في إقليم نهر الأردن، الذي يشمل الأردن وفلسطين الحاليتين، احتلت الأنباط مكانة بارزة خلال الفترة الكلاسيكية، وخاصةً في فترة حكمهم الذهبية من نهاية القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي. شكلت الأسرجة النبطية جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية والثقافية في هذه المنطقة.
شهدت الأردن، وبالتحديد، فترة ازدهار كبيرة خلال حكم الأنباط. كانت بلاد الأنباط في موقع مرموق على طرق القوافل التجارية بين الجزيرة وسواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. تمتعت المملكة النبطية بالازدهار السياسي والاقتصادي، وتأثرت المدن مثل الديكابوليس في شمال الأردن وسوريا بتفوقها. وعلى الرغم من محاولات القائد الروماني بومبي في العام 63 قبل الميلاد للسيطرة على تلك المناطق، إلا أن الأنباط استمروا في تقديم إسهاماتهم البارزة.
كانت النشاطات الاقتصادية للأنباط متنوعة ومتميزة، سواء في التجارة أو الزراعة أو الصناعات، خاصةً الصناعات الفخارية التي تميزت بالدقة والرقة. رغم تأثرهم بالثقافات الإغريقية والهيلينية والرومانية، إلا أن الأنباط طوّروا أنماطًا فريدة لهم، كما تظهر ذلك من خلال نتائج الحفريات.
تظل المعلومات حول الأسرجة النبطية من المواقع النبطية قليلة وغير واضحة، ولكن حفريات في البتراء عام 1981 قدمت بعض الإضاءة. كانت هذه الأسرجة عادة مستديرة الشكل، خالية من المقابض، وتحمل صنبورًا وقاعدة مستوية. وقد زُيِّنت فتحة النبطية في وسطها بدائرتين. كانت بعض الأسرجة تحمل علامات ورموز، مثل SLM أو TLT، تعكس تأثيرًا رومانيًا وترحيبًا بالسنة الجديدة.
رغم تأثر الأنباط بالثقافات الخارجية، إلا أنهم ابتكروا تقاليد خاصة بهم. أُكتشِفَ مسكن في العقبة يرجع إلى القرون الأولى قبل وبعد الميلاد، يحتوي على أسرجة نبطية تزينها نقوش ورموز، ربما لإضاءة القبور أو لأغراض دينية.
تظهر بعض الأسرجة النبطية، التي تجنبت التأثيرات الهلنستية، برسوم زخرفية خاصة على قواعدها، مما يشير إلى استخدامها في طقوس خاصة، سواء لإضاءة القبور أو للعبادة. كانت هذه الأسرجة أحيانًا تحمل زخارفًا أسطورية، كما عثر على نقوش تحمل كلمة “رأيت” بالحروف النبطية، مشيرة إلى الإنارة والضوء الذي توفره.
بالنظر إلى هذه الآثار، يتضح أن الأنباط قد أسهموا بشكل كبير في تطوير الصناعات والتجارة في المنطقة، وأن الأسرجة النبطية تشكل جزءًا أساسيًا من تراثهم الثقافي والتاريخي.
المزيد من المعلومات
على الرغم من أن المعلومات المتاحة حول الأسرجة النبطية قد تكون قليلة، إلا أن الحفريات في منطقة البتراء قد أسفرت عن اكتشافات تُلقي الضوء على طرازات واستخدامات محتملة لهذه القطع الفنية.
تبدو الأسرجة النبطية الفخارية التي عُثر عليها في البتراء عام 1981 عبارة عن قطع ذات تصميم متقن، حيث تُظهر تفاصيل دقيقة على سطحها. يُفترض أن شكلها المستدير وعدم وجود مقبض يميزها كشكل فني وعمل فني فريد.
من النقوش والعلامات الموجودة على بعض الأسرجة، يمكن التنبؤ بأن بعضها كان يحمل تأثيرات رومانية، حيث وجدت قواعد بعض الأسرجة تحمل الحروف (SLM) أو (TLT)، وهي رموز رومانية تعني التحية أو التهنئة بالسنة الجديدة. هذا يشير إلى التأثير الثقافي الذي كان للرومان على الأنباط.
كما يظهر من خلال النقوش على السرج النبطي، وجود كلمة “رأيت” بالحروف النبطية، مما يشير إلى دور هذه القطع في إضاءة وإنارة المكان. يعتبر هذا الجانب الديني أو الطقوسي من الأهمية، حيث قد تم استخدام هذه الأسرجة في سياقات دينية أو مراسم تذكارية.
يمكن أيضاً استنتاج أن بعض الأسرجة النبطية كانت تحمل زخارفًا تصويرية، قد تكون ذات أهمية رمزية أو تعبر عن تقاليد وأعراف خاصة بالأنباط. وتظهر بعض القطع الفخارية التي اكتشفت في العقبة زخارف أسطورية، مما يشير إلى الاستمرارية الثقافية والروحانية للأنباط.
في الختام، يظهر أن الأسرجة النبطية لا تمثل مجرد أدوات يومية، بل كانت تحمل أبعادًا فنية وثقافية ودينية. يشير الاكتشاف الأكثر أهمية إلى أن الأنباط قد ابتكروا قطعًا فنية فريدة، تعكس تأثيرات ثقافية متنوعة وتعبيرًا عن هويتهم الفريدة في هذه الفترة الزمنية المهمة من تاريخ المنطقة.