النرجسية: خصائصها وكيفية التعامل

النرجسية: تعريفها وكيفية التعامل مع الشخص النرجسي

النرجسية هي اضطراب في الشخصية يتميز بتقدير الذات المبالغ فيه، والحاجة المستمرة للإعجاب من الآخرين، وعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين. يُنظر إلى الشخص النرجسي عادة على أنه محب لذاته بدرجة كبيرة، متفاخر، ومشغول دائمًا بصورته أمام الناس. هذا الاضطراب قد يؤثر بشكل كبير على علاقات الشخص النرجسي بالآخرين وعلى أدائه في الحياة الاجتماعية والمهنية. في هذا المقال، سنتناول تعريف النرجسية بشكل موسع، خصائص الشخص النرجسي، وأسباب نشوء هذا الاضطراب، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من النرجسية.

تعريف النرجسية

النرجسية هي اضطراب في الشخصية يطلق عليه بالإنجليزية “Narcissistic Personality Disorder” (NPD). يتميز هذا الاضطراب بسمة واضحة وهي الشعور المفرط بأهمية الذات، والتفوق على الآخرين، والحاجة الماسة للاعتراف والتمجيد المستمر من المحيطين. الأشخاص النرجسيون غالبًا ما يسعون للسيطرة على المواقف والتأثير على الآخرين ليشعروا بالاستحقاق الدائم للثناء والاحترام، سواء كانوا يستحقون ذلك أم لا. وعادةً ما يُظهر الشخص النرجسي قلة تعاطف مع الآخرين، مما يجعل التفاعل معهم صعبًا ومؤذيًا.

خصائص الشخص النرجسي

تتعدد خصائص الشخص النرجسي، ولكن أبرزها يتجسد في النقاط التالية:

1. الأنانية المفرطة:
   الشخص النرجسي يرى نفسه مركز الكون ويعتقد أنه فريد أو استثنائي ويستحق معاملة خاصة. قد يبالغ في تقدير مهاراته وإنجازاته، ويشعر بالاستحقاق للحصول على معاملة أفضل من الآخرين.

2. الحاجة المستمرة للإعجاب:
   يسعى النرجسي إلى جذب انتباه الآخرين بشكل مستمر. يعشق المديح والتقدير، ويسعى للحصول عليه من أي مصدر يمكنه الحصول عليه. وعندما لا يحصل على هذا الإعجاب، قد يظهر عليه التوتر أو الغضب.

3. التعاطف المحدود مع الآخرين:
   يعاني الأشخاص النرجسيون من ضعف التعاطف مع مشاعر الآخرين. هم عادة لا يستطيعون أو لا يرغبون في فهم أو احترام احتياجات ومشاعر الآخرين.

4. الاستغلالية:
   قد يستخدم الشخص النرجسي الآخرين لتحقيق أهدافه الشخصية دون أي اعتبار لمشاعرهم أو احتياجاتهم. يشتهرون بالاستغلال المتكرر للأشخاص في علاقاتهم الشخصية أو المهنية.

5. الانفعالات المبالغ فيها:
   إذا تعرض الشخص النرجسي للنقد أو لم يحصل على الاهتمام الذي يريده، فقد يظهر رد فعل مبالغًا فيه مثل الغضب أو الهجوم اللفظي. في بعض الأحيان، يمكن أن يصل هذا السلوك إلى الاستخفاف أو التقليل من قيمة الآخرين.

6. الفقدان في العلاقات الشخصية:
   غالبًا ما تكون العلاقات مع الأشخاص النرجسيين سطحية وغير متوازنة. الشخص النرجسي يركز على نفسه ولا يهتم بمشاعر الآخرين، مما يؤدي إلى تآكل هذه العلاقات بمرور الوقت.

أسباب النرجسية

تعد أسباب النرجسية مزيجًا من العوامل الوراثية والبيئية. أظهرت الدراسات أن هناك ارتباطًا بين العوامل الوراثية التي قد تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لتطوير السمات النرجسية. كما يمكن أن تساهم بيئة الطفولة في تنمية هذا الاضطراب. على سبيل المثال، قد يكون الشخص النرجسي قد نشأ في بيئة يشبع فيها الوالدان أو الأشخاص المقربون توقعات عالية منه أو يعاملونه بتفضيل مبالغ فيه، مما يعزز شعوره بأنه فريد ويستحق الاهتمام. في المقابل، قد يؤدي الإهمال أو التنمر المستمر في مرحلة الطفولة إلى نقص في تعاطف الشخص النرجسي مع الآخرين أو ميله للتعويض عن مشاعر النقص من خلال المبالغة في تقدير الذات.

من الممكن أن يتسبب الخلط بين التربية المفرطة أو القسوة في تكوين السمات النرجسية لدى الفرد. في بعض الحالات، قد يتطور الاضطراب نتيجة لتجارب حياتية معينة مثل الفشل المتكرر أو الخيانة في العلاقات، مما ينعكس على كيفية تقدير الشخص لذاته.

التشخيص والعلاج

يشخص اضطراب الشخصية النرجسية عادة من خلال فحص شامل لحالة المريض يتضمن مقابلة طبية وتحليل السلوكيات الشخصية. يجب أن يتم التشخيص من قبل مختص في الصحة النفسية، حيث يتم تحديد ما إذا كانت الأعراض تؤثر بشكل كبير على حياة الفرد أو علاقاته اليومية.

فيما يخص العلاج، فإنه يتطلب الصبر والتفهم. العلاج النفسي هو العلاج الأكثر شيوعًا، حيث يهدف إلى مساعدة الفرد في فهم وتغيير سلوكياته النرجسية. من أبرز أنواع العلاج التي قد تساهم في علاج الشخص النرجسي هو العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، والذي يهدف إلى تعديل أنماط التفكير السلبية واستبدالها بسلوكيات أكثر توافقًا مع الآخرين.

ومع ذلك، يتطلب التعامل مع الشخص النرجسي توافر بيئة داعمة ومرونة من المحيطين. قد يكون العلاج طويل المدى، وقد يعاني الشخص النرجسي من مقاومة شديدة أثناء العلاج، خاصة إذا كان يشعر أن تصوره لنفسه قد يتم تهديده.

كيفية التعامل مع الشخص النرجسي

التعامل مع شخص نرجسي يمكن أن يكون أمرًا معقدًا ومؤلمًا في بعض الأحيان. يتطلب الأمر فهمًا عميقًا للاضطراب وأسلوبًا حكيمًا في التفاعل مع الشخص النرجسي. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التعامل مع الشخص النرجسي:

1. حدد حدودًا واضحة:
   من المهم وضع حدود واضحة مع الشخص النرجسي. ينبغي أن تكون هذه الحدود حازمة، حيث يجب أن تعرف ما هو مقبول وما هو غير مقبول. الشخص النرجسي قد يحاول تجاوز هذه الحدود، ولذلك يجب أن تكون ردود أفعالك ثابتة وقوية.

2. تجنب الصراع المباشر:
   الأشخاص النرجسيون لا يتقبلون النقد بسهولة. إذا كنت مضطرًا لتقديم ملاحظات أو انتقادات، حاول أن تكون دقيقًا وغير شخصي. تجنب الخوض في صراعات كبيرة معهم، حيث أن ذلك قد يؤدي إلى ردود أفعال مبالغ فيها.

3. ابقَ هادئًا ومتماسكًا:
   عندما يحاول الشخص النرجسي استفزازك أو تحفيزك على الرد بنبرة عالية أو بغضب، حاول أن تبقى هادئًا. الرد الانفعالي لن يؤدي إلا إلى تصعيد الموقف.

4. لا تأخذ الأمور بشكل شخصي:
   الشخص النرجسي غالبًا ما يوجه الهجوم نحو الآخرين أو يستخدمهم لتحقيق مصالحه الخاصة. تجنب أن تأخذ تصرفاته أو كلماته بشكل شخصي. اعلم أن سلوكه ناتج عن اضطراب نفسي وليس عن رغبة في إيذائك.

5. طلب الدعم من المحيطين:
   إذا كنت تجد صعوبة في التعامل مع الشخص النرجسي، حاول أن تستعين بالدعم من الأصدقاء أو المستشارين النفسيين. هذا الدعم يمكن أن يساعدك في التعامل مع التوتر الناتج عن العلاقة مع شخص نرجسي.

6. العناية بالنفس:
   التعامل المستمر مع الشخص النرجسي قد يؤثر سلبًا على صحتك النفسية. من المهم أن تهتم بنفسك وتخصص وقتًا للراحة والاستجمام.

الخلاصة

النرجسية ليست مجرد سمة شخصية بسيطة، بل هي اضطراب نفسي قد يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على حياة الفرد وحياة من حوله. الشخص النرجسي يسعى دائمًا للحصول على الاهتمام والإعجاب، ولا يتردد في استغلال الآخرين لتحقيق أهدافه الخاصة. ومع ذلك، من الممكن التعامل مع الشخص النرجسي بحذر وذكاء، من خلال وضع حدود واضحة، تجنب الصراعات المباشرة، والبحث عن الدعم النفسي عند الحاجة. العلاج النفسي هو الأداة الأكثر فعالية للتعامل مع هذا الاضطراب، ولكن يتطلب النجاح في العلاج التزامًا طويل الأمد من الشخص المصاب ومن المحيطين به.