تبرج الجاهلية الأولى وأثره

تبرج الجاهلية الأولى

تبرج الجاهلية الأولى هو مصطلح يُطلق على تصرفات النساء في فترة ما قبل الإسلام فيما يتعلق بمظاهر التجميل والتبرج في العلن. كانت تلك الفترة تُعرف بالجاهلية؛ حيث ساد فيها الجهل بالأحكام الدينية والأخلاقية، وكانت القيم الاجتماعية تتسم بالانحلال والفساد. تعود جذور تبرج الجاهلية الأولى إلى مجموعة من العادات والممارسات التي كانت تمارسها نساء العرب في شبه الجزيرة العربية، حيث كانت النساء تظهر جمالهن في الأماكن العامة بشكل ملفت للنظر، بغض النظر عن المبادئ الدينية أو الأخلاقية.

مفهوم التبرج وأسبابه

التبرج في اللغة العربية يعني الظهور أو الكشف عن الزينة أو ما يفتن الأنظار من المظهر الخارجي للمرأة، سواء كان ذلك من خلال ملابسها أو تجميل وجهها أو تحليها بالمجوهرات. وكان هذا التبرج يعتبر جزءًا من الهوية الاجتماعية للمرأة في تلك الحقبة، حيث كان يُنظر إلى الجمال والمظهر كدليل على المكانة الاجتماعية. وكانت النساء في الجاهلية، وخاصة في مكة والمدينة وغيرها من المدن الكبرى، تتباهى بجمالها أمام الرجال وتُظهر مفاتنها في الأسواق وأماكن التجمعات.

العوامل الاجتماعية والثقافية

1. العادات والتقاليد:
   كانت التقاليد العربية في الجاهلية تشجع على إبراز جمال المرأة، وكان هذا يُعد جزءًا من مكانتها الاجتماعية. وكان المجتمع الجاهلي يقدر المرأة وفقًا لمظهرها الجمالي، ويعتبر ذلك أحد ألوان الفخر والاعتزاز. كما كان يُشجع على استعراض الجمال أمام الناس في الأماكن العامة.

2. الظروف الاقتصادية:
   لعبت الظروف الاقتصادية في تلك الفترة دورًا كبيرًا في انتشار التبرج. فقد كانت بعض النساء، خصوصًا من الطبقات العليا، قادرين على اقتناء الملابس الفاخرة والمجوهرات، وبالتالي، كان بإمكانهن أن يبرزوا جمالهن بشكل متفاخر. وكان التبرج يشير إلى نوع من التميز الاجتماعي والاقتصادي.

3. المفاهيم الخاطئة عن جمال المرأة:
   كانت مفاهيم الجمال في ذلك الزمان تتجه نحو الصورة المثالية للجسد، وكان ذلك يعنى التفاخر والظهور بمظهرٍ مغري. فقد كانت النساء يستعملن مستحضرات تجميل مثل الحناء والطيب والمساحيق التي تستخدم في تغطية الوجه وتزيينه، وكان يتم تسليط الضوء على الجسد بشكل مكثف.

مظاهر التبرج في الجاهلية

التبرج في الجاهلية الأولى لم يكن مقتصرًا على نوع معين من التزيين أو التجميل، بل كان يشمل مجموعة متنوعة من السلوكيات والملابس التي كانت تؤكد على إظهار مفاتن المرأة. وفيما يلي بعض من مظاهر التبرج في تلك الحقبة:

1. الملابس:
   كانت النساء في الجاهلية يلبسن الملابس الشفافة والمزخرفة التي تكشف عن أجسادهن، وكان ذلك يعكس رغبة النساء في جذب الانتباه والإعجاب. وكانت الملابس تكون عادة مصنوعة من القماش الرقيق وتزين بالزخارف والنقوش.

2. الزينة والطيب:
   كانت النساء في الجاهلية يستخدمن العديد من أدوات الزينة مثل الأساور والخواتم والعقود والقلائد. إضافة إلى ذلك، كانت المرأة العربية في الجاهلية تستخدم الطيب والعطور بكثرة، حتى أن بعضهن كانت تضع العطر على شعرهن وملابسهن. وكان العطر يُستخدم بشكل يثير الانتباه ويُظهر رائحة مغرية.

3. الحلي والمجوهرات:
   لم يكن التبرج مقتصرًا على الملابس وحدها، بل كان الحلي والمجوهرات جزءًا أساسيًا من تلك الحقبة. وكانت النساء في الجاهلية يتزينّ بالخواتم والأساور المصنوعة من الذهب والفضة، ويضعن الحلي على أجسامهن بشكلٍ مكثف.

4. التسريحات والتسريحات الزائدة:
   كانت النساء في الجاهلية تولي أهمية كبيرة لتسريحات الشعر. حيث كانت بعضهن تزين شعورهن بطريقة مبالغ فيها، وتضيف الشعر المستعار أو الزينة الخاصة بالشعر ليظهر مظهرًا فخمًا وفائق الجمال.

5. البالغة في التصوير الجسدي:
   كانت النساء يُظهرن مفاتنهن الجسدية بطرق مكشوفة وملفتة. وكان الهدف من ذلك إظهار الجمال والجاذبية. لم تكن هناك أي ضوابط للزي أو السلوك في هذا السياق، وكان التبرج يعبر عن الافتخار بالجمال الجسدي وتفاخره أمام الآخرين.

التبرج في ضوء الإسلام

عندما جاء الإسلام، شرع مبادئ جديدة تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع. ومن أهم المبادئ التي جاء بها الإسلام هو الحجاب وضرورة الستر. وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحث النساء على التواضع في الزينة والابتعاد عن التبرج، حيث يقول الله تعالى في سورة النور:

“وَقُل لِّلمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…” (النور: 31)

وقد حث القرآن على ضرورة ستر المرأة لمفاتنها وحذر من التبرج في العلن، مؤكداً على الحشمة والحياء كجزء أساسي من أخلاق المؤمنات. وكان الهدف من ذلك هو حماية المجتمع من الفتنة والحفاظ على الآداب العامة.

الحديث النبوي الشريف

كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها” (صحيح مسلم).

يتضح من هذا الحديث أن التبرج الذي كان سائدًا في الجاهلية يعد من مظاهر الفساد التي حذر منها الإسلام. وقد جاء الإسلام ليقضي على هذا النوع من التفاخر بالمظهر الجسدي ويحث على التواضع والحشمة.

تطور مفاهيم التبرج عبر العصور

مع مرور الوقت، تغيرت مفاهيم التبرج على مر العصور. ففي العصر العباسي كان هناك نوع من التوسع في مظاهر التجميل والتزويق. ومع العصر الحديث، ظهرت أساليب وطرق حديثة للتبرج، تمثلت في استخدام مستحضرات التجميل والعطور والأزياء الحديثة. إلا أن قيم الإسلام المتعلقة بالحشمة والستر ظلت ثابتة، وأصبح الحفاظ على هذه القيم جزءًا من هوية المسلمين.

الخاتمة

تبرج الجاهلية الأولى يمثل مرحلة تاريخية كانت تسيطر عليها مفاهيم خاطئة عن الجمال، حيث كان يُنظر إلى المظهر الجسدي كعنصر رئيسي في تقييم المرأة، وكان ذلك يساهم في انتشار الفساد والانحلال الاجتماعي. ومع ظهور الإسلام، تغيرت هذه المفاهيم، وأصبح هناك تركيز على الأخلاق والتقوى بدلاً من المظاهر الجسدية. وتبقى هذه الحكاية عبرة للأجيال القادمة حول أهمية الأخلاق والحياء في بناء المجتمعات المستقيمة.