في الوقت الحاضر، يُلاحظ أن فن التنبؤ أصبح تحدًا محدقًا بالتعقيدات، حيث تتزايد المخاطر التي تواجه المؤسسات وتثير القلق، حتى باتت تفوق استنتاجات أكفأ المتنبئين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن التنبؤ بالتحديات المتنوعة، سواء كانت ذلك الهجمات الإلكترونية المتطورة أو الكوارث الطبيعية المدمرة أو حتى الأوبئة الجديدة. ورغم وجود فرقين داخل المؤسسات مخصصين لمهام التأهب لهذه الاضطرابات، إلا أنه للأسف لم يتم تجهيز أي من هذين الفريقين بشكل مناسب لمواجهة أحداث لم يكن بالإمكان توقعها.
وفي هذا السياق، يظهر أربعة اتجاهات تُشير إلى أن الثبات يُفسح المجال للاضطراب النسبي، وهي تغير المناخ، والتحضر السريع، والانقسام بين الشمال العالمي والجنوب العالمي، والترابط الشديد بين جميع أجزاء العالم عبر السفر والتجارة والتكنولوجيا. ورغم تعقيد تنبؤ تفاصيل هذه العوامل، إلا أنها تشير إلى نظام معقد قابل للتكيف مع التداخلات المتعددة، مما يزيد من درجة الاضطراب ويجعل التنبؤ بمثل هذه التحديات أمرًا وهميًا.
لفهم هذه التحديات بشكل أفضل، يمكننا الاعتماد على مفهوم طبقات التغيير، الذي يُرتبط بالهندسة المعمارية، حيث تتغير مكونات النظام بمعدلات مختلفة. وباستخدام هذا المفهوم، يمكن تصنيف عناصر الحضارة في ست طبقات هي الموضة والتجارة والبنية التحتية والحوكمة والثقافة والطبيعة، حيث تتحكم معدلات التغيير في هذه العناصر بتوازن النظام، وأي تغيير في إحدى الطبقات قد يؤدي إلى اضطراب كبير.
وفي محاولة لتعزيز إدراك المخاطر، يُقترح تضمين نظام تبادل معلومات مستقبلي يربط وظائف المؤسسة بموردين خارجيين وعملاء، لتكون هناك رؤية أفضل للجوانب الخفية. كما يُشجع على اختبار الفرضيات وتحديث الاعتقادات التقليدية لتعزيز القدرة على التنبؤ بالتحولات المحتملة.
في ظل هذه التغيرات المتسارعة، يتبنى كتاب “التدفق – Flux” للكاتبة أبريل ريني نهجًا جديدًا للقيادة يستند إلى تباطؤ الخطا كوسيلة لتعزيز الإدراك وفهم الأحداث، مع التركيز على التواصل العميق داخل النظام الإيكولوجي للمؤسسة. ويشدد الكتاب على أهمية التفاعل المستمر مع التغييرات لاستخلاص الفرص ولمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية الناشئة، بهدف تحقيق ازدهار العملاء والعاملين والمجتمعات.
المزيد من المعلومات
تحديات التنبؤ وإدارة المخاطر في العصر الحديث تتطلب من المؤسسات التفكير في نماذج جديدة لتقييم وفهم المخاطر. في سياق تغيّرات متسارعة، يُظهر نموذج طبقات التغيير مدى التحديات التي تواجهها المؤسسات وضرورة تكييف استراتيجياتها لمواكبة هذا الواقع المتغير. يُبرز هذا النموذج أهمية فهم العلاقات بين عناصر النظام وكيف يمكن أن يؤدي التغيير في إحدى الطبقات إلى اضطرابات في الأخرى.
ومن الجوانب الرئيسية التي يركز عليها هذا النموذج هي أثر التكنولوجيا السريعة وتأثيرها الكبير على البيئة الأعمال. يُشير إلى أن التغييرات التكنولوجية تحدث بوتيرة أسرع من تغيرات الموضة، مما يفتح أفقًا للابتكارات ويعزز التفاعل الديناميكي في محيط الأعمال. ومن الناحية البيئية، يُلقي الضوء على التغيرات في الطبيعة والتحديات المتزايدة المتعلقة بالأمان الغذائي والمائي والسكني نتيجةً لتغير المناخ.
علاوةً على ذلك، يتناول النموذج أيضًا التحولات الاجتماعية والاقتصادية، مشيرًا إلى ازدياد الاقتصادات المشاركة والعمل المؤقت والمستقل، وكيف تلعب هذه العوامل دورًا هامًا في تشكيل مستقبل الأعمال والاقتصاد. يُظهر النموذج أن هذه التحولات قد تؤدي إلى تشكيل نماذج أعمال جديدة وتهديدات غير متوقعة، مما يتطلب من المؤسسات إعادة النظر في استراتيجياتها والتكيف مع التحولات السريعة.
وفي سياق الاستعداد لهذه التحديات، يُشجع على تعميق الاتصال داخل النظام الإيكولوجي للمؤسسة. من خلال تفعيل نظام تبادل معلومات فعّال، يمكن للمؤسسات تحسين قدرتها على التفاعل مع التغييرات واستشراف المستقبل. كما يُلفت النموذج الانتباه إلى ضرورة الاستمرار في اختبار وتحديث الفرضيات والمعتقدات التقليدية للمساهمة في بناء رؤية استشرافية تمكن المؤسسات من التأقلم بفعالية مع التحديات المستقبلية.
في النهاية، يبرز النموذج أهمية التفكير في مفهوم “التدفق” كطريقة للقيادة خلال الأزمات، حيث يُحث على تبني التغيير بشكل فعّال والاستفادة من التحولات الاجتماعية والبيئية لتحقيق الابتكار والازدهار.