محلات “شملا”، الواقعة في 11 شارع 26 يوليو بوسط البلد، تشكل قطعة من تاريخ وسط البلد المصري، حيث تجمع بين أصالة الماضي وتطوّر الحاضر. تأسست هذه المحلات في أوائل القرن الماضي على يد رجل الأعمال اليهودي كليمان شملا، والذي نسجت حكايته وحكاية محلاته طابعًا فريدًا في سماء التجارة المصرية.
كليمان شملا، هذا الرجل ذو الأصول الفرنسية الذي وُلد في تونس عام 1907م، قرر أن يرسم مسار حياته في مصر، حيث أسس محلات “شملا” كفرع لفرعها الرئيسي في باريس. كانت هذه المحلات ليست مجرد مكان للتسوق، بل كانت تحمل روحًا تجارية فريدة، حيث اشتهرت ببيع الملابس، المنسوجات، والأدوات المنزلية، مما جعلها واحدة من الوجهات التجارية البارزة في وسط البلد.
عاشت “شملا القاهرة” فترة ذهبية، حيث كانت تنافس بفخر أشهر الماركات والعلامات التجارية العالمية. ولكن كما هو الحال مع العديد من المحلات التجارية القديمة، شهدت “شملا” تحولات جذرية في مسارها التجاري.
في سنة 1956م، وخلال ثورة يوليو، شهدت مصر سياسة تأميم تجارية تأثرت بها العديد من الشركات والمحلات اليهودية، بما في ذلك “شملا”. فبدأت عمليات التأميم في التقليص من تأثير الرجال الأعمال اليهود، وهو ما أثّر بشكل كبير في توجهات التجارة في تلك الحقبة.
بعد فترة من التحولات والتغييرات، أصبحت “شملا” جزءًا من شركة الملابس والمنتجات الاستهلاكية الحكومية، التي كانت تديرها الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما. هذا الاندماج القسري جعل “شملا” جزءًا من المشهد التجاري بطابع جديد، لكنه في الوقت ذاته أبقى على بنيتها الأثرية كشاهدة على تطور وتحول التجارة في وسط البلد.
رغم تغيّر الزمان والأحوال، إلا أن محلات “شملا” ما زالت تحتفظ بجاذبيتها التاريخية وترتبط بالذاكرة المصرية. إنها ليست مجرد محلات تجارية، بل هي أيضًا معلم تجاري يحكي قصة مائة عام من التسوق في قلب وسط البلد المصري، والذي كان يُلقب في مرَّات كثيرة بـ “باريس الشرق”.
المزيد من المعلومات
محلات “شملا”، التي أُسست في بدايات القرن الماضي، لم تكن مجرد مركز للتسوق والتجارة، بل كانت أيضًا مركزًا للحياة الاجتماعية والثقافية في وسط البلد المصري. كانت هذه المحلات تعكس روح العصر وازدهار الحركة التجارية في القاهرة الخديوية، حيث كانت المدينة تشهد نمواً اقتصادياً وتنوعاً ثقافياً.
كليمان شملا، الرجل الرائد ورائد الأعمال الذي أسس المحلات، لم يكن فقط تاجرًا بل كان أيضًا مساهمًا فاعلًا في المجتمع المصري. وُلد في تونس وهاجر إلى مصر، وبدأ في بناء إمبراطوريته التجارية التي امتدت إلى باريس ووسط البلد بالقاهرة. بجانب نشاطه التجاري، شارك في تأسيس وإدارة العديد من البنوك والشركات المالية في مصر، مما جعل له دورًا كبيرًا في تشكيل المشهد الاقتصادي.
بالنظر إلى الفترة التي عاشها كليمان شملا، تُظهر حقبة ما قبل وبعد ثورة يوليو 1952م أهمية هذه المحلات وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع المصري. مع بداية الحكومة الناصرية، جرت عمليات التأميم التي أثرت على الشركات والأعمال التجارية اليهودية، ومن بينها “شملا”. هذا التحول القسري أدى إلى تغيير في هيكل وإدارة المحلات، واضطر كليمان شملا إلى التخلي عنها.
رغم مرور الوقت والتغيرات الكبيرة في السياق التجاري، بقيت محلات “شملا” تحمل بين جدرانها تاريخاً عريقًا يروي قصة تجارية واجتماعية متشابكة. تحولت إلى شركة مساهمة، ومع ذلك، استمرت في العمل بنفس المباني الَّتي أضحت اليوم “مبانٍ أثرية”، تحمل عبق الماضي وتعكس تطوّر وسط البلد وتاريخ القاهرة الخديوية، التي كانت معروفة سابقًا بلقب “باريس الشرق”.