في كتابه “تأملات في السياسة السودانية”، يقف الكاتب أحمد محمد عند حافة الواقع السياسي المعقد في السودان، حيث يرصد بعناية وتأمل عميق عجز النظام عن توفير حلول مرضية لأزمات البلاد. يركز الكتاب بشكل خاص على عدم قدرة النظام على تقديم التنازلات اللازمة، مما أدى إلى الفشل الذريع في معالجة الأوضاع الصعبة، بل وتعميقها.
وفي محاولة منه لتحليل الأحداث، يسلط الضوء على كيف أدى عجز النظام إلى اللجوء إلى المناورة بقضايا حساسة، لاسيما قضية السلام، التي أصبحت من أبرز المحاور في السياسة السودانية. يبرز الكتاب جهد النظام في تحويل إتفاقية السلام الشامل إلى وثيقة تمثل ضماناً لاستمراريته في السلطة في الشمال، دون النظر إلى التداعيات الكارثية لهذا الاتجاه. هذه الخطوة قوضت فرص السلام المتوقع وأدت في النهاية إلى انفصال الجنوب.
وفي تقدير الكاتب، يتضح أن استمرار حكم دولة المؤتمر الوطني في الشمال وتأسيس دولة الحركة الشعبية في الجنوب، في غياب المؤسسات والشفافية، وتقصير أو حتى غياب المشاركة الشعبية، سيؤدي إلى انتشار الفساد في كلا الدولتين. يرى الكتاب أن هذا الوضع، في ظل غياب مبدأ المحاسبة وتراجع مستوى المشاركة الشعبية، يشكل تهديداً حقيقياً لتعميق الأزمة، وربما يؤدي في النهاية إلى نشوء دولتين فاشلتين بدلاً من دولة واحدة فاشلة.
تبرز صفحات الكتاب الـ168 صفحة بلغة تحليلية دقيقة، تجسد تأملات الكاتب في طبيعة السياسة السودانية وتبني وجهة نظر تحذيرية من تداول السلطة بطرق غير شفافة. ويعتبر الكتاب إضافة قيمة إلى فئة الكتب السياسية، وتحديداً في فرع العلوم السياسية، حيث يقوم بإلقاء الضوء على جوانب مظلمة في تاريخ السودان الحديث ويشير إلى أهمية بناء مؤسسات ديمقراطية قائمة على المشاركة الشعبية ومبدأ المحاسبة. يصدر الكتاب عن دار النشر “نور للنشر”، ويأتي بغلاف ورقي يعكس جوهر المحتوى الذي يتعامل بشكل جاد مع قضايا تاريخية وراهنة في السودان.