللغة والثقافة.

في النسخ الأخيرة، تخطى عدد المشاركين حاجز 20 مليون طالب وطالبة، يمثلون أكثر من 44 دولة، ضمن آلاف المدارس، وبإشراف عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، مما جعله التحدي القرائي الأكبر على مستوى العالم.

الأثر التربوي والثقافي لتحدي القراءة العربي

ساهم مشروع تحدي القراءة العربي في إحداث تحول ثقافي وتربوي نوعي، يمكن رصده من خلال المؤشرات التالية:

• زيادة عدد الكتب المقروءة: شجع التحدي ملايين الطلاب على قراءة كتب كانوا في السابق بعيدين عنها، سواء في مجالات الأدب، أو العلوم، أو الفلسفة، أو التنمية الذاتية.

• تحسن مهارات التعبير والكتابة: لاحظ المعلمون وأولياء الأمور تحسناً كبيراً في مهارات التعبير الكتابي واللفظي لدى المشاركين، ما عزز ثقتهم بأنفسهم.

• رفع مستوى اللغة العربية: ساعد المشروع على إعادة إحياء اللغة العربية الفصحى في نفوس الناشئة، ورفع قدرتهم على استخدامها بمرونة وإبداع.

• تنمية الفكر النقدي: إذ يساهم التحدي في تدريب الطلاب على التفكير التحليلي، عبر التفاعل مع النصوص وتقييمها وفهم مضامينها.

• تعزيز قيم الانضباط الذاتي: نظراً لأن المشروع يتطلب التزاماً طويل الأمد بقراءة 50 كتاباً، فقد أسهم في بناء مهارات التخطيط، والانضباط، والالتزام لدى الطلاب.

دور المؤسسات التعليمية والمجتمعية

لعبت المؤسسات التعليمية دوراً محورياً في إنجاح مشروع تحدي القراءة العربي، من خلال إعداد برامج دعم داخل المدارس، وتنظيم حصص قرائية، وتقديم الإرشاد والتوجيه للطلاب المشاركين. كما ساهمت وسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، وأولياء الأمور في الترويج للمشروع وتحفيز المشاركة فيه.

تحول التحدي إلى مهرجان ثقافي شامل، لا يقتصر على المدرسة فحسب، بل يمتد إلى الأسرة والبيئة المحيطة، ما يخلق مناخاً عاماً يشجع على القراءة ويجعل منها قيمة مجتمعية.

التحدي كمحفز للإنتاج الفكري العربي

لم يقتصر دور تحدي القراءة العربي على تحفيز القراءة فقط، بل أصبح محركاً للإنتاج المعرفي والفكري باللغة العربية. إذ دفع دور النشر العربية لإعادة طباعة كتب موجهة للناشئة بجودة أفضل، وتوفير عناوين أكثر تنوعاً، بما يتناسب مع أذواق الطلاب ومستوياتهم. كما عزز من حضور الكتب الورقية والرقمية في البيئة التعليمية.

فئات الجوائز في التحدي

يشمل تحدي القراءة العربي عدة فئات يتم تكريم الفائزين فيها:

الاستدامة والتطوير المستقبلي للمشروع

رغم ما حققه تحدي القراءة العربي من نجاحات متواصلة، إلا أن القائمين عليه يسعون باستمرار لتطويره وضمان استدامته، من خلال:

• رقمنة المحتوى والأنظمة: عبر إنشاء منصات رقمية للمطالعة والتلخيص والتقييم.

• توسيع الفئات العمرية المستهدفة: لتشمل الأطفال الأصغر سناً والمرحلة الجامعية.

• تعزيز الشراكات الدولية: بهدف تعزيز انتشار المشروع عربياً ودولياً.

• تطوير أدوات تقييم أكثر ذكاءً: من أجل قياس جودة القراءة والتفاعل المعرفي بشكل أدق.

خاتمة

إن مشروع تحدي القراءة العربي ليس مجرد مسابقة مدرسية، بل هو نهضة ثقافية عربية متكاملة، تسعى لصناعة جيل جديد متمكن لغوياً، مثقف معرفياً، وقادر على قيادة التغيير في مجتمعه. ويُعد التحدي اليوم أحد أبرز النماذج الناجحة في العالم العربي التي أثبتت أن الاستثمار في العقل العربي هو الرهان الأكثر ربحاً في سبيل بناء مستقبل مشرق.

المراجع:

1. الموقع الرسمي لتحدي القراءة العربي: https://www.arabreadingchallenge.com

2. المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات

3. وزارة التربية والتعليم – الإمارات

4. تقارير إعلامية وتربوية منشورة في الصحف العربية مثل “البيان” و”الخليج”

5. مقابلات مع مشرفين ومعلمين مشاركين في دورات سابقة للتحدي