مكونات السن: التركيب التشريحي والوظيفي للأسنان

تُعد الأسنان أحد أهم التراكيب التشريحية في الجسم البشري، إذ تلعب دورًا أساسيًا في عملية المضغ والكلام والحفاظ على بنية الوجه. كما أنها تمثل خط الدفاع الأول في الجهاز الهضمي من خلال تجهيز الطعام ميكانيكيًا قبل دخوله إلى القناة الهضمية. يتكون السن من عدة مكونات رئيسية تتكامل معًا لتؤدي وظائفها الحيوية بكفاءة. هذا المقال يتناول بشكل موسّع ودقيق مكونات السن، مع تحليل لكل جزء على حدة، وشرح للوظائف الحيوية، والتركيب الخلوي والأنسجة المكوّنة، وكذلك الخصائص الفيزيائية والكيميائية المرتبطة بكل مكون.

التركيب العام للسن

السن عضو صلب مغروس في الفكّين، ويتكون من جزء ظاهر يسمى التاج (Crown)، وجزء غير مرئي مغروس داخل العظم يعرف بالجذر (Root)، ومنطقة انتقالية بينهما تُعرف بعنق السن (Neck). يتكون السن من أربعة أنسجة رئيسية وهي: المينا، العاج، اللب، والملاط. كما يحيط بالسن عدد من البُنى الداعمة مثل الرباط السنخي والعظم السنخي.

أولاً: المينا (Enamel)

التعريف

المينا هو الطبقة الخارجية التي تغطي تاج السن، وتُعد أصلب نسيج في الجسم البشري. تتكون بشكل أساسي من مواد غير عضوية.

التركيب الكيميائي

• المواد غير العضوية (96%): معظمها فوسفات الكالسيوم على شكل هيدروكسي أباتيت (Ca₁₀(PO₄)₆(OH)₂).

• المواد العضوية (1%): بروتينات غير كولاجينية مثل الأميلاوجينين.

• الماء (3%): يساهم في انتقال الأيونات ويمنح المينا مرونة محدودة.

الخصائص الفيزيائية

• لون المينا يتراوح بين الأبيض إلى الأصفر الباهت.

• شفاف نسبيًا.

• مقاوم للبلى والضغط.

• غير قادر على التجدد بعد التآكل أو الكسر، لأنه نسيج غير حيّ.

الوظيفة

تحمي المينا الطبقات الداخلية من السن ضد العوامل الميكانيكية (كالضغط والمضغ) والعوامل الكيميائية (كالحمض الناتج عن البكتيريا).

ثانياً: العاج (Dentin)

التعريف

العاج هو النسيج الكلسي الذي يقع أسفل المينا ويمثل الجزء الأكبر من بنية السن. يحيط باللب ويشكّل الجذر أيضًا.

التركيب

• المواد غير العضوية (70%): بشكل رئيسي هيدروكسي أباتيت.

• المواد العضوية (20%): بروتينات كولاجينية من النوع الأول.

• الماء (10%): يُسهم في مرونة النسيج.

التركيب الخلوي

• يحتوي على أنابيب دقيقة تعرف باسم “أنابيب العاج” (Dentinal Tubules)، تمتد من اللب إلى حدود المينا أو الملاط.

• يمر من خلالها زوائد خلوية للخلايا المكوّنة للعاج (خلايا الأودونتوبلاست).

الوظيفة

• يدعم المينا ويمنح السن القوة والمرونة.

• يلعب دورًا في الإحساس بالألم والضغط والحرارة نتيجة وجود الألياف العصبية في أنابيبه.

ثالثاً: اللب (Dental Pulp)

التعريف

اللب هو الجزء الداخلي الطري من السن، ويحتوي على الأعصاب والأوعية الدموية والخلايا المتخصصة.

التركيب

• الأنسجة الضامة: تتضمن ألياف الكولاجين والخلايا الليفية.

• الخلايا: خلايا الأودونتوبلاست التي تفرز العاج، وخلايا مناعية، وخلايا جذعية.

• الأوعية الدموية: تغذي السن وتزوّده بالأوكسجين والعناصر الغذائية.

• الأعصاب: مسؤولة عن الإحساس بالألم والضغط.

الوظيفة

• تُنتج العاج عبر الخلايا المتخصصة.

• توفر الدعم الغذائي للسن.

• تنقل الإحساس من السن إلى الجهاز العصبي المركزي.

• تشارك في التفاعلات المناعية عند وجود تسوس أو إصابة.

رابعاً: الملاط (Cementum)

التعريف

الملاط هو نسيج عظمي يغلف الجذر ويساعد على تثبيت السن في مكانه داخل العظم السنخي.

التركيب

• يشبه تركيب العظم لكنه لا يحتوي على أوعية دموية.

• يتكون من مواد غير عضوية (حوالي 45-50%) وبروتينات كولاجينية (50-55%).

الأنواع

• ملاط خلوي: يحتوي على خلايا تُعرف بالخلايا الملاطية.

• ملاط لاخلوي: لا يحتوي على خلايا، ويتواجد في الجزء العنقي من الجذر.

الوظيفة

• يربط الجذر بالألياف الرابطة للرباط السنخي.

• يساعد في عملية تجديد الخلايا المحيطة بالجذر في حال وجود ضرر أو التهابات.

مكونات داعمة للسن

الرباط السنخي (Periodontal Ligament)

• نسيج ضام غني بالألياف يربط الجذر بالعظم السنخي.

• يحتوي على أوعية دموية وأعصاب.

• يساهم في امتصاص الصدمات ويمنح السن القدرة على التحرك الطفيف داخل التجويف العظمي.

العظم السنخي (Alveolar Bone)

• هو الجزء من الفك الذي يحتوي على تجاويف الأسنان.

• يتكوّن من نسيج عظمي إسفنجي يغلفه عظم قشري.

• يوفر الحماية والدعم للسن.

اللثة (Gingiva)

• نسيج ضام مغطى بطبقة من الظهارة، يغطي العظم السنخي ويحميه.

• تلعب دورًا في تثبيت السن ومنع دخول الجراثيم إلى الجذر.

الجدول التالي يلخص أبرز مكونات السن ووظائفها الرئيسية

تطور مكونات السن

التكوين الجنيني

تبدأ الأسنان بالتكوّن في مراحل مبكرة من الحياة الجنينية، حيث تتطور من تفاعل معقد بين الأديم الظاهر والأديم المتوسط. تنشأ المينا من خلايا الأديم الظاهر (الأميلاوبلاست)، بينما ينشأ العاج واللب والملاط من خلايا الأديم المتوسط (الأودونتوبلاست، الخلايا الملاطية).

مراحل التكوين

1. مرحلة البرعم: بداية تشكل السن كبرعم صغير داخل الفك.

2. مرحلة الغطاء: تنمو الخلايا لتُشكّل بنية مقببة.

3. مرحلة الجرس: تبدأ الخلايا المتخصصة بالتشكّل.

4. مرحلة التكلس: ترسيب المواد المعدنية لبدء تكوّن المينا والعاج.

تأثير الأمراض على مكونات السن

التسوس

• يصيب المينا أولاً، ثم يمتد إلى العاج وأخيرًا اللب.

• يتطلب علاجًا مبكرًا لمنع تدمير البنية الداخلية للسن.

التهاب اللثة والرباط السنخي

• ينتج عن تراكم اللويحات الجرثومية.

• يؤدي إلى تراجع اللثة وفقدان الدعم البنيوي للسن.

التهاب اللب

• التهاب مؤلم قد يحدث بسبب تسوس عميق.

• قد يتطلب معالجة لبية (سحب العصب) لحفظ السن.

تآكل الملاط

• يحدث نتيجة الالتهابات المزمنة.

• يؤدي إلى انكشاف الجذر وزيادة الحساسية.

أهمية المحافظة على مكونات السن

العناية بالأسنان بشكل يومي باستخدام الفرشاة، والخيط، والمضمضة الطبية يحافظ على المينا ويمنع تراكم اللويحات. الفحوصات الدورية لدى طبيب الأسنان تتيح اكتشاف التغيرات في العاج أو اللب مبكرًا، مما يمنع حدوث التهابات قد تؤدي إلى فقدان السن. كذلك فإن الالتزام بنظام غذائي صحي منخفض السكريات يُقلل من مخاطر التسوس ويُعزز صحة أنسجة السن.

المصادر والمراجع

1. Ten Cate’s Oral Histology: Development, Structure, and Function – Nanci A. (Elsevier)

2. Oral and Maxillofacial Pathology – Neville, Damm, Allen, Bouquot